الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مقاهى وأزمنة

مقاهى وأزمنة
مقاهى وأزمنة


«مقاهى وأزمنة» هو عنوان فيلم تسجيلى للمخرج المصرى سميح منسى،  الفيلم يرصد  الحركة الشعبية من خلال مقاهى القاهرة، التى كانت تقدم الثقافة والفن والسياسة أحيانًا، مع تقديم المشروبات مثل القهوة والشاى والينسون وغيره.
الفيلم يرصد تاريخ المقاهى المصرية التى بدأت منذ  الحكم العثمانى، ووصل عدد مقاهى القاهرة فى عام 1880 إلى 1527 ما بين بولاق والأزبكية وعابدين.

«مقاهى وأزمنة» عمره عشر سنوات ظل فيها حبيسًا لم ير النور ولم يعرض، حيث انتهى المخرج سميح منسى  منه عام 2008 غير أن الشركة المنتجة أجلت عرضه وبعدها تمت تصفية الشركة، ليظل الفيلم  بعيدًا عن شاشة العرض لأسباب  لا يعلمه سوى مخرجه فقط، وأخيرًا تم عرضه فى جمعية الفيلم الأسبوع الماضى للمرة الأولى وتبعها فى أقل من  خمسة أيام عرض ثانٍ.
لذلك كان لقاؤنا مع مخرج الفيلم  لمعرفة السر، ولماذا تأجل عرضه طوال تلك الفترة رغم  الحفاوة التى تلقاه بها الجمهور.
 سميح منسى هو واحد من أهم مخرجى الثمانينيات للسينما التسجيلية فى مصر، وأحد أهم كوادر المركز القومى للسينما ولديه العديد من الأفلام والحاصل على عدد من الجوائز. آخر تلك الأفلام كان فيلم «نازلين التحرير» الذى رصد فيه أيام ثورة 25 يناير عبر  كل الأطراف السياسية،  وردود الفعل الشعبية من خلال   تصوير أحداث ميدان التحرير.
وعن حكاية فيلم «مقاهى وأزمنة» يحكى منسى قصة إنتاج الفيلم والتى كانت فى النصف الثانى من عام 2007، حيث طلب منه  المفكر والصحفى محمد السيد سعيد  أن يخرج فيلمًا تسجيليًا عن مقاهى القاهرة التاريخية. لشركة «التقدم» المالية وقتها لجريدة البديل والتى تنوى إنتاج سلسلة أفلام تسجيلية عن القاهرة .
وطوال أربعة أشهر سجل فيها منسى  من 15-20ساعة تصوير، واستعان فيها بعدد من أرشيف الصور لدور المحفوظات وأقدم مؤسسات الصحافة المصرية لإنتاج 45 دقيقة هى مدة فيلم «مقاهى وأزمنة».
وقام بتسليم  الفيلم للشركة حتى تبدأ المونتاج «الغريب» كما جاء على لسان منسى، فالشركة رفضت حضور منسى لجلسات المونتاج الأخيرة ورفضت إعطاءه نسخة من الفيلم حتى النسخة الخاصة به قانونًا قبل المونتاج  ورفضت أيضًا  منحه  مستحقاته المالية عن الفيلم. وظل الفيلم حبيس الأدراج عامين حتى قامت ثورة يناير  وثورة 30يونية.
وخلال تلك الفترة كانت الشركة قد  أنهت أعمالها فى مصر وسافر أصحابها للخارج «وتكشفت صلتهم بالإخوان» بحسب منسى، لكن يظل الفيلم عملاً فنيًا يرصد حركة الفن والثقافة والتاريخ عبر الكاميرا.
الأصل كان عند المونتير
أكد منسى أنه  استطاع استرجاع عمله عن طريق  صديقه مونتير الفيلم، كما أجرىمونتاجًا جديدًا للفيلم ليظهر للنور الآن بعد أن نصحه كل من رأى الفيلم من السينمائيين بشكل خاص وطالبوه بالعرض العام.
وردًا على  سؤال: لماذا وافقت على عمل الفيلم رغم أنه  لم يكن فكرتك؟! أكد منسى: «أولاً لأنه مخرج محترف. ثانيًا لأن الفيلم كان بداية تجربة خاصة مع المقاهى فى القاهرة  منذ أن جاء من الريف إلى القاهرة ليعيش مع أخته لاستكمال تعليمه وفى وقت مبكر من صباه، وارتبط بالمقهى وكان يقضى بها وقته سواء للقاء أصدقائه أو الترفيه أو أحيانًا للقراءة، ولأنه من ساكنى الدقى، ارتبط بمقهى إنديانا، ورغم أنه بعيد نسبيًا عن وسط البلد ومفاهيمها الشهيرة، فإن إنديانا من أشهر مقاهى المثقفين والسياسيين، لارتباطها برواد مثل الرئيس العراقى صدام حسين، الذى كان يرتادها فى شبابه وأثناء دراسته بالقاهرة وظل حريصًا على ارتيادها مع كل زيارة لمصر فيما بعد، وأيضًا الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات، وتعرفت فيها على كبار الكتاب والفنانين».
