عيَّان مش غبى

هايدى فاروق
مع بداية عام دراسى جديد، يواجه بعض الأهل مشكلات مع أطفالهم، وقد يتهمونهم بالإهمال أو التقصير، من دون أن يدركوا أن الأمر لا علاقة له بالإهمال؛ بل إن طفلهم قد يكون مصابًا بصعوبات فى التعلّم.
فالطفل، رغم جهده، قد لا يستطيع المواصلة بالطرق التقليدية، ويحتاج إلى أسلوب مختلف فى التلقّى والتعلُّم، إضافة إلى ذلك، فإن ما يتعرض له من ضغوط قد يؤذى مشاعره، ويضعه فى خانة المقارنات مع أقرانه. فى هذا الحوار سألنا نسرين معتوق إخصائى اضطرابات سلوكيات أطفال وتوحد عن كيفية اكتشاف صعوبات التعلُّم عند أطفالنا، وما الفرق بين الطفل «البليد» والذى يعانى من أعراض مرضية؟! وكيف نتعامل مع حالات صعوبات التعلُّم؟!
وما هى الطريقة التى من خلالها يمكن التعامل مع تلك الحالات لإعادتها لطبيعتها وعلاجها؟!

إلى نص الحوار:
■ الأم تعرف إزاى إن طفلها يعانى من صعوبات التعلُّم؟
- أهم ما يمكن أن ترصده الأم من مشكلات تشير إلى احتمالية أن يكون طفلها من أطفال صعوبة التعلم هو التحصيل الأكاديمى المنخفض، والناتج عن صعوبات تبدو جلية لدى الطفل تتعلق بمهارة القراءة أو الكتابة أو الاثنتين معًا، أو التهجئة أو الحساب أيضًا، إضافة إلى مواجهته صعوبة فى الفهم أو التذكر أو التنظيم واتباع التعليمات، مع رصد لوجود تشتت فى الانتباه لديه وصعوبة فى التركيز، فهؤلاء الأطفال يسجلون تحصيلًا أقل بسنة أو سنتين من أقرانهم الأسوياء.
■ هل تظهر هذه الصعوبات فى سن محددة؟
- عادة ما تظهر صعوبات التعلم فى سن مبكرة، حيث إنه يمكن رصد الأعراض ما بين سن 3 - 5 سنوات، أى فى مرحلة التعليم المبكر .
تضيف: «صعوبات التعلّم بالأساس مرتبطة بحدوث تلف أو خلل ولو بسيط فى وظائف الدماغ، هذه الإصابة يمكن أن تكون قد حدثت فى مرحلة ما قبل الولادة أو خلالها أو حتى فيما بعد الولادة، وهذا ما نطلق عليه عوامل فسيولوجية، وهناك عوامل وراثية أيضًا، ولكن قد تتأخر ظهور الأعراض قليلًا لو كانت الإصابة مترتبة على عوامل بيئية، أو تربوية مرتبطة بالبيئة الصفية أو التعليمية عمومًا، أو عوامل نفسية أو عقلية.

■ هل يواجه أطفال صعوبات التعلم مشكلات فى كل المواد الدراسية؟ وكيف يمكن التمييز بينها وبين الاضطرابات الإدراكية الأخرى التى قد تُظهِر أعراضًا مشابهة وتؤدى بدورها إلى صعوبات فى التعلم؟
- لا يشمل تدنى التحصيل الدراسى لدى هؤلاء الأطفال كافة المواد الدراسية، فهم يواجهون مشكلات فى مادة إلى مادتين، وكل ما قد يرتبط بهما من مواد تستلزم نفس المهارة رغم تمتعهم بنسب ذكاء طبيعية لمتوسطة، وهذا ما يميز ما بينهم وبين أطفال بطء التعلُّم الذين يعانون من قصور فى جميع المواد الدراسية ويسجلون نسب ذكاء أقل من المتوسط.
تضيف: فى كل الأحوال يجب على المتخصص وقبل الدراسة والتشخيص استبعاد الإعاقات المختلفة مثل الإعاقة العقلية أو السمعية أو البصرية والحركية أيضًا، فضلًا عن التأكد بأن لا يكون سبب تدنى تحصيل الطفل هو ضعف الدافعية للدراسة.
■ما هى الاختبارات التى يُنصح بها للتشخيص المبكر؟ ومن هم المتخصصون الذين يجب أن يلجأ إليهم الأهل؟
- يجب عند ملاحظة تلك الأعراض اللجوء إلى إخصائى نفسى وتربوى للتشخيص أولًا ثم من بعد ذلك وضع خطط مناسبة لحالة الطفل، بحيث تشمل طريقة التعامل والدعم الذى يحتاجه سواء فى البيت أو المدرسة .. فالتنسيق بين كل من المختصين والوالدين والمعلم فى المدرسة مهم جدًا، ووحده ذلك التنسيق والتعاون هو ما سيحقق نتائج ملموسة وفعالة.
ويأتى اختبار قياس التحصيل الدراسى وقياس مستوى الذكاء فى الصدارة، فالأول لتقييم مهارات الطفل والثانى لقياس القدرات العقلية، ثم يأتى بعد ذلك دور اختبارات العمليات النفسية، ثم تقييمات السلوك والنفسية لتحديد ما إذا كانت هناك اضطرابات سلوكية مصاحبة مثل تشتت الانتباه ونقص التركيز.

