الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
عندما وقع إحسان فى غرام فاتن حمامة!

حكايات صحفية

عندما وقع إحسان فى غرام فاتن حمامة!

من أجمل الأبواب الصحفية فى مجلة صباح الخير كان باب «حكاية» الذى ينشر فى الصفحة الثالثة من المجلة، ويتناوب على كتابته نجوم «صباح الخير» وهم فى بداية الطريق والاحتراف، ويتناوب على رسم كل حكاية نجوم الرسم فى مدرسة «روزاليوسف».



وفى هذا الباب أيضا تم تقديم ترجمات مهمة لنماذج من الأدب العالمى تولى ترجمة معظمها الأستاذ الكبير لويس جريس.

وكان الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس أكثر الأقلام التى كتبت الحكاية على مدار سنوات طويلة ونشر معظمها فى أكثر من كتاب.

فى السطور القادمة واحدة من أجمل وأعذب وأغرب حكايات «إحسان» كان عنوانها «لم أعد طفلا»، وكانت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة هى بطلة ومضمون حكاية إحسان وإليكم الحكاية بقلمه: «شاهدت فاتن حمامة لأول مرة عندما مثلت أول دور لها فى فيلم «يوم سعيد» كانت فاتن أيامها فى السابعة من عمرها، وكنت أنا فى العاشرة من عمرى! وأحببتها، صدق أو لا تصدق، لقد أحببتها، أحببتها بكل ما يستطيع الحب أن يحمل إلى طفل فى العاشرة من نقاء وأوهام.

 

 

 

أصبحت أذهب إلى المدرسة وأجلس فى الفصل سارحًا وراء صورتها وقد ضربنى المدرسون أكثر من مرة لعدم انتباهى إلى الدروس، ولكننى كنت أتلقى العلقة وأعود وأسرح وراء صورة فاتن، وفى الطريق إلى البيت وإلى أن أنام دائما فاتن معى، وأصبحت أحتفظ بكل صورة لها تنشرها الصحف والمجلات، وكل أهلى يضحكون علىّ ويسموننى «مجنون فاتن»، ولكنهم لم يحاولوا أن يقاوموا هذا الحب.. بل كانوا يأخذوننى إلى الأفلام التى تظهر فيها فاتن، ويهددونى إذا أخطأت بحرمانى من مشاهدة أفلام فاتن!

وكبرت، ولم أفق من حبى فاتن، وكبر حبى معى، وأصبحت أشاهد أفلام فاتن أكثر من مرة، بعضها شاهدته عشر مرات، وأصبحت صور فاتن تملأ جدران حجرتى فى البيت، وأضعها بين صفحات كتبى، وألصقها فى داخل الدرج الخاص بى فى المدرسة، وصورة كبيرة لها فى إطار جميل بجوار فراشى، وزدت على ذلك فأصبحت أحتفظ بكل قصاصات الصحف التى تكتب عن فاتن، وخصصت لهذه القصاصات ألبوما خاصا، ألصقها فيه بعناية وأصبح عندى بدل الألبوم اثنان ثم ثلاثة ثم خمسة.

وكبرت أكثر، وتبينت حقيقة هذا الحب، إنى لست مجنونًا!

إنى أعرف بالضبط حقيقة عواطفى، إنى أحب فاتن التى أراها فى الأفلام، أحب فاتن الفنانة ولكنه حب، حب بكل ما فى الحب من معنى، ولم أحاول أن أقاوم هذا الحب، بالعكس.. ازددت استسلاما له.. أصبحت وأنا فى العشرين من عمرى لا أزال أجمع صور فاتن.. وألصقها فوق جدران غرفتى، ثم أجلس كل مساء إلى الصورة التى بجانب فراشى وأحدثها.. أحدثها عن كل ما جرى لى فى يومى وعن مشاكلى، ثم أستمع إلى رأيها.. وأحس بها تبتسم لى، أو تغضب منى، فكل إنسان محتاج إلى مناقشة نفسه، وفاتن هى نفسى، هى الشخص الآخر الذى يعيش فى صدر كل إنسان، وابتسامة «فاتن» لى هى ابتسامتى لنفسى عندما أكون راضيا عنها، عن نفسى، وغضبها منى هو غضب على نفسى عندما يكون ضميرى ثائرًا على شىء فعلته.