وعن  الفيلم قال: كنت أريد إنتاج فيلم عن المقاهى برؤية جديدة لأن  «مقاهى وأزمنة» ليس الأول عن  تاريخ المقاهى المصرية، ولكن الرؤية التى يعرضها هى الجديدة، فالمقاهى لم تكن فقط مكانًا للقاء بين الأفراد أو التسلية، لكن من خلالها يمكننا رصد حركة المجتمع المصرى، ثقافته وإبداعه الفنى  وتاريخه السياسى أيضًا.
 يتابع: مقاهى القاهرة كان يرتادها جميع الطبقات فى مصر فكانت هناك مقاهٍ للطبقة الوسطى الأفندية والمهنيين، وفى البداية كان لكل فئة منهم المقهى الخاص به، ثم بدأ يجلس الأفندية مع المهنيين، وكان الطبيعى أن ترى أحد الأفندية يقرأ الجريدة ويجتمع حوله العامة لسماع الأخبار والنقاش حولها، قبل انتشار الراديو بالمقاهى.
وفى أوقات سابقة كانت  تدار عليها المعارك الثقافية، حيث كان هناك ما يعرف بفن القافية، وهو مبارزة بين اثنين من الشعراء يقول كل منهم مقطعاً شريطة الانتهاء بقافية واحدة، وكان معتادًا أن يكون شعر هجاء بالعامية المصرية، وقد رصدت هذا بالفيلم واستعنت بصور من أرشيف  دور النشر الصحفية وساعدنا فى ذلك صديقى الكاتب مجدى الدقاق الذى أتاح لى كنز أرشيف دار الهلال.
وحول اختياره لضيوف الفيلم، الذى ضم عددًا من المثقفين والكتاب العرب، قدم سميح جانبًا آخر من رؤيته عن المقاهى قائلا: إن مصر دولة متعددة الأطياف، واستطاعت أن تصهر ثقافات العالم  وتخلق منها ثقافة مصرية واحدة مع احتفاظ أصحاب الثقافات بخصوصيتهم ومنهم العرب، ولذلك حرصت على لقاء ضيوف عرب عاشوا فى مصر سواء للدراسة أو اللجوء وتحدثوا عن تجاربهم الشخصية مع المقهى المصرى فى فترة الستينيات وما بعدها، وهناك وزارات أيام الملكية كانت تشكل من على مقهى نتانيا مثلا.
ومقهى ريش حمى ثوار  ثورة 1919 من البوليس السياسى، صاحبها اليونانى كان لديه باب سرى يخرج من خلاله زبائنه من الثوار الوطنيين لمساعدتهم على الهرب خوفا من أن يلقى القبض عليهم.
نهاية غريبة
وعن سؤال حول نهاية الفيلم التى صدمت البعض من المثقفين رغم إشادتهم بالفيلم، وافق منسى على هذا الاعتراض موضحًا أنه اضطر إلى تلك النهاية وفقا لطلب الشركة المنتجة والتى حددت له تاريخ بداية العمل ونهايته، ما جعل منسى يلتزم بالتوقف عن سرد تاريخ  حركة مقاهى القاهرة فى السبعينيات على الأكثر منهيًا الفيلم بتعليق بصوت الفنان القدير عبدالرحمن أبو زهرة يعلن فيه  ظهور مقاهى العولمة التى قضت على مقاهى القاهرة التاريخية والتى لا تهتم لا بلعب الطاولة، ويحرص روادها على مشاهدة الدش، وهو ما جعل البعض يعترض على النهاية، خاصة أن جيل التسعينيات أدار الحركه الثقافية والسياسية من خلال ما عرفت بمقاهى البورصة كمثال فى السنوات العشر السابقة.
وفاجأنا منسى بأنه بالفعل رصد تلك الأحداث وخاصة حركة كفاية على سبيل المثال التى بدأت من المقاهى وتجارب بعض الشباب  المبدع الذين استخدموا مقاهى العولمة والواى فاى نافذة لهم لإطلالة على العالم، إلا أن جهة الإنتاج رفضت رصد ذلك بدعوى أن حركه كفاية  على سبيل المثال حركة إصلاحية ولا تندرج تحت الحركات السياسية التحررية، وإنى مخرج ملتزم فقد التزمت بما هو متفق عليه.
وحول ما إذا كان ينوى عمل جزء ثانٍ للفيلم وفقًا لمتطلبات بعض النقاد أكد سميح أنه رغم اتفاقه مع اعتراضات نهاية الفيلم، فإنه يرفض  أن يعمل جزءًا ثانيًا، ويعتبر أن الفيلم اكتمل برؤيته التى وضعها له.
وعن أعماله القادمة: «أسعى لعرض هذا الفيلم جماهيريا من خلال دور عرض مفتوحة لأن الفيلم التسجيلى عادة له جمهوره من الشباب».
أما أفلامه الجديدة فينتهى قريبًا من فيلم بعنوان سيرة البطل المصرى عن فكرة البطولة المصرية، منذ قدماء المصريين وحتى  العصر الحالى، وهو إنتاج المركز  القومى السينما.
وهناك فيلم آخر عن المصرى العالمى أحمد الصعيدىصاحب السيمفونية المصرية الأولى.
وانتهى حديثنا مع مخرج «مقاهى وأزمنة» بأننا نتظر العرض الجماهيرى للفيلم. •