الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى حوار حول مشواره الفنى خلال 60 عامًا سمير فؤاد.. وفلسفة الزمن

«الجمال نوع من العبقرية، بل هو حقًا أرقى من العبقرية، ولا يحتاج إلى تفسير فهو من الحقائق العظيمة فى هذا العالم، إنه مثل شروق الشمس أو انعكاس صدفة فضية نسميها القمر على صفحة المياه المظلمة..» هكذا فسر أوسكار وايلد الجمال.



وعلى الرغم من أن الفنان الكبير سمير فؤاد لا يقر حتمية الجمال فى الفن فإن أعماله تحمل قدرًا كبيرًا من الجمال بممارسة تعبيرية ذاتية لا قيود لها فالفن لديه حدس ورؤية مستقبلية وربما تحاكى أفكاره موضوعات وقضايا بخبرات حياتية متعددة..  بجمال صادم أحيانا، وغالبًا جمال يدعونا للتأمل. الفنان سمير فؤاد، الذى عشق الفن منذ صغره، فوالده خريج مدرسة الصنايع والفنون -كلية الفنون التطبيقية بعد ذلك- وشقيقه الأكبر الطيار الذى استشهد فى  حرب 67 وكان رسامًا ماهرًا والذى تعلم منه فن الرسم والتلوين.. ولكن  بحكم تكوينه العلمى آثر دراسة الهندسة - درس هندسة الإلكترونيات بجامعة القاهرة - إلا أن إرهاصات الفن شغلت حيزًا كبيرًا من حياته وفاز بعدة جوائز فى التصوير خلال دراسته الأولى والجامعية.

وكان أول معارضه بالقاهرة عام 97 الذى حقق فى السنوات التالية رؤية فنية متكاملة جعلته واحدًا من أهم الفنانين المعاصرين، وفى معرضه «60 سنة فن» والمقام بجاليرى «بيكاسو» بالزمالك استعدنا معه ذكريات الفن والحياة وتحدث فيها عن مفهوم الزمن والحركة وقضية الجمال فى الفن وأشياء أخرى، وكانت إجابته فى حوار مهم وممتع.

■ هناك بعض المقتطفات الكلامية ملصقة بجانب لوحات المعرض ما دلالتها، وما الغرض منها؟

 - الفنان ينتهى دوره عند التوقيع على اللوحة.. فى الخارج ينظم المعرض - كيوريشن - بوجهة نظر أخرى غير وجهة نظر الفنان، فالفن حمّال أوجه من الممكن للمشاهد أن يراه بشكل آخر غير وجهة نظر الفنان ومغايرة تماما، وفى معرض «60 سنة فن» قررت أن أعمل الـ«كيوريشن» بنفسى - بمعنى المشاهد هيدخل المعرض منين وهيتحرك إزاى وبالتالى اخترت المقاطع الكلامية لعمل حالة وصل بين اللوحات والمشاهد وهو عكس معارض العنوان الواحد لا يحتاج لمقتطفات كلامية.

 

 

 

■ ماذا تغير فى فن سمير فؤاد منذ 60 عامًا حتى الآن، وهل توجد فروق كثيرة بينهما؟

 - الفرق بين أول سنة وآخر سنة - فى الـ60 عامًا - خبرة سنين متراكمة أبسط شىء أنى وضعت اللوحتين دول - لوحة أوفيليا - صاحبة المأساة الشكسبيرية الشهيرة وهى إنتاج حديث للفنان - وبجانبها لوحة فتاة الشاطئ وهى عمل قديم، وضعتهما بجانب بعض، يعنى شروق وأفول، يعنى فى سن الـ 80 أنت بتعد السنين وفى سن العشرين ما بتعدش، الدنيا مفتوحة قدامك.

وجهة النظر مختلفة فى التناول بشكل عام، بمعنى أن السنين تجعل أدواتك مكتملة جدًا، خلاص بتفكر فى أى موضوع سواء سياسى أو اجتماعى برؤية مختلفة بخبرات ومشاكل وتجارب متعددة، يعنى لوحة أوفيليا لو رسمتها فى سن العشرين هتكون مختلفة تماما عن النهاردة.