كانت «فاتن» هى نفسى أناقشها وأروى لها أخبارى، وعندما أنجح فى الامتحان أجرى إلى غرفتى وأمسك بصورتها وأصيح: أنا نجحت يا فاتن.. ثم أدور وأرقص فى الغرفة!

وكان هذا هو حبى الوحيد.. لم يكن لى حب آخر!

ظللت وحتى وصلت إلى الثلاثين من عمرى، وليس فى حياتى امرأة.

لا حب ولا شبه حب، لقد حمتنى فاتن من كل النساء، أو حرمتنى منهن!

وقد تزوجت فاتن خلال ذلك، تزوجت عزالدين ذوالفقار ثم تزوجت عمر الشريف، ولكن زواجها لم يكن له أثر فى حبى، لم يثر غيرتى ولم يجعلنى أفيق، لقد كنت أنظر إلى زواجها كأنى أنظر إلى أحد أفلامها، وأحتفظ بصورتها مع زوجها، ضمن الصور الأخرى التى تصورها فى أدوارها!

لم يكن لفاتن فى نظرى حياة، خاصة حتى يكون لزواجها نفس المعنى الذى يحمله زواج أى فتاة أخرى، كانت فاتن فنانة، فنانة فقط، ليست مجرد إنسانة، ولكنها فنانة ولو رأيتها بعينى رأسى تأكل لاعتقدت أنها لا تأكل كبقية الناس أو حاجتها إلى الأكل، ولكنها تقوم بأحد أدوارها كفنانة!

وأصبحت فى الواحدة والثلاثين من عمرى وأصرت أمى على أن أتزوج!

وأنت لا تعرف أمى أنها ديكتاتورة إذا أصرت على شىء فلابد أن ينفذ.. وزوجتى من فتاة جميلة مثقفة وذكية وطيبة، ولكنى مازلت أحب فاتن، ونقلت معى إلى بيتى الجديد كل صورها وكل الألبومات التى أحتفظ فيها بقصاصات الصحف.. شىء واحد يتغير وهو أنى لم أعد أستطيع أن أحتفظ بصورة فاتن الكبيرة بجانب فراشى فاحتفظت بها فى غرفة مكتبى، وكنت أخلو بها كل مساء وأحدثها كعادتى، ثم أذهب إلى زوجتى، ولم تكن زوجتى بالنسبة لى سوى عمل طلبت منى أمى أن أؤديه!

ولاحظت زوجتى منذ الأيام الأولى لزواجنا حبى لفاتن ولاحظت عليها أنها ربما كانت غاضبة أو حائرة ربما بدأت تغار من فاتن، ولكنها سكتت، لم تطلب منى أن أتخلص من صور فاتن ولم تسألنى عن الساعات التى أقضيها فى غرفة المكتب وحيدا مع صورة فاتن، لم تحدثنى عن صورة فاتن إطلاقا، وكنت كلما دعوتها إلى مشاهدة، فيلم من أفلام فاتن ذهبت معى دون اعتراض، بل إنها ذهبت معى لمشاهدة فيلم «لا أنام» ثلاث مرات!

إلى أن كان يوم ودخلت مرة فوجدت زوجتى واقفة فى غرفة النوم تنظر داخل دولابها الخاص الذى تحتفظ بمفتاحه، وما كادت تحس بى، حتى ابتعدت عن الدولاب فى ارتباك وأغلقته بالمفتاح، ثم نزعت المفتاح من القفل ودسته فى جيبها ووقفت أمامى مرتبكة ووجهها محتقن، وأثارت هذه الواقعة انتباهى ولكنى تلهيت عنها ولم أحادثها بشأنها إلى أن مر أسبوع وضبطتها ثانية فى نفس الموقف وتكرر منها نفس الارتباك وسكت ولكنى لم أهدأ!

كنت حائرا تملؤنى الشكوك لا أستطيع أن أصدقها ولا أستطيع أن أتخلص منها! ثم حدث يوما أن كنا فى غرفة النوم وتركتنى زوجتى ودخلت الحمام وسقطت عينى على دولابها فرأيت المفتاح فى القفل، وكما يفعل اللصوص قمت على أطراف أصابعى وفتحت الدولاب، ووقفت مبهوتا! لقد وجدت صورة عمر الشريف.

