برهان العسل وقصص العشّاق

تصدر طبعة جديدة لرواية سلوى النعيمى، (برهان العسل)، تقفز بها حواجز كثيرة، وتحطم تابوهات أكثر، ويبدو أن شهر زاد ما عادت تروى لتنقذ حياتها كما فى السابق بل لتشغل كل حيز من فراغ! فى وقت صدور الترجمة العربية لرواية أناندا ديفى، (الرجال الذين يحادثونني)، ترجمها د.شربل داغر، وراجعتها د. ليلى عثمان فضل، ضمن سلسلة إبداعات عالمية، تتصدر الرواية مقولة ألبير كامو، فى الإنسان المتمرد: لا يكفى أن نعيش، بل إن نتدبر مصيرا، من دون أن ننتظر الموت.
وكما اكتشفت سلوى النعيمى طريقها إلى مخطوطات الباه وكتب العشق العربية وأعدت بطلتها أطروحة كاملة بلغة شديدة الصراحة، تكتشف أناندا المكتبة العربية مع هذه الرواية، التى كانت رحلة فى المحيط الهندى كما هى رحلة فى المحيط الإنسانى تكتب بحد السكين، تعترف، تبوح، تقر، أما الرجال فيحادثونها، رجال الورق وأبطال القصص، إلى درجة أنها لا تميز بينهم تماما وبين رجال حقيقيين فى حياتها. وقررت أن تعيش فى كتابها، فى كتب الآخرين، فى كتب غيرها، أكثر مما تعيش فى الحياة نفسها. لكن الرواية هى قطعة مؤلمة من الحياة، وجدت فيها الخلاص كما تعلمت من شهر زاد التى اكتشفتها فى العاشرة: «امتلكت حرية فى القول لم تكن لأمى، حين أكتب، أشعر بأن أجيالا وأجيالا من النساء تقرأ ما أكتبه، إذ أكتبه، واقفة وراء كتفى» وفق قولها. وتضيف، فى معرض الحديث، عن هذه الرواية: «هذا الكتاب صنعته من أجلهن».
وكتبت قبله عدة أعمال: وزن الكائنات، شارع مخزن البارود، شارع دروبادى، نهاية الأحجار والأعمار، الشجرة-السوط، أنا الممنوعة، طرق الرغبة المديدة، باجلى، الرغبة المديدة، حياة جوزفن المجنون، تانجو هندى، السارى الأخضر. وأخير تتحدث روايتها (الرجال الذين يحادثوننى) عن زوجة تنفصل عن زوجها وابنيها الشابين لتقيم فى فندق بنفس المدينة فى حالة تذكر واستعادة ما قبل الانفصال وما بعده: «لطالما أعدت النظر فى كيانى. لماذا أنا امرأة صامتة فى الحياة اليومية، بينما أنا، فى الكتابة، أكتب من دون خشية من أى كان».
وتقول فى مقدمة الرواية: كل هؤلاء الرجال الذين يحادثوننى الولد، الزوج، الأب، الأصدقاء، الكتّاب الموتى والأحياء. لائحة طويلة من الكلمات، من الساعات الممحوة والمستعادة، من المباهج المنقضية، ومن عبارات الود الجريحة. أنا ممنوحة لكلام الرجال، لأننى امرأة. وترى فى الكتابة عذرا ناعما ومؤلما فى نفس الوقت! وتجعلنا على مسافة كبيرة من بعضنا البعض، نتزاور مثل حيوانات من خزف، بعيون من زجاج بنفس محموم، يداعب كل منا جراحه الخاصة مثل صديقين قديمين.
تختار مهجرها الخاص على (موكيت) الفندق وتجتر الماضى فى المرآة تراقب الصبية ذات الخمسة عشر ربيعا بعدائية امرأة عجوز وحسودة، تحقد عليها بغضب أحمر متوقّد. تستعيد ذكريات المراهقة على طريقة بروست، وبضربة واحدة تظهر غرابة كلمة (عائلة)، الطوق الحديدى المحيط بها، ورثت من عائلتها الأبوية خجلاً وراثيًا وأسطوريًا فى الاندحار، تخلط ما بين ما تحمله من ذكريات، وتحفر هذه الأرض الميتة بنفسها، وتنتزع منها جثثا، وتتأملها لكى تعرف من أين أتت. والدى، والدتى، لماذا جعلتمانى كما أنا؟ بيد أن جسديهما محترقان ولا يجيبان.