جدل فى واشنطن حول علاقة ترامب بعمدة نيويورك المتطرف
«ممدانى» السبب؟!
تقرير وترجمة: خلود عدنان
تعود قضية إرهاب جماعة الإخوان إلى صدارة المشهد الأوروبى مجددًا، فى ظل عجز مستمر عن احتواء نفوذها الذى تمدّد لسنوات داخل أهم المؤسسات الحكومية. فلطالما تبنت منظمات حقوقية دولية - خصوصًا الأمريكية منها - مواقف دفاعية شرسة عن أنشطة الجماعة المتطرفة، وهو ما أسهم فى ترسيخ وجودها داخل أوروبا.
واليوم، وبعد أعوام من الإنكار ومحاولات فاشلة لاحتواء التطرف، تدرك أوروبا حجم الأزمة. فقد كانت فرنسا أول من حذّر من خطر الجماعة بعد أن وصل متطرفوها إلى مفاصل مؤسساتها، لتتبعها بريطانيا، وتلحق بهما الولايات المتحدة التى تعود هى الأخرى لإعادة تقييم التعامل مع التنظيم.

هذا التحول لا يأتى بمعزل عن تصاعد الهجمات المتطرفة داخل أوروبا وعودة ملف «الإسلام السياسى» إلى دائرة القلق الأمنى. فقد خلقت شبكات الإخوان - التى اتخذت من الجمعيات والمراكز الثقافية ستارًا - بيئة خصبة لاستقطاب الشباب وتمويل أنشطة مشبوهة تمتد خارج الحدود.
ومع تراكم الأدلة حول ارتباط هذه الكيانات بخطط تعبئة أيديولوجية، بدأت الحكومات الأوروبية تدرك أن التعامل السابق مع الجماعة بوصفها «تنظيمًا اجتماعيًا» كان خطأ استراتيجيًا ساهم فى تعقيد المشهد الداخلى وتهديد أمن المجتمعات.
وتقول وسائل إعلام أمريكية وأوروبية: إن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يأتِ بدافع دعم السلام أو مواجهة التطرف فقط؛ بل جاء استجابة لضغوط داخلية واحتواءً لغضب مؤيديه الذين انتقدوا تقاربه مع مسئولين تُوجه إليهم اتهامات بالتطرف، حسب وصفها.

أموال اليمين!
وحسب صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية، إن اجتماع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الودى فى البيت الأبيض مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب مؤخرًا زهران ممدانى، أثار غضب العديد من أعضاء حركة «ماجا» اليمينية الأسبوع الماضى، «وهى حركة سياسية معروفة بدعمها لترامب سياسيًا وماليًا، وكانت قد مولت حملته للانتخابات الرئاسية وتمول حاليا أغلب مشروعاته».
فبعد 72 ساعة فقط، من هذا اللقاء منح ترامب مؤيديه ما كانوا يسعون إليه منذ فترة طويلة، وهو أمر تنفيذى يسعى لتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية، وفقاً لـ«بوليتيكو».
ويرى الموالون لحركة «ماجا» قرار ترامب كعرض سلام ومحاولة لتحويل الضغوط بعيدًا عنه بسبب غضبهم مما وصفوه «تقرب من اشتراكى ديمقراطى يستعد ليكون أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك»، كما تسبب حادث استهداف الحرس الوطنى للبيت الأبيض والذى أُدين بارتكابه مهاجر أفغانى مسلم فى تصاعد وتيرة الهجوم ضد ترامب.
وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية لا تربط ممدانى أى علاقة بجماعة الإخوان، لكن خصومه السياسيين قالوا إنه «متطرف» بسبب موقفه المعارض لإسرائيل خلال حملته الانتخابية.
فيما وصفت الناشطة اليمينية والمؤثرة فى أوساط حركة «ماجا» لورا لومر، قرار ترامب بحظر الإخوان بأنه محاولة «لرمى عظمة» إلى أنصار الرئيس الغاضبين، مشيرة إلى أنه من الغريب أن يأتى القرار بعد زيارة ممدانى، التى دافع خلالها الرئيس الأمريكى عن عمدة نيويورك المنتخب ورفض وصفه بأنه «جهادى».

