الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حلاوة زمان .. عروسة وحصان

ريشة: مها أبو عمارة
ريشة: مها أبو عمارة

يجتمع المسلمون حول العالم فى المناسبات الدينية المختلفة.. ولكل منهم عاداته وتقاليده وطقوسه التى تتناسب مع شعوب كل دولة.. ولكل شعب ما يميزه، فمنهم من يحتفل  بالخروج فى المتنزهات، ومنهم من ينعم برغد الحياة صانعًا أشهى المأكولات، وثالثهم يمارس طقوسًا تجمع بين زيارات متبادلة بين الأسَر، أو تجمعات نوعية للنساء؛ حيث رسم الحناء والتزين، وللرجال حيث مناقشة أهم التعاليم الدينية إضافة إلى مغريات الحياة، أمّا الأطفال فهم يدورون فى فلك الكبار.       



 

وفى المولد النبوى الشريف هذا العام 1446 هجرية، 2024 ميلادية، الذى حل الأسبوع الجارى لم تختلف العادات والطقوس كثيرًا رغم تأثيرات الحياة الاقتصادية على كافة شعوب العالم.. رصدنا أهم العادات فى 5 دول إفريقية، واخترنا منها تحديدًا تلك الدول التى تقترب ثقافاتها من بعضها؛ حيث يربط بينها شريان بحرى حيوى هو البحر المتوسط، وهى التى تقع فى شمال إفريقيا، وتبدأ من مصر شرقًا وحتى المغرب غربًا، ويتوسطهما ليبيا وتونس والجزائر.

 إحياء ذكرى المولد النبوى الشريف، ليس مجرد مناسبة دينية؛ بل يحمل معانى روحية وثقافية عميقة؛ حيث يعكس تقاليد متوارثة، ومظاهر تعبِّر عن حب الناس لخير خَلق البرية، من خلال طقوس مميزة للاحتفال.

ريشة: نرمين بهاء
ريشة: نرمين بهاء

 

 

ومن مظاهر الاحتفال فى بعض الدول أيضاً الصيام، وقص الشعر، وارتداء الملابس الجديدة التى تعكس ثقافة البلد، واستخدام الكحل، ورسم الحناء، وشراء الألعاب والهدايا للأطفال، فى أجواء احتفالية مليئة بالفرحة والسعادة.

وفى الوقت الرهن بدأت هذه الدول فى إحياء ذكرى المولد النبوى، وفق تقاليدها وعاداتها الخاصة التى نريدها فى السطور التالية. 

رغم اختلاف طرُق وألوان وطقوس الاحتفالات؛ فإنها تتشابه فى روحها؛ حيث يجتمع المداحون والمريدون على أصوات الدفوف، ليتغنوا مرددين مآثر ونصائح النبى آملين شفاعته، مشتاقين لرؤيته، هذا بجانب حلقات الإنشاد التى تروى السيرة النبوية العطرة.

تمثل المدائح النبوية والقصائد الزهدية قيمة اجتماعية ودينية، كجزء مهم من العادات والتقاليد المصرية فى إحياء المولد النبوى الشريف؛ حيث تنطلق العديد من المواكب التى يشارك فيها الآلاف من أتباع الطرُق الصوفية، رافعين رايات تحمل أسماءها من الشاذلية، والحامدية، والجودية، والرفاعية، والعزمية، والشبراوية، والقصبية، والبرهامية، والشهوية، كما يحرص المصريون على زيارة المساجد الشهيرة التى تضم آل البيت، مثل الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، ومسجد صالح الجعفرى، وغيرها من المساجد الشهيرة فى مختلف المحافظات.

 

 

 

مدائح واحتفلات

يتوافد عشرات الآلاف إلى المساجد والزوايا الصوفية، التى تتزين وتفتح أبوابها لاستقبالهم، فى ليلة يعلو فيها الذكر ومديح النبى محمد لإحياء ذكراه، ومن أشهَر المساجد التى تستضيف هذه الاحتفالات جامع الزيتونة العتيق؛ حيث يتم قراءة متن «الهمزية فى مدح خير البرية» للإمام البوصيرى بشكل جماعى.