وأغلقت الدولاب ولم أدر ماذا أفعل، لم أستطع ساعتها أن أتبين حقيقة عواطفى، وعادت زوجتى ونظرت فى وجهى وقالت: مالك؟!

 

 

 

قلت: مفيش عندى شوية مغص بسيط!

وقضيت بعد ذلك أياما قلقة حائرة، إن زوجتى تحب عمر الشريف وحاولت أن أقنع نفسى بأنها تحبه كما أحب فاتن تحبه كفنان - وبدأت أتذكر أنها تحرص دائما على مشاهدة أفلامه وتبدى إعجابها به كفنان، وحاولت أن أعطيها الحق فى حبه ما دمت أعطى نفسى الحق فى حب فاتن، ولكنى لم أستطع، وكان على أن أواجه نفسى بالحقيقة، إنى أغار من عمر الشريف، نعم إنى أغار منه!

والمهم أنى فى خلال هذه الأيام بدأت أهمل حبى لفاتن، لم أعد أقلب فى صورها، بل إننى أصبحت أختصر أوقاتى وأجرى لأجلس مع زوجتى حتى لا أتركها تخلو مع صورة عمر الشريف، ودخلت يوما إلى زوجتى وكانت جالسة فوق السرير بقميص النوم، وما كادت تلمحنى حتى أخفت تحت الوسادة شيئًا كان فى يدها، إنه صورة عمر الشريف، ولم أتكلم ولم أستطع النوم وصورة عمر الشريف تحت وسادتى، إننى مهما تماديت فى حبى لفاتن فلم أضع صورتها أبدا تحت وسادتى لأقبل الزواج ولا بعده! إن زوجتى مجنونة ومن يدرى لعلها تحب فى عمر الإنسان لا الفنان، حتى لو لم تكن تتصل به، فربما كانت تتمناه، ربما تفضله - كرجل - عنى!

وكدت أجن، أحسست بالنار تشتعل فى فراشى وزوجتى بجانبى نائمة فى هدوء لا تحس بنارى! وفى الصباح، ولم أكن قد أغمضت عينى طوال الليل لحظة واحدة، لم أستطع أن أسيطر على أعصابى وقلبت المخدة ثم أمسكت بصورة وعمر وقلت وأنا أفتعل الهدوء: إنتى بتحبى عمر الشريف؟!

وقالت زوجتى فى حياء: أيوه! وأخذت أروح وأغدو فى الغرفة وصورة عمر فى يدى، وثورتى تخنق صوتى، وقالت زوجتى فى براءة: أنت زعلت ودى فيها حاجة؟! وقلت صائحا: ده لعب عيال أنتى كبرت خلاص يا ست هانم!

وقالت وكأنها تتحدانى: طيب ما أنت كبير وبتحب فاتن حمامة!

وكنت نسيت فى تلك الليلة حبى لفاتن صدق أو لا تصدق، وصرخت: أنا بحب فاتن كفنانة، وقالت وهى تقاطعنى وتصرخ مثلى: وأنا أحب عمر كفنان!

وعدت أصرخ: فنان، ولا مش فنان دى مرقعة بنات دى قلة احترام لبيتك ولجوزك.. إذا كان على فاتن أنا مستعد أقطع كل صورها!

واندفعت إلى غرفة مكتبى كالمجنون وأمسكت بصور فاتن وهممت أن أمزقها، ولكن زوجتى لحقت بى وأمسكت بى وقالت وهى تبتسم: ما تقطعش صور فاتن، خد صورة عمر قطعها لو عايز، أصلى أنا بحب فاتن أكتر من عمر!

ووقفت أنظر إليها مشدوهًا وهى تبتسم لى ابتسامة حلوة حانية وأحسست أنى أفقت من غيرتى من عمر ومن حبى لفاتن، واحتضنتها وأحسست أنى أريد أن أبكى على صورها، وانتقلت إلى مرحلة أخرى من عمرى، أجمل أيام عمرى»!

ما كل هذا الجمال والخيال الرائع يا أستاذ إحسان!