الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شـكـل الناخـب فى سـنة أولـى ديمقـراطيـــة

شـكـل الناخـب فى سـنة أولـى ديمقـراطيـــة
شـكـل الناخـب فى سـنة أولـى ديمقـراطيـــة


يعيش المجتمع المصرى حاليا الديمقراطية لأول مرة فى التاريخ الحديث؛ حيث مر خلال العام الواحد بأشكال متنوعة من الممارسة السياسية الديمقراطية من استفتاء؛ واقتراع أسفر عن برلمان جاء من خلال انتخابات.. وبعيدا عن الأساليب الدعائية التى استخدمت فى هذه الانتخابات من توزيع «الزيت والسكر والأرز» على الناخبين إلى جانب الدعوة باسم الدين؛وحث المواطنين على أن انتخابهم سيكون سببا من أسباب دخولهم الجنة وذلك بعيدا عن فكرة الناخب الذى سيحدد بصوته مصير بلد عانى طويلا من ديكتاتورية نظام بوليسى مستبد؛ واقتراع آخر يومى 32، 42 مايو المقبل لاختيار رئيس الجمهورية المنتخب بإرادة شعبية لأول مرة فى التاريخ المعاصر هل كل ناخب يعى قيمة صوته؛ ولمن سيعطيه؛ هل لديه درجة من الوعى؛ والدراسة للمرشحين وبرامجهم؛ حتى يعطى صوته لمن يستحق؛ فالانتخاب حق مكفول للجميع؛ ولكن كيف نحقق الديمقراطية؛ فى بلد نسبة الأمية فيه تتجاوزالـ (40٪)؟!
 

 
إذا كانت الديمقراطيات فى الدول المتقدمة تتحقق بقيام مواطنيها بانتخاب من يمثلونهم بموازين متساوية بين كافة شرائح المجتمع ، لأن الحد الأدنى من الوعى المطلوب للمواطن الناخب متوفر لدى غالبية شرائح المجتمع فى تلك الدول التى نشأت وتُمارَس فيها الديمقراطيات، وقد تم ذلك عبر زمن طويل من الخبرات والتضحيات الذى أدى إلى استقرار المجتمع فى تلك الدول.
 
أما فى الدول النامية فالحد الأدنى من الوعى المطلوب لدى المواطنين متفاوت بدرجات كبيرة، وأن نسبة أولئك منخفضى الوعى عالية جداً، حتى بين الذين يطلق عليهم الطبقة المتوسطة والعديد ممن هم فى موضع قيادى لهم مصالح شخصية ويقومون باستغلال الشرائح الأقل وعيا فى المجتمع من خلال أساليب ذكية خادعة بوسائل مختلفة ومنها استخدام الدعاية الدينية لأجل تحقيق مكاسب شخصية بدلاً من تحقيق الديمقراطية.
 
ولكن «كيف سيتم تحديد معايير الانتخاب للناخبين»؛ و«هل سيتعلق ذلك بالمستوى الثقافى أم بالعقيدة الدينية أم بالقومية؟.
 
فمثلا الهند نجحت فى تحقيق الديمقراطية فى ظروف شديدة الصعوبة وقد اعتقد المحللون أن هذه الديمقراطية قد لا يتبقى منها شىء بعد رحيل الزعيم الهندى «نهرو»؛ خاصة فى ظل وجود نسبة أمية تجاوزت 80٪ من الناخبين؛ ولكن ذلك لم يحدث؛ واستمرت الديمقراطية فى الهند التى أصبحت اليوم واحدة من أنجح الدول الديمقراطية والمستقلة فى العصر الحديث.
 
 
ولو قارنا بين ما يجرى اليوم فى ماليزيا التى أصبح يضرب بها المثل بين الدول الآسيوية من حيث التطور والرقى بعد أن تبوأت مكانتها بين الدول الصناعية القادرة على المنافسة والصمود؛ وبين ما يجرى فى عدد من الدول العربية والإفريقية المحسوبة على دول العالم الثالث لوجدنا الفرق شاسعا وكبيرا حيث فى هذه الدول لا نجد سوى تضحية الأنظمة بشعوبها من أجل البقاء فى الحكم.
 

 
∎ التوعية
 
الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع يرى أن الناخب لن يستطيع اختيار المرشح المناسب؛ مرجعا السبب فى ذلك إلى ارتفاع نسبة الأمية بين الناخبين؛ وقال حتى يقوم الناخب باختيار المرشح المناسب ينبغى على أجهزة الإعلام أن تقوم بواجبها الوطنى، وأن تركز على البرامج الخاصة بتوعية جماهير الناخبين، وأن تقوم بشرح وتبسيط الخطوات الانتخابية الصعبة والجديدة عليهم، وهو نوع من التثقيف السياسى المهم والمطلوب؛ وإطلاع الناخبين على دورهم فى تحقيق الديمقراطية يحقق أكبر قدر ممكن من المشاركة الفاعلة والصحيحة للناخبين. 
 
وأضاف السعيد: الانتخابات الرئاسية تحتاج إلى تعريف الناخبين على برامج المرشحين؛ وتلعب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى والمؤسسات التربوية دوراً مهما فى توعية الناخبين لتمكينهم من ممارسة اختيارهم على أساس من المعرفة؛ بغرض تنفيذ حملات التوعية واضطلاع الناخبين بدورهم القادم لتحقيق أكبر قدر ممكن من المشاركة الفاعلة والصحيحة للناخبين. 
 
