الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المعركة على ناصر والحرب على الدولة

المعركة على ناصر والحرب على الدولة

انتهى موسم الهجوم على الرئيس جمال عبد الناصر بانتهاء احتفالات ثورة يوليو . وللرجل مواسم للهجوم . ذكرى النكسة وذكرى الثورة . وتتبعت على قدر استطاعتى عاصفة الهجوم على الرجل . هناك هجوم منظم منضبط ومركز على الرجل وتشويه سمعته عند الشباب . تشويه للمستقبل . وراء العاصفة عقول غربية تقود ماكينات تدار بالنفط الخليجى . مناخ عام يتجمع اسفله طوائف كثيرة من المجتمع . رجال الاعمال والاخوان والجهلاء وفقراء الفكر ومعدومى الثقافة والمزايدين والعملاء . والهدف الذى يقصده العقل الغربى صاحب فكرة التشويه هو ضرب الدولة المصرية . ضرب مشروع رأسمالية الدولة . 



 

ناصر معركة . لكن الحرب على الدولة . كان ناصر رمز ا كبيرا للدولة المصرية . احد اباطرة مشروع رأسمالية الدولة . هو المؤسس . كان مشروعه مؤلما لمصالح غربية كبرى . كان مهددا للرجعيات الملكية الممتدة الى الان بوجوه جديدة وثياب قديمة . لكنه كان حاكما شرقيا . اخطائه ارتبطت ارتباطا وثيقا باحلامه الفردية . فكان صيده سهلا . عندما تخطت طموحاته قدراته كان لابد من ( ادماء انفه ) حسب تعبير دايفيد دين راسك وزير خارجية الولايات المتحدة فى عهد الرئيسين كنيدى وجونسون . لقد كان جمال مشروعا مسنودا من الولايات المتحدة الامريكية فى بداية ظهوره على المسرح . كان الامبراطور الأمريكى يتمدد ليخرج من عزلته خلف الأطلسى. كانت الرأسمالية الأمريكية تدفع الإدارة الأمريكية لتوسع الإمبراطورية لترث الإمبراطوريات القديمة الشائخة. نجحت الرأسمالية فى حربها الداخلية واتخذت إدارة فرانكلين روزفلت قرارها بخروج الولايات المتحدة من عزلتها. كانت الحرب العالمية الثانية توشك على الانتهاء بانتصار الحلفاء. الدخول الرسمى للأمريكان إلى المنطقة بدأ عام 1945 من خلال وقوف الطراد كوينسى فى البحيرات المرة فى قناة السويس عصر يوم 12 فبراير. كان على متنه الرئيس فرانكلين روزفلت مع الملك عبدالعزيز آل سعود فى أول لقاء بين رئيس أمريكى وملك سعودى. كما قابل روزفلت الملك السمين البائس الفاسد فاروق الذى راح يشتكى من تصرفات السفير البريطانى معه مما جعل روزفلت يحول حديثه إلى أحمد حسنين باشا وتركهما الملك فاروق يتحدثان وراح يتجول فى الطراد ويشاهد مدافعه الضخمة ومبديا إعجابه بالصناعة الأمريكية. اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية القرار. الحصول على النفط السعودى وتغيير النظام السياسى الفاسد والبائس فى مصر. كان لرجال الولايات المتحدة وجهتا نظر. الأولى كانت لضابط المخابرات الأمريكى كيرميت روزفلت ابن شقيق الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت. كانت وجهة نظره هى تحويل مصر إلى ملكية رمزية. أى يصبح الملك رمزًا كملكة إنجلترا ويتم اختيار حكومة قوية من رجال الأحزاب الموجودة مع الإسراع بالاستقلال عن الإنجليز ليكتسب المشروع شرعية الحكم. وكان الرأى الآخر للسفير الأمريكى كافرى جيفرسون السياسى المحنك وأحد رجال جورج مارشال وأحد مؤسسى حلف الأطلنطى. كان رأى كافرى هو الاعتماد على الجيش وبالتحديد ضباطه الصغار للقيام بانقلاب على الملكية وتولى حكم البلاد. كان كافرى على علاقة وثيقة بجمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وأنور السادات. وبعيدًا عن التفاصيل الكثيرة تبنت الإدارة الأمريكية وجهة نظر كافرى وأيدها بعد ذلك كيرميت روزفلت بعد عدة جلسات مع «مصطفى أمين» الصحفى الذكى كما قال عنه فى مذكراته. وقام الضباط الأحرار بالحركة المباركة. كانت نظرية جمال عبدالناصر فى تحقيق الثورة تتلخص فى:

- إن مصر مهيأة للثورة فهى تعيش حالة ثورية حقيقية بمجمل أوضاعها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى وصلت إلى طريق مسدود بحريق القاهرة.

- إن الشعب لا يتحرك لأن النظام الملكى يستعمل الجيش ضده كسلاح للإرهاب.

- إذا انتقلت أداة القوة وهى الجيش من سيطرة الملك وانحازت للشعب إذن فإن الشعب سوف يتحرك ضد النظام.

