السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أخبــار حقيقيـة عن «ملك الأخبار الكاذبة»!

أخبــار حقيقيـة عن «ملك الأخبار الكاذبة»!
أخبــار حقيقيـة عن «ملك الأخبار الكاذبة»!


أطلقت عليه الصحافة الأمريكية الورقية والإلكترونية لقب «ملك الأخبار الكاذبة».
وهو فى الواقع ليس ملكا على أمريكا وحدها فى هذا التخصص، لكنه ملك العالم كله فى صناعة الكذب، أى اختلاق أخبار كاذبة ونشرها على موقعه على الإنترنت، ولأنها محكمة الصنع وجاءت فى التوقيت المضبوط واعتمدت على جمهور لا يهتم بتقصى الحقيقة، ونشرت فى عز هوجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، فقد حققت الهدف منها، على الرغم من أن «بول هورنر» صرح أكثر من مرة بأنه لم يكن يقصد ما حدث نتيجة لأخباره الكاذبة، والنتيجة كانت ابتلاء العالم بفوز مقاول العقارات ومنظم حفلات ملكات الجمال العالمية الساهرة، دونالد ترامب، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

ملك العقارات يقلد ملك الأكاذيب
جريدة «واشنطن بوست» أجرت معه لقاء قال فيه إنه السبب فى فوز ترامب بالرئاسة، وبالصدفة البحتة كنت فى نيويورك بعد الانتخابات فى نوفمبر من العام الماضى، وكان ترامب بعد انتخابه مازال فى برجه العجيب الذى يحمل اسمه فى نيويورك، وكنت أتابع ما يجرى فى هذه المدينة التى عشت فيها سنة 1988 وعرفت وقتها ضمن ما عرفت، قصة شاب اسمه «دونالد ترامب» أصبح بالحيلة والعلاقات والألاعيب «ملك العقارات» هناك.     FAKE NEWS وقرأت لأول مرة فى العام الماضى كلمة «فاك نيوز»، وقرأت ما قاله بول هورنر «ملك الأكاذيب» عن أنه سبب وجود ترامب فى البيت الأبيض.
وبسبب هذه العبارة وهذا اللقاء، أصبح هورنر مطلوبا لدى كل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، ومما قاله فى أحاديثه إن المواقع الإلكترونية التى يمتلكها أصبحت محل اهتمام بالغ من مناصرى ترامب طوال فترة حملة الانتخابات وأضاف «أعتقد أن ترامب فى البيت الأبيض بسببى، فمناصروه لا يهتمون بالتأكد من صحة أى شيء، فهم يرسلون أى شيء ويصدقون أى شيء، حتى أن مدير حملته الانتخابية أعاد إرسال القصة الساخرة التى ألفتها وبثتها مواقعى على الإنترنت وأرسلها للأنصار، والقصة كانت من خيالى وهدفى منها كان السخرية من هيستريا الانتخابات وقلت ساخرا من أنصار ترامب إن أحد المشاركين فى حملات الدعاية المضادة له كشف أنه يتقاضى 3500 دولار من المعارضين لترامب مقابل اشتراكه فى حملتهم، وكتبت أن هذه قصة غير حقيقية، لكن أنصار ترامب صدقوها وروجوها فيما بينهم وفى كل مكان، فجاءت لصالحه، مع أنها قصة مفبركة من تأليفي!
والحقيقة أن هورنر يفبرك القصص بدقة بحيث تخدع الناس فيعتقدون أنها حقيقية وليست كاذبة أو مفبركة أو حتى «ساخرة» - كما يكرر هو وصفه لكل ما يخترعه من أخبار كاذبة - فقبل الانتخابات بثلاث سنوات مثلا، نشر قصة مفبركة عن الرئيس - وقتها - باراك أوباما، مؤكدا أنه مسلم متعصب وأنه من الشواذ جنسيا!.
وبلغت درجة العناية بأسلوب الفبركة حدا جعل شبكة «فوكس نيوز» تنشرها.. إلا أنها بعد ذلك اعتذرت عن تسرعها وانخداعها فى مصدر الكذبة وهو هورنر الذى ينشر هذه الفبركات فى مواقع متعددة يمتلكها وإن كان يعطى نفسه أسماء مستعارة، وليس اسمه الحقيقى.
والفكرة الرئيسية وراء تأليف «بول هورنر» لهذه الأخبار الكاذبة هى كما يقول أحد الخبراء المختصين وإنه يمتلك شركة مهمتها إنشاء المواقع الإلكترونية ويقف بنفسه وراء بعض مواقع الأخبار الكاذبة - كانت منذ البداية عملية تأسيس موقع على الإنترنت غرضه فضح منهج تفكير اليمين المتطرف الذى يعيش فى غرفة مغلقة لا يتردد فيها سوى صدى فكره، لكن النتيجة تأتى عكس ما تشتهى سفينة هورنر!