 ودعا السعيد إلى إدارة العملية الانتخابية بالاستناد إلى الوعى الديمقراطى وفهم حقيقة الأمور والشفافية المطلوبة، وقال لم يعد مسموحا أن يفقد الشعب المصرى ما تبقى لديه من أمل فى اختيار رئيس قادر على أن يغير وينفذ ما دعت إليه الثورة .
 
أى انتخابات فى الدنيا تستهدف وعى الناخب، وهذه العلاقة نوع من التفويض يجب أن تكون مثل العلاقة التعاقدية ولا تنشأ هذه العلاقة إلا إذا كان الطرفان يتمتعان بالرشد.
 
إذا افترضنا مثلا وجود انحسار للوعى لدى البعض بسبب الفقر والجهل، فهل هناك سبيل لتعليم هذا المواطن كيفية الاختيار الصحيح؛ بالطبع لا توجد طريقة سوى أن نتركه يختار بنفسه دون قيود، وأن يجرب ويقوم بتقييم اختياره ثم تصويب هذا الاختيار فى المرة المقبلة، كل الشعوب ترتقى بهذا الشكل، التجربة والخطأ والتصويب حتى فى نظام الحكم نفسه يتم تطبيق ذلك.
 
هناك أمور لا يعيها المواطن إلا إذا خاض التجربة بنفسه وتحرير هذا الناخب من كل القيود، والمواطن قد يسىء الاختيار حتى بدون رشوة بسبب شعارات الدين أو العصبية القبلية، وينبغى أن نتعامل مع ذلك على أنه أخطر من الرشوة الانتخابية عشرات المرات؛ الذين يرتشون انتخابيا فى مصر قلة رغم الظروف الطاحنة، فهناك بسطاء منهم من يتضور جوعا ولا يقبل أن يمد يده ويقبل رشوة، وفى ظل النظام السابق كانت هناك فئة تخرج وتصوت فى الانتخابات لتحصل على هذه الرشاوى الانتخابية.
 

 
∎ التنظيم
 
أما الدكتور جابر جاد نصار أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة فيرى؛ أن تغيير ثقافة الناخبين عملية مركبة ومعقدة تحتاج إلى وقت طويل؛ فالناخب ''هو هو'' ولن نستطيع تغييره خلال هذه الفترة القصيرة؛ فانتخابات الرئاسة مقرر إجراؤها فى مايو المقبل؛ والفترة المتبقية عليها لا تكفى لتغيير أفكار الناخبين؛ أو إعادة تأهيلهم؛ وكل ما يقال فى هذا الشأن لن يتعدى الأمور النظرية؛ وأضاف قائلا حتى نضمن الخروج من الانتخابات الرئاسية بمرشح رئاسى يستحق أن يتولى هذا المنصب علينا حماية العملية الانتخابية من الاستغلال؛ وذلك من خلال وضع قواعد صارمة للدعاية الانتخابية؛ مع ضرورة تنظيم استخدام الدين فى هذه الدعاية؛ وتطبيق القانون بشكل حاسم مع من يستخدم الدين فى الدعاية.
 
وأوضح نصار أن القانون بين من له حق الانتخاب؛ وهو كل مواطن بلغ (18 عاما) و كان مقيدا فى جداول الانتخاب، ولا يحظر عليه قانونا مباشرة الحقوق السياسية؛ كما أن حق الانتخاب مقصور على المصريين فقط أى المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية.  
 
وأشار نصار إلى أن الإعلام يلعب دورا مهما فى هذا الشأن من خلال توعية المواطنين؛ ولكن قد يكون الأثر محدودا جدا؛ ولا يمكن التعويل عليه بصورة جدية؛ لأن هذا الأمر كان ينبغى حدوثه من فترات سابقة؛ لكن فى الوقت الحالى فالتوعية لن تفيد؛ولكن علينا تطبيق القانون.
 
∎ الشفافية
 
وقالت الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع السياسى؛ أن ممارسة الانتخابات بشفافية؛ وديمقراطية؛ ودون تزوير؛ سوف تفرز اختيارا صائبا؛ خاصة أن المواطن الآن لديه وعى ويعرف سمعة كل مرشح وحقيقته، فالمواطن يعرف مصلحته، وقد أصبح الآن قادرا على الاختيار الجيد، وحتى إذا افترضنا جدلا أن الانتخابات سوف تأتى بمن لا نرضى عنه، إلا أنها ستكون تجربة جيدة على طريق الديمقراطية؛ لأن البشر يتعلمون دائما من التجارب، وقد تعلمنا جميعا من تجارب السنوات السابقة، وأصبح لدينا جهاز مناعة قوى يجعلنا نحسن الاختيار.
 
وما كان يحدث فى السابق أعتقد أنه لن يحدث الآن؛ بسبب الوعى الذى يعيشه المواطن حاليا، كما أن المناخ كله تغير تماما، فقد يأخذ المواطن المحتاج الرشوة وأمام الصندوق يعطى صوته لمن يستحق، لأنه لا أحد يستطيع بعد الثورة أن يشترى صوت المواطن، وأصبح لدى الناخب قدرة على الاختيار؛ حتى البسطاء لديهم كلمة السر التى تجعلهم أكثر وعيا، فالمواطن يعلم من يخدمه ويهتم بمصالحه ومصالح الوطن وبين من يرشح نفسه لمصالح شخصية أو لرغبة فى السلطة.
 
للأسف النخبة التى تطل علينا من الفضائيات لا يجيدون لغة هذا الشعب ولا يفهمونه، بل ويشككون فى وعيه وقدرته على الاختيار والتمييز، والحقيقة أنهم رسبوا فى إيجاد وسائل التعامل الصحيح مع المواطن المصرى؛ والانتخابات القادمة ستثبت ذلك.