كما قال ممدانى خلال الحملة الانتخابية لبلدية نيويورك، «هناك أمريكيون يهاجمونه بسبب هويته المسلمة، وهذه عنصرية بلا مبرر وليس له علاقة بأى منظمات متطرفة أو مدرجة على قوائم الإرهاب»، فى إشارة إلى تصاعد المخاوف بشأن أن تدفع الجاليات الإسلامية فى الخارج ضريبة إرهاب الإخوان.
وترجع المطالب بتصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية إلى فترة ترامب الأولى. وجاء القرار عقب دعوات من الجمهوريين لإجراء تحقيق فى أنشطة الجماعة، حيث ضغط السيناتوران الجمهوريان توم كوتون وإليز ستيفانيك على وزارة الخزانة للتحقيق فى مصادر تمويلها.
كما قال ستيف بانون، كبير مستشارى البيت الأبيض السابق إن «الرئيس ترامب حساس للغاية تجاه أصوات «ماجا»، ولا يمكن أن يتجاهل مطالبهم لتحجيم نفوذ الإخوان فى الولايات المتحدة خاصة بعد لقائه بممدانى وحادث البيت الأبيض.
وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأمريكية إلى أن قرارات البيت الأبيض فى الآونة الأخيرة لن تؤثر على موقف الجمهوريين فى انتخابات منتصف 2026، وإذا طبق (ممدانى) السياسات التى روّج لها فى حملته، سيحاول الجمهوريون التكيف مع سياساته وخوض الانتخابات بناءً عليها.
دخان بلا نار
ورغم الجدل الذى أثاره قرار ترامب بحظر الإخوان وتصنيفها إرهابية؛ فإنه لم يكف لكبح الانتقادات الموجهة للبيت الأبيض، ويعتبر تيار «ماجا» أن دعوة ترامب لوزيرى الخارجية والخزانة، بالتشاور مع المدعى العام ومدير الاستخبارات الأمريكية، لمراجعة أنشطة الإخوان لمدة 75 يومًا وتقديم تقرير مشترك حول التصنيف الإرهابى لفروع الإخوان، بما فى ذلك الموجودة فى لبنان والأردن، أقل من أن ترقى إلى تصنيف كامل لفروع الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، حسب صحيفة بوليتيكو.
ولذلك غضب آخرون من دوائر القرار الأمريكى، بسبب ما رأوه استبعادًا لفروع فى دول أخرى بينها دول عززت علاقاتها مع إدارة ترامب.
وروّج مسئولو ترامب للأمر التنفيذى باعتباره خطوة كبيرة نحو التخلص من الحركة الراديكالية بعد تزايد الشبهات حولها وثبوت تورطها فى العديد من الأعمال الإرهابية، وهى خطوة فكر فيها ترامب خلال فترته الأولى.
وقال سيباستيان جوركا، مدير مكافحة الإرهاب بالولايات المتحدة، على موقع التدوينات القصيرة اكس: «قرار ترامب مجرد بداية. وكل الجهاديين فى مرمى التصويب. وبالمثل، أى شخص يقدم دعمًا أو ملاذًا للجهاديين».
ورغم ما يعتبره كثيرون ضعفًا لقرار ترامب وعدم التوقع بنتائج ملموسة، لكنه فتح الباب أمام فرض عقوبات مالية وحظر سفر على أعضاء الحركة فى الأردن ولبنان، وتقول صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إنه إذا مضت إدارة ترامب قدمًا فى تصنيفاتها الإرهابية - مستخدمةً لفظى «إرهابى عالمي» و«منظمة إرهابية أجنبية» - فستُفرض عقوبات مالية كبيرة على هذه الجماعات وشركائها. وسيتم تجميد أى أصول أو ممتلكات لديهم فى الولايات المتحدة، وسيُجرّم هذا التصنيف تقديم الدعم المادى لهم، ما يمنع المواطنين والشركات والمؤسسات الأمريكية من التعامل معهم بشكل كامل.