■ هل انشغالك بالهندسة أثر فى تواجدك على الساحة الفنية؟

 - أول معرض فنى جاد كان سنة 97 يعنى متأخر جدًا وبالتالى دخولى الفن كمحترف يعنى أن أكرس حياتى للفن وأنا فى سن الخمسين.

ناس كتير جدًا فى العالم -لو تدور- اكتشفوا إن عندهم شىء ممكن يقولوه بعد سن الخمسين، أقصد أن السن له عامل كل ما بتدى الفن بدرى كل ما كان عندك الفرصة.. لأن مخك بيستوعب أكثر وبيتشكل وبالتالى قادر إنه يلم بالمعلومات وتنتهى من المرحلة الأولى فى الفن بمعنى إزاى تكمل أدواتك وتنتج لوحة وتلونها، وبعد هذه المرحلة إزاى تدور على الفكرة اللى أنت عايز تقولها.

■ هل المخزون البصرى للفنان يعد ركيزة فنية يستدعيها عند إنتاجه بعد ذلك؟

- ترجمة الرؤية البصرية فقط لا تكفى كمخزون فنى ولكن يد الفنان مع عقله هى اللى بتحدد قدرتك على إنتاج الفن.

أنا خريج هندسة - إلكترونيات - ورغم ذلك اكتشفت إن فيه حاجة ممكن أقولها وكان من الأفضل ألا ألتفت للقواعد الأكاديمية والفن اللى اعمله بعمله لنفسى بطريقتى الخاصة ولازم أكون صادقًا مع نفسى.

■ رؤيتك للفن هل تغيرت خلال سنوات إنتاجك الفنى؟

 - حاليًا أنا براجع نفسى.. يعنى لازم تعبر عن نفسك لما تمضى على اللوحة ويكون فيه احترام لنفسك ولفنك.. ولو كنت غير راض عن النتيجة ممكن أدمر اللوحة.. عملية التدمير فى حد ذاتها مهمة جدًا يعنى لما أدمر لوحة، اللوحة اللى بعدها لازم تكون أفضل، فالتدمير جزء من الفن، العمل فى الآخر ممكن تشوف إنه ما يستاهلش إنك تبذل فيه مجهود زيادة والأفضل تدميره.

■ كمهندس إلكترونيات.. ما رأيك فى تأثير الإنترنت على الفن، وهل أضره أم أفاده؟

 - الإنترنت له تأثير كبير يعنى إحنا دلوقتى بنتعلم من خلاله -كبار وصغار- المعلومات أصبحت غزيرة وتثرى الخبرات فالطالب معلوماته ليست مقصورة على أستاذه فقط.

 

 

 

■ بحكم عملك فى الخارج لمدة طويلة ما الفرق بين إنتاج الفن هنا وهناك، وهل يتأثر الفنان بذلك؟

- فى الخارج أى فنان بيحب يعطى خبرته للآخرين، وهذا جزء من التركيبة الاجتماعية لذلك هم يتقدمون، أنا عشت سنوات كثيرة بالخارج وتجربة العمل مبنية على إنى أكمل من سبقونى، وفى الفن بتكون على علاقة مباشرة بالفن، يعنى رؤية الصورة الفنية المطبوعة أو إذا شاهدتها على النت غير اللوحة فى المعرض يعنى اللون والعلاقة المباشرة تفرق كتير.

■ كيف ينتج الفنان لوحاته؟

- بالنسبة لى - كل فنان له طريقة - اللوحة بتتكون معايا، لما ببتديها غير لما أخلصها سواء بعد شهر أو شهور واللوحة بتعرض نفسها بفكر مختلف تمامًا - لوحة أوفيليا اترسمت على 16 مرحلة مختلفة «شاهدنا بعض مراحل تنفيذ اللوحة على كمبيوتر الفنان» فأحيانا تختزل وأحيانًا يختلف اللون أو الخلفية.

■ كثير من اللوحات تظهر حركة الأشخاص فى اهتزازات بصرية وأحيانا تكراره.. ماذا أردت أن تقول بذلك؟

- الحركة فى لوحاتى هى الزمن - الذى يحيرنا جميعًا- كل ما الإنسان بيكبر فى السن يكون الزمن خلاص ما يعنى ترجمة الزمن فى اللوحة بالحركة وتجد فى الحركة مثل رؤية الفيديو عدم التحديد، ده أسلوبى فى بعض أعمالى.