وكثير من الأخبار الكاذبة والمضللة  كان يتم تداولها عبر الإنترنت خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية، ومنها «أن عميلاً سابقًا فى مكتب التحقيقات الفيدرالى مشتبهًا فى أنه وراء التسريبات المتعلقة برسائل المرشحة الرئاسية هيلارى كلينتون الإلكترونية، وجد مقتولا فيما يشبه الانتحار».
وهى قصة مزيفة بالكامل، لكن تمت مشاركتها بين أكثر من نصف مليون شخص على فيس بوك، وظهرت أولا على موقع من مواقع مستر هورنر.
بالمناسبة، اسم «هورنر» مشتق فى اللغة الإنجليزية من كلمة «هورن» وتعنى «البوق»!
وفبرك خبرا آخر عن حاكمة ولاية تسئ لسمعتها ما دعاها إلى الظهور على التليفزيون فورا لتكذيب خبر هورنر.
ومن أخباره الكاذبة ما نشره عن رسام جداريات الجرافيتى العالمى «بونكسي» ــ الذى زار فلسطين ويؤيد القضية الفلسطينية وزار مصر مؤخرا ــ أنه تم القبض عليه فى فلسطين وأن اسمه الحقيقى ليس «بونسكي»، لكنه ــ كما ادعى هورنر- هو «بول هورنر»!
وقد تكرر نشر هذا الخبر الكاذب ثلاث مرات منذ 2014 وحتى الآن!
بول هورنر يعشق اسمه
وهذا الشاب الأمريكى المسمى بول هورنر، يعشق اسمه، وهو إنسان مضطرب التكوين فيه مزيج من الذكاء والدهاء والغباء والارتباك النفسى والخلل، فهو يعيش على المخدرات والخمر ويتكسب من دخل الإعلانات الكبير الذى تحققه المواقع الإلكترونية المتعددة التى يمتلكها بسبب ما تثيره أخباره الكاذبة من إقبال منقطع النظير، يترتب عليه دخول جيبه أموال طائلة من عائد الإعلانات التى تتدفق على هذه المواقع.
وهو كاتب وممثل كوميدى ومحتال، لكنه يعادى اليمين المتطرف العنصرى الذى يحتمى به الرئيس ترامب.. وبدأ هورنر عمله كصانع ومؤلف ومفبرك أخبار كاذبة مثيرة وتشبه الحقيقية فى سنة 2013  وكان يعمل لدى موقع «ناشيونال ريبورتر» لكنه تركه فى سنة 2015 وأسس موقعه «نيوز إجزامينر» كما بدأ فى إنشاء عدة مواقع إلكترونية لنشر الأخبار الكاذبة التى يسميها قصصا ساخرة، وكلها مواقع تحمل أسماء لشبكات تليفزيونية إخبارية شهيرة فى أمريكا والعالم منها سى إن إن.
والطريف أنه يزج باسمه فى الأخبار الكاذبة حيث نشر خبرا عن رجل اسمه «بول هورنر» تجرى له عملية جراحية خطيرة هى الأولى من نوعها، حيث سيتم لأول مرة فى العالم زرع رأس لهذا الرجل!
ومن الأخبار الكاذبة الشهيرة التى اختلقها خبر هروب أخطر تاجر مخدرات فى العالم وهو المكسيكى «آل شابو» من سجنه للمرة الثالثة، مما اضطر الحكومة المكسيكية إلى بث رسالة على «تويتر» تحمل صورا للمجرم الخطير وهو خلف جدران السجن شديد الحراسة، لكشف الخبر الكاذب.
وفى فبراير الماضى أدلى بحديث اعترف فيه بأنه نادم على الحديث مع «واشنطن بوست» الذى أعلن فيه أنه السبب فى فوز دونالد ترامب بالرئاسة، وأضاف: أنا أعرف أن كل ما فعلته هو أننى كنت أهاجمه هو ومناصريه وأحاول أن أجعل الناس تعزف عن انتخابه، وعندما قلت هذا كنت مضطرب الفكر، كيف أصبح هذا الشيطان رئيسا منتخبا لأمريكا؟.. وقلت ربما أننى بدلا من تدمير معسكره الانتخابى، حققت له ربما مساعدة مهمة.
وفى ديسمبر 2016 قال خلال مقابلة تليفزيونية «كل الأخبارفاك نيوز» أخبار كاذبة.. وسى إن إن «فاك نيوز».. وبعد ذلك بشهر واحد تابع العالم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وهو يردد نفس الكلمة عن الشبكة التليفزيونية الإخبارية الأمريكية العالمية التى تنتقده بشدة «سى إن إن فاك نيوز»!
 خبر موته.. لم يصدقه أحد!
حتى عندما مات، لم يصدق أحد الخبر، وقال من بلغهم الأمر عبر «تويتر»: هل هذا الخبر صحيح.. أم أنه «فاك نيوز»؟! وضحكت «بروك بنكويسكي» مديرة تحرير موقع «سنوبس» الشهيرالمتخصص فى كشف الأخبار الكاذبة وهى تقول: ولماذا أصدق الخبر؟.. الحقيقة أصبحت كذبا، والكذب حقيقة، فماذا نصدق؟!.. أريد أن أكتب مقالا فى نعيه.. نعى ملك الأخبار الكاذبة، لكن ماذا لو أنه لم يمت وأن خبر موته مجرد خدعة؟ فهذا هو بول هورنر.
لكنه مات فعلا عن عمر 38 سنة فى سبتمبر الماضى.
مات «ملك صناعة الأخبار الكاذبة» لكن صناعته لم تمت.
 فى الأسبوع المقبل نكمل