الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سلامتك يا منير المسرح وعاشقه

منذ طفولتى أسمع اسمه يتردد أمامى، كأحد أهم مخرجى المسرح، وذلك قبل أن أشاهد أو أستوعب قيمته الفنية..ازدادت معرفتى به عن طريق حكى صديقة طفولتى البيانيست المبدعة/مها سمير(ابنة شقيقته) والتى عرفتنى كثيرا من سماته الإنسانية..ومرت سنوات حتى فوجئت بتليفون من المخرج الكبير/مراد منير!..عرفت منه أنه شاهد بانر فى الزمالك لصورتى والدعاية لإحدى حفلاتى، وبأسلوبه المتميز حدثنى عن رؤيته لفكرة إشراكى فى عمل مسرحى كان قد بدأ بالفعل بروفاته..وتوالت الاتصالات واللقاءات و لم نوفق لتنفيذ العمل..ولكن جمعتنا صداقة مغلفة بالاعتزاز والاحترام من وقتها وحتى الآن..فمن يدخل عالمه المسحور لا يخرج منه أبدا، لتميز شخصيته التى تتشابه مع صفات البحر فى هدوئه وحنانه أو ثورته وهياجه، ولكن ليس بغدره.. فهو إنسان وفى  محب للحب، ولديه إيمان قوى بالله رغم بعض التقصير فى أداء العبادات.. دخلت منزله وتعرفت عن قرب على ملاكه الهادئ الجميل/فايزة كمال الفنانة الرائعة التى لم تنل النصيب المستحق من النجومية والثراء والبطولات، ولكنها ظلت دائما الراقية الرقيقة المحترمة، والتى لم تخطئ فى اختيار عمل يفقدها ثقة جمهورها بها.. هذه الزوجة الفائقة الجمال تزوجت المتمرد على الحياة والفن، واستطاعت أن تحتضنه وتحتويه وتسكنه قلبها، فلم يستطع الابتعاد عنها بل كانت الحبيبة والصديقة والأم التى يرتمى على صدرها، ويحكى عن نزواته وإخفاقاته قبل نجاحاته أو أحلامه.. ولم تغلق أذنيها يوما أمامه أو تشعره بجرح كرامتها أو أنوثتها، أو تعاتبه فيما يستدعى وقفة الزوجة غيرة على حقها فيه!..بل كانت تناقشه بقلب أم وعقل حبيبة تحرص على عدم فرار عصفورها من القفص الذهبى.. فتحولت فايزة إلى حصن الأمان وحضن السكن والسكينة مهما بلغ من شطط العقل أو جموح الفنان وجنونه!!.. أنجبت له قرتا عينيه( ليلى ويوسف) ولم يطل العمر بها، لتفارقهم بعد فترة مرضية تحملتها بكامل شجاعتها وقدرتها الفائقة على الصبر والابتسام.. لم يستطع منير أن يملأ فراغا قاتلا تركته، فمثلها لا تعوض ولا بديل عنها.. وجعل السلوى والأمان فى أبنائهما، وعاش مخلصا محبا لها أكثر مما ظنته أو تخيلته فى حياتها، يسكن اسمها طرف لسانه فى كل حكاياته وأفكاره التى لا تنضب.. فقلبه مازال شابا شقيا ولكن جسده لا يسعفه لفرق السرعات بين عقله وبدنه، فتحول وتجول بين الأوراق كقارئ نهم، وأيضا فى كتابة سيناريوهات ومسرحيات، ولم يعد الإخراج فن مراد المتفرد، بل أخذته الكتابة وعالمها الرحب الذى لا تقيده ميزانيات أو تراخيص وقيود أو أشخاص.. ومن أجمل الأشياء التى حرص عليها كتابته لمذكراته، والتى ستصدر قريبا تحت عنوان(الغجرى:مذكرات مخرج مسرحى).. وهى قصة حياته بكل تفاصيلها الدقيقة بلا تجمل، مسجلا لكل خطواته وخبراته وعلاقاته، وبكل شجاعة معترفا  بأخطائه.. وقد تشرفت بأننى ضمن من خصهم بقرائتها قبل نشرها، فهى رحلة ثرية وشيقة، لا يستطيع من يقرأها تركها إلا بعد الانتهاء منها، ونحتاج أن نشاهدها لنعلم ونتعلم من أستاذيته وإنسانيته، ومن جمال اعترافات ضميره النقى الصادق..وأتذكر وهو يصارحنى بما يتعرض له من إغراءات قائلا: «لا أستطيع أن أخون الله»..وهو ما يزيد يقينى أن حب الله والإيمان به ليس بإقامة العبادات وفقط رغم قدسيتها وضرورتها، ولكن قمة الإيمان وجود الله فى قلب الإنسان، فيخشاه ويجله فى الخفاء قبل العلن.. وقد آلمنى وكل الوسط الثقافى والفنى خبر مرضه المفاجئ، والذى ندعو الله أن ينجيه منه ويمنحه الشفاء العاجل ليعود إلى أسرته ومحبيه.. سلامتك يا مراد يا صديقى.. سلامتك يا مبدع يا ملك إنت الملك.. مازلنا ننتظر منك الكثير، ومازال دور البطولة فى حياة(غاليتى ليلى،والجميل يوسف،وابنتك الكبرى نوارة)لم يكتمل بعد..فساعدنا بإرادتك القوية ولا تستسلم.