وعندما استقر الوضع أطلق الدكتور طه حسين مسمى (ثورة) فى سلسلة مقالاته فى يوميات الأخبار بالصفحة الأخيرة. منذ أن أطلق عليها الدكتور طه حسين لفظ (ثورة) اتخذها نظام جمال عبدالناصر ومن بعده اسم ثورة يوليو. كان أمام ناصر أهداف كما كان له صفقات ثمنًا لتحقيق أحلامه لبلاده. كانت صفقاته بوضوح وهى كثيرة لكن أهمها كان إزاحة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. وكانت حرب السويس كلمة النهاية لهاتين الإمبراطوريتين الشائختين.

كان جمال عبدالناصر لم يكن لديه حين قامت الثورة غير مضمون الشعار الذى لم يكن يردده غيره فى تلك الأيام وهو شعار «العزة والكرامة» ولم تكن لديه فى هذه الظروف برنامج كامل للعمل الوطنى يشتمل على تغييرات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية محددة لكن مضمون شعار «العزة والكرامة» ينطوى على ايماءات واضحة أولها إعادة السلطة إلى الشعب والثانى تخليص الوطن من سيطرة واستغلال الملك والإقطاع والاحتلال البريطانى. وعندما تولى الحكم وهو مازال شابًا ومصر غارقة فى الفساد والتخلف. كان يشعر بأهمية التنمية لشعبه شعورًا غريزيًا. ذلك الشعور الذى يولده الإحساس بالحاجة إلى شئ فى اتجاه معين دون أن تكون هناك دراسة كاملة لهذا الشئ وتحديد دقيق لهذا الاتجاه. وشعر أنه اذا انتظر حتى تكتمل الدراسة وحتى يتم التحديد الدقيق للاتجاه. فإن وقتًا ثمينًا سوف يضيع. وفى نفس الوقت فإنه لم يكن يثق فى الجهاز الحكومى الذى ورثته الثورة من العهد الملكى ومن هذا تحرك فى ثلاثة اتجاهات على طريق التنمية. 

جاء بالمشروعات التى وردت فى وعود وزارات ما قبل الثورة أثناء خطب العرش واعتبر أن هذه المشروعات درست بما فيه الكفاية وأنشأ مجلسًا أعلى للإنتاج خارج إطار الجهاز الحكومى وضم فيه مجموعة من أبرز خبراء مصر الاقتصاديين قبل الثورة وممن لم تلحق بسمعتهم شوائب. وجعل على رأسهم حسين فهمى وهو اسم من ألمع الأسماء الاقتصادية وقتها. وكان قد تولى وزارة المالية من قبل – إلى جانب إسهامه فى إنشاء كثير من المشروعات فى السنوات السابقة ووضعت تحت تصرف مجلس الإنتاج كل المبالغ التى أمكن توفيرها له ورصدها للتنمية ووصلت هذه المبالغ إلى أكثر من ألف مليون دولار.

وكان من أبرز المشروعات التى نفذت بإشراف مجلس الإنتاج مصنع حديد حلوان ومصنع السماد فى أسوان وكهربة خزان أسوان وكهربة خط حلوان. وفى نفس الوقت كان جمال عبدالناصر قد أنشأ مجلسًا أعلى للخدمات خارج إطار الجهاز الحكومى أيضا. ووضع على رأسه فؤاد جلال وطلب أن يحول إليه كل ما صودر من ثروة الملك السابق ومن أملاك الخاصة الملكية وقد بلغت قيمتها فى ذلك الوقت سبعين مليون جنيه وقد نفذت بها مشروعات الوحدات المجمعة للصحة والتعليم وإعادة التدريب والإرشاد الزراعى فى الريف إلى جانب سلسلة المستشفيات المركزية التى أنشئت فى ذلك الوقت. 

- بعد هذه الخطوة الأولى فى مجال التنمية وقد كانت فى مجال رد الفعل. بدأ عبدالناصر يفكر فى الطريقة التى يمكن بها وضع خطة كاملة للتنمية الاقتصادية فى مصر واقر توصية لمجلس الإنتاج فى ذلك الوقت بأن يعهد إلى بيت خبرة أمريكى عالمى هو بيت (آرث دوليتل) الشهير بإجراء مسح شامل لإمكانيات مصر الاقتصادية وكيف يمكن التخطيط لها تخطيطًا شاملًا وتم ذلك فعلا. وقامت مجموعة من خبراء دوليتل بمهمة استغرقت سنتين كاملتين. 

- فى نفس الوقت فإن جمال عبدالناصر كان يدرك أهمية جهاز تخطيط وطنى ومع أنه كان يعتقد أن التخطيط أرقام. فقد كان يشعر فى نفس الوقت أن التخطيط التزام أيضًا. كان ذلك فى سنوات 1953 و1954 و1955.

لم يكن جمال عبدالناصر قائدا لثورة غيرت تاريخ وجغرافيا الوطن العربى. ولم يكن كذلك زعيمًا فريدًا من نوعه. ولم يكن رئيسًا استثنائيًا فى بناء أمته. لم يكن الرجل كل هذا فقط. بل كان رجلًا بحجم مصر وبحجم اللحظة التى جاء فيها. سيظل عبد الناصر معركة فى حرب الغرب على مصر . لقد (ادموا انفه) وكان هذا هو المطلوب. ولا يزال !.