كما يشهد مسجد «عقبة بن نافع» فى القيروان، تجمع المئات من التونسيين ومن دول شمال إفريقيا، للاحتفال بليلة المولد فى أجواء روحانية مميزة، والاستماع إلى ذكر الله الحكيم، والمدائح النبوية؛ حيث يعتبر أحد أقدم المعالم الإسلامية فى تونس وشمال إفريقيا، فهو أول مسجد بُنى فى مدينة القيروان بعد الفتح الإسلامى.

وتزين المدينة التى تتحول إلى ساحة يلتقى فيها المحتفلون  للصلاة فى مساجد القيروان، والمشاركة فى الاحتفال الدينى الذى يقام فى مسجد عقبة، كما يتحول مقام الصحابى «أبى زمعة البلوى»، المعروف «بسيدى الصحبى» إلى مزار للوافدين.

 

 

 

 وتعتبر ذكرى المولد النبوى عيدًا ثالثًا فى المغرب، لا تقل قدسيته عن عيدى الفطر والأضحى؛ بل تكاد فرحته تفوقهما، كما يعرف فى الثقافة المغربية بـ «عيد الأعياد»، وتتضمن الاحتفالات حلقات لذكر الشمائل المحمدية والمدائح الجماعية، كما تذاع الابتهالات والمدائح عبر مكبرات الصوت فى المساجد، وتنظم مواكب للاحتفال بذكرى المولد فى مختلف المدن، ويشتهر فيها موكب الشموع الذى ينطلق من ضريح زاوية «عبدالله بن حسون» فى مدينة سلا، حتى يصل إلى ساحة الشهداء.

وتستقبل الزوايا الصوفية عشرات الآلاف من المريدين، وأشهرها فى المغرب الزاوية القادرية البودشيشية، والمتابعة لأكبر طريقة صوفية، تنظم بها ندوات حول التصوف ودوره فى نشر السلام، من خلال علماء ومتصوفين من مختلف دول العالم، وتختتم الاحتفالات بقصائد المدح النبوى.

شموع وقناديل

يبدأ الاحتفال بالمولد النبوى فى ليبيا بليلة تعرف بـ «الموسم»، وتسبق يوم المولد؛ حيث تضاء الشموع والقناديل فى المنازل، وتتزين الفتيات بالكحل ويحملن الشمعدانات والفوانيس المضاءة، وفى تلك الليلة، يتجمع الليبيون فى الشوارع والساحات العامة؛ حيث يحتفلون بذكرى المولد النبوى بالدفوف، ورفع الرايات، وترديد القصائد والأناشيد النبوية، مثل «ريحانة الأرواح» للشيخ على أمين سيالة، وأبيات من قصة المولد النبوى لجعفر البرزنجى.

بينما تمثل ذكرى المولد النبوى مناسبة دينية أصيلة فى الجزائر، فرغم محاولات محو الهوية الوطنية التى أخلفها الاستعمار الفرنسى هناك؛ فإن الجزائريين لا يزالون أكثر حرصًا على حفظ الطقوس الدينية فى المناسبات ذات الصلة المختلفة.

حيث تتجمع العائلات للسهر والاحتفال بهذه المناسبة، وتحرص المساجد الجزائرية على تنظيم حلقات العلم والذكر والإنشاد فى مدح النبى، بالإضافة إلى إحياء سيرته العطرة، من خلال مسابقات حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، التى تقام خصوصًا للأطفال بين سن 8 و16 عامًا.

أمّا «العصيدة» فهى نوع من الحلوى مرتبط باحتفالات المولد النبوى الشريف، وتختلف حسب نوع الدقيق المستخدم فى صناعتها، مثل القمح، والشعير.

وفى مصر تعتبر العصيدة من حلويات الاحتفال بالمولد النبوى؛ وبخاصة عند سكان الساحل الشمالى وصعيد مصر، ويتم وضع دقيق الشعير فى «القدر» مع قليل من الماء، ويوضع على النار ثم يضاف إليه السمن تدريجيًا، ويقلب بعصا مخصّصة للعصيدة، وعند إتمام الطهى تسكب فى إناء كبير مسطح، ويضاف إليها حليب ممزوج بقليل من الدقيق، ويضاف العسل الأسود والمكسرات أعلى الإناء المقدم للضيوف بعد ذلك.