■ لماذا لم نر أعمالك فى سن مبكرة؟

- أنا لم أنشأ كفنان، والدى كان فنانًا - وشقيقى كان طيارًا وكان فنانًا جدًا، والدى كان بيدرس فى فنون صنايع- الفنون التطبيقية حاليًا، وكان زميلًا ليوسف كامل وصديقًا له.. وكان يدرس الزخرفة ولم يكن مشهورًا، فالزخرفة عادة ليس لها معارض.

■ بعض الفنانين يهتم بموضوع وفكرة لوحاته والبعض يؤثر القيم الجمالية حتى لو بشكل مباشر.. ما رأيك فى المباشرة فى الفن عمومًا؟

- الفن المباشر عمومًا فن ضعيف حتى عندما أرسم تفاحة بتقنية جيدة ماذا تقول اللوحة فى النهاية، متعة التذوق الفنى إنك تفكر وتشغل مخك يعنى تعطى تصورًا جديدًا وتعيد ترجمة الشىء، كلما تثار أسئلة يكون الفن أروع.. لماذا تمثال نفرتيتى هايل لأنه التمثال المصرى الموجود به سحر كلما تراه تطرح أسئلة غير تقليدية عن البورتريه والقيمة الجمالية، ولماذا فنان مثل «فان جوخ» بتكتشف فى لوحاته دائمًا أشياء أخرى جديدة.

■ إذن الجمال فى حد ذاته ليس كافيًا؟

 - الجمال عمومًا ليس جزءًا من الفن، ممكن الفن لا يثير الإحساس بالجمال ممكن يثير مشاعر الغضب أو الغثيان، فنانة صديقة جاءت لمشاهدة معرضى «الدواجن» ولم تستطع مشاهدته لأنه أصابها بالغثيان، وحينها أدركت أنى نجحت فى عرض وجهة نظرى. فالمشاهد مش جاى عشان يكون مبسوط - لكن عشان يفكر، .. «البتنجان» كان بالنسبة لى أشياء تأكل بعضها، الأبيض يأكل الأسود.. وفى نفس الوقت صعب جدًا إن كل لوحة بارسمها لها رمز، ممكن أرسم للمتعة الخالصة مثل لوحة «القوقعة» رسمتها لمجرد إنى شفتها جميلة.

■ تعلقك بالفن هل أثر فى عملك كمهندس؟

- عرفت فنانى روزاليوسف وصباح الخير وعمرى 14 سنة أول ما دخلت وجدت صلاح جاهين،وعرفت بهجت عثمان وحجازى وحسن فؤاد شاف شغلى ونشره - وبعدها لم أذهب للمجلة مرة أخرى، فقد كنت متفوقًا فى الدراسة وخفت إنى «اتجرجر » فى الفن وأبعد عن المذاكرة - وبعدها أنا واللباد كنا بنرسم فى نادى الرسامين اللباد كمل وأنا بعدت عن الصحافة.

 

 

 

■ ماذا عن الذكاء الاصطناعى، وهل سيؤثر فعلًا على الفن مستقبلاً؟

- لو شخص ذكى كفاية هيطلع حاجة كويسة جدًا بالذكاء الاصطناعى، المستقبل هيتأثر جدًا بالحكاية دى، -أنا مهندس- وأقدر أقول لك إن الروبوت هيكون أذكى منك وهييجى الوقت اللى يحاول يحافظ فيه على نفسه وشايف إنك كإنسان هتدمر البيئة والحياة.. لأن أنت النهاردة لازم تضع محددات للذكاء الاصطناعى، ولا أحد فى العالم يفعل ذلك، الدول الكبرى سايبين الموضوع ده «سبهللة» لأن كل دولة عايزة تتفوق على الأخرى.

يعنى الذكاء الاصطناعى هيطور نفسه ويزيد من قدراته وهو سريع جدًا وأنت كإنسان مش هتدرك هو وصل لإيه .. فمشاعره مشاعر ميكانيكية متطورة وهيكون له «وعى» بوجوده وبوجود الآخرين من حوله بطريقة ميكانيكية وهو ما يشعره بالقلق والخطر.

انتهى الحوار مؤقتًا ولم تنته متعة مشاهدة لوحات الفنان الكبير التى تحمل قدرًا كبيرًا من مغازلة العقل بقيم فنية كبيرة.