■ كيف يمكن لمدرس الفصل التمييز بين الطالب «المهمل» والطالب الذى يعانى بالفعل صعوبات تعلم؟
المدرس المعد تربويًا هو أهم حلقة فى العملية والمنظومة التعليمية عمومًا، فصحيح أنه لن يستطيع إجراء اختبارات نفسية ولا سلوكية للطفل ولا هو مؤهل فى الأصل لذلك، ولكنه وبلا شك سيلعب دورًا مهمًا فى رصد السلوك وتقييم الأداء الأكاديمى للطفل ورصد الفروق الفردية بين الأطفال عمومًا داخل البيئة الصفية والتى من خلالها يمكن تحديد ما إذا كانت هناك صعوبات فى التعلُّم أو ما إذا كانت هناك سمات لاضطرابات أخرى لدى الطفل.
كما سيكون له دور فى إعداد الطفل وتأهيله بعد تشخيصه، ذلك من خلال التنسيق مع المتخصص والبيت معًا .
■ هل لصعوبات التعلم علاقة بمستوى الذكاء؟ وكيف يمكن تصحيح المفهوم الخاطئ؟
- لا علاقة بين صعوبات التعلم كمشكلة وانخفاض مستوى الذكاء، حيث يسجل عادة أطفال صعوبات التعلم مستويات ذكاء فوق المتوسطة إلى متوسطة كحد أدنى، أى أنهم أطفال طبيعيون.
تقول: «المجتمع لا يدرك ذلك فى الحقيقة.. ويربط بين تدنى التحصيل الدراسى ويقيس عليه مستوى ذكائه وهو تصور خاطئ، نأمل مع زيادة الوعى والتعريف أكثر بالاضطرابات وأعراضها وسماتها أن نمحى تلك الفكرة الذهنية لدى أفراد المجتمع».

■ ما هو الدور الذى يمكن أن يقوم به المعلم ليدعم من خلاله الخطة العلاجية التأهيلية المعدة لطالب صعوبات التعلم داخل الصف الدراسى؟
- إعداد خطة فردية لطفل صعوبات التعلم هى المرحلة التالية لمرحلة تشخيص المشكلة لديه (ومعنى فردية أنها معدة له هو وحده لتتناسب مع ما يحتاج من دعم طبقًا لحالته)، هذه الخطة يتم إعدادها بالتنسيق بين الإخصائى والمعلم فى الصف الدراسي، لأن المدرس هو من سيقوم بتطبيقها، كما أنه هو الذى سيقوم برصد وتسجيل أى تطورات تطرأ على مهارات أو سلوك الطفل بعد تطبيق الخطة.
تكمل: «بالإضافة إلى ذلك فإنه يمكنه فى حال ما إذا كانت هناك مرونة معقولة فى المنهج، بأن يقوم على سبيل المثال وليس الحصر بتعديل أساليب التدريس وأدواته بحيث يدعم من خلال تلك التعديلات استراتيجية التدريس متعدد الحواس، وتبسيط المادة العلمية والتركيز على نقاط القوة لدى الطفل، مع إزالة المشتتات التى تؤثر على الطفل بالسلب وتعزز لديه نقص الانتباه والتركيز.

■ فى النهاية كيف يمكن للأهل أن يحافظوا على ثقة الطفل الذى يعانى من صعوبات التعلم فى نفسه خصوصًا إذا قارنه الآخرون بأقرانه؟
-هذه النقطة مهمة، فيجب على الأهل استيعاب طفل صعوبات التعلم، خاصة فى مجتمع قد يصمه بالغباء أو الإهمال، من خلال بث الثقة فى الطفل حيال نفسه من ناحية وحيال من حوله سواء فى البيت أو فى المدرسة من ناحية أخرى.
تلك الثقة هى الضامن الوحيد لنجاح الخطة العلاجية والتأهيلية التى سيخضع لها الطفل التى لن تكون قصيرة والتى تستلزم كثيرًا من الصبر والمثابرة.