 

 

 

وفى ليبيا تصنع «العصيدة» من الدقيق والسمن والعسل، وهى وجبة تتناولها الأسر الليبية فى الساعات الأولى من صباح يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، الذى يبدأ طقوسها داخل البيوت فى أجواء تسودها البهجة، وصولاً للساحات العامة والميادين الكبيرة، التى يتوافد إليها آلاف المريدين من كافة الأعمار.

أمّا تونس الخضراء كما تعرف، فتتناقل الأجيال طريقة صنع عصيدة «الزقوقو»؛ حيث تتصدر قائمة المأكولات فى موسم الاحتفال بإحياء ذكرى المولد النبوى، ويتم استخراجها من ثمرة الصنوبر الحلبى، تتزين بالمكسرات، والفاكهه المجففة؛ حيث يتم مزج الزقوقو بالماء عدة مرات ويصفى، ثم يخلط الدقيق مع باقى الماء المصفى، ويضاف له السكر والزقوقو المصفى، ويوضع على حرارة متوسطة حتى النضج، ويضاف له مسحوق الكريمة، ويزين بعد أن يبرد.

 

 

 

كما أن هناك بعض المناطق فى الجنوب التونسى، تحتفظ بعادة «العصيدة البيضاء» المكونة من القمح، التى تتزين بالعسل والسمن، وتستقبل العائلات الضيوف، بتقديم أطباق الحلوى من «المقروض القيروانى» الشهير، وهو العجين المقلى الممزوج بالتمر، فى بهو المساجد، ويوزع الأطفال الماء المعطر بالزهور عليهم، وهم يرتدون الزى التونسى التقليدى. روحانيات متوارثة

لم يمنع الجزائريون أى ظروف مرت عليهم عبر التاريخ، من الاحتفال بذكرى مولد الرسول عليه السلام؛ بل تميزت سمات الاحتفال بحرص الآباء على اصطحاب أطفالهم إلى المساجد، والاستماع إلى دروس الأئمة عن السيرة النبوية، وتعليمهم الاقتداء بسُنَّة النبىّ، وحلقات الذكر التى تبدأ من بعد صلاة المغرب، أو تتجمع العائلات فى بيت الجد ليلة المولد النبوى، وقراءة السيرة النبوية على مسامع الأبناء قبل خروجهم للاحتفال.

ومن معتقداتهم الدينية، ختان «الذكور،» فى هذه الليلة المباركة، كما أن إضاءة الشموع مع ترديد أنشودة «طلع البدر علينا» عادة إلزامية لا يمكن تجاهلها فى برنامج الاحتفال.

وإشعال البخور والشموع فى المنازل يضفى أجواء من الهدوء، وارتداء الزى الجزائرى التقليدى؛ وبخاصة أثناء تبادل الزيارات، يشعر الجزائريون بروحانيات المناسبة الدينية، ومأدبة العَشاء ليلة المولد النبوى التى تقديم عليها أطباق من الكُسْكُسى باللحم، والرشتة والشيخوخة، وغيرها من الأطباق الرئيسية لديهم؛ حيث تُحَضّر بشكل خاص لهذه المناسبة، فى تجمع للعائلة والأصدقاء تعد جميعها من الطقوس والتقاليد المميزة فى الجزائر.

سوق رائجة 

مع بداية شهر ربيع الأول، وقبيل قدوم ليلة المولد النبوى، تنتعش الأسواق فى الدول التى تحتفل بهذه المناسبة الدينية؛ حيث يعتبر موسمًا تجاريًا رائجًا، يتوافد فيه الآلاف على شراء الحلوى، والتمور، والشموع، والبخور، والحناء، كما تستعد المحال لعرض الملابس التقليدية للتأهب للاحتفال، وكذلك متاجر بيع الدقيق والسمن والعسل لصناعة العصيدة.

 

ريشة: سماح الشامى
ريشة: سماح الشامى

 

بالإضافة إلى انتشار المأكولات والحلوى التقليدية؛ حيث تزدحم الأسواق الشعبية، وكذلك المحال الكبرى بالمواطنين لشراء حلوى هذا الموسم، والهدايا للأطفال ومنها «العروسة والحصان» المصنعان من السكر فى مصر، وهناك «الخميسة» التى توضع فيها الشموع، وتصنع يدويًا من هيكل خشبى على شكل شجرة، وتزين بالورود وفى قمتها توضع الخميسة، وهى عبارة عن شمعدان على هيئة يد مفتوحة.