السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صراع جيل الألفية القادم

صراع جيل الألفية القادم
صراع جيل الألفية القادم


يتذكر الكثيرون منا السنوات من 1990 حتى مطلع الألفية الثالثة بوصفها الفترة الأبرز التى شهدت العديد من التغيرات سواء على مستوى الأحداث كحرب الخليج الثانية (1990 -1991) بغزو العراق للكويت وتشكيل التحالف الدولى لتحريرها، ولأول مرة فى التاريخ يتم بث معارك حربية وضربات جوية حصرياً على شاشة قناة CNN الأمريكية، وانتشار الفنون كالأفلام السينمائية والأغانى وألوان من الرقص (90% أمريكية) بصورة غير مسبوقة بحيث أصبحت ثقافة مشتركة فى القارات الست دون استثناء، شهدت نفس الفترة أيضاً ظهور الإنترنت والهواتف المحمولة والتى لاقت اقبالاً غير مسبوق من الشباب للتواصل مع بعضهم، بل أصبحت غرف الدردشة Chat Rooms -ICQ  وتبادل رسائل البريد الإلكترونى محملة بالصور أهم ظواهر تلك الفترة.
 ناهيك عن إمكانية الاتصال التليفونى بأى شخص فى أى مكان فى أى وقت بدلاً من انتظار تحويل المكالمات الدولية أو التوجه للسنترالات. هل تمثل تلك الفترة ذكرياتك المحببة التى غالباً ما تسترجعها فى أحلام الواقع، أم أنك تراها منذ زمن ليس بعيداً ولكنه لا يمثل مخزون ذكرياتك الحقيقية؛ بمعنى آخر ألا تمس تلك المنطقة المتميزة فى قلبك وعقلك؟ لو كنت من ينطبق عليهم الحالة الأولى فأنت أحد الذين سيرون المقال معبراً عما يدور بأنفسهم ويشغل مساحة من تفكيرهم، نعم.. أنت من ذاك الجيل الذى انشغل به العالم وخُصصت له الأبحاث والدراسات على مدار سنوات؛ والمسمى بجيل الألفية أو الجيل Y.
• تصنيف المجتمعات البشرية
تعتمد غالبية الأبحاث والدراسات فى مجال العلوم الاجتماعية والتسويقية على تصنيف المجتمعات البشرية منذ أواسط القرن العشرين وفقاً لمعايير ديموغرافية تعتمد بالأساس على أعوام الميلاد وتسمية مواليد أعداد محددة منها بالجيل، بحيث يجمع كل جيل مجموعة من الخصائص والسمات الثقافية والمعرفية والاهتمامات المشتركة. يصنف مركز أبحاث حركة الأجيال The Center for Generational Kinetics بولاية تكساس الأمريكية الأجيال على النحو التالى: Traditionalistsأوالتقليديون (الجيل الصامت) ويضم كل مواليد ما قبل 1945 Baby Boomers  أو مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية (1946 - 1964)، مواليد ما بين عامى (1965 - 1976) ويسمون بالجيلX ، الجيل Y أو جيل الألفية Millennials  وهم مواليد ما بين عامى (1977 - 1995)، الجيل Z أوCentennials  وهم مواليد ما بعد عام 1996 وحتى الآن.
توجد بالطبع مساحة من الاختلافات بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية حول المجال الزمنى لأجيال X,Y,Z  إلا أنها لا تمثل التفاوت الذى يمكن أن يخل بالفرضيات العلمية أو التطبيقات أو المفاهيم التى نتجت عن ذلك التصنيف الجيلى، خاصة مع انتشار استخدامه من جانب شركات أبحاث التسويق العالمية. ملحوظة هامة أخرى، اعتمدت تلك التصنيفات على عدة معايير أهمها الطابع الأبوى فى التفكير والإدراك الذى يميز الأعمار المتقدمة نسبياً، النظرة للتكنولوجيا، والرؤية تجاه السياسات الاقتصادية المطلوب تطبيقها، هناك عدد لا بأس به من الدراسات للأنماط السلوكية للجيل X? إلا أنها لا تقارن بعدد الأبحاث التى وجهت لجيل الألفية أو الجيل Z  الصاعد، قد يعزى ذلك للأسف لوقوع جيل X  بين جيلين بينهما فروق هائلة أو قلة أعدادهم بالمقارنة بالجيلين الآخرين (وفقاً لإحصائيات الولايات المتحدة الأمريكية).
المدهش أن عدداً من الأبحاث غير التسويقية المتعلقة بجيل الألفية اهتمت بصورة أكبر بالتطورات المجتمعية السريعة خلال العامين الماضيين ووجهت النظر لصراع قائم بين جيل الألفية وجيل آبائهم أو Baby Boomers وتخوفهم من استمرار ذلك الجيل فى قيادة العالم بصورة تقليدية وبالية- على حد وصف بعضهم -ويعد أبرز الأمثلة على ذلك النوع من الأبحاث تلك التى أعقبت التصويت غير المتوقع على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى المعروف بالبريكستBrexit  والتى أثبتت أن من قاموا بالتصويت بنسبة 51.9% على خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبى هم من البريطانيين كبار السن الذين مازالوا يحلمون بالمجد التليد للإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس، بينما كان المؤيدون لبقاء بريطانيا بنسبة 48.1% هم من الشباب الذى يطارد الأحلام والفرص فى القارة الأوروبية غير الراغبين فى وضع حدود لحركتهم. قد نختلف بصورة كبيرة حول حجم وتأثير (الصراع) تبعاً لخلفياتنا الفكرية والسياسية، إلا أن غالبية دارسى الظواهر الاجتماعية يضعون مفهوم الصراع فى مكانة معتبرة كمؤثر رئيسى، بل أن كافة المؤثرات الأخرى يمكن تفسيرها فى ظل نفس المفهوم فى أدبيات الكثيرين من علماء الاجتماع من غير الماركسيين (الذين يضعون الصراع كمكون رئيسى فى حركة المجتمعات والتاريخ).
• تصنيفات الأجيال
الخلاصة إذن أن تصنيفات الأجيال التى ذكرناها مستقرة لدى العلماء والباحثين المتخصصين فى العلوم الاجتماعية وأن عدداً من الدراسات تناقش أبعاد وأسباب الصراع القائم بينها. حسناً، وماذا بعد؟ بمعنى آخر، وما هو الدرس المستفاد من ذلك؟ الفائدة الحقيقية من النظريات الاجتماعية هى تطبيقها على الواقع لتفسير الأحداث وسلوك الأشخاص والمجتمعات التى تصنعها. لنعود ست سنوات إلى الوراء، حدث استثنائى كثورة 25 يناير وما أعقبها من حراك مجتمعى غير مسبوق ألا يمكن تفسيره فى ضوء صراع الأجيال؟! تخيل معى، جيل الشباب Y الذى أصبح يشكل كتلة اجتماعية حرجة (حوالى 60 %) أصابه الضجر من مجموعة فى أعمار أجدادهم - الرئيس الأسبق ورجالات نظامه وحزبه من جيل التقليديين - المتشبثين بالحكم فخرجوا يطالبون بإقصائهم، بحيث حانت الفرصة لجيل المتململ من انتظار إزاحة كبار السن الذين طال بقاؤهم بصورة أصبحت تهدد انتقال زمام الأمور لهم، بل والأخطر من وجهة نظرهم أن التقليديين كانوا بصدد ترتيب عملية نقل السلطة إلى جيل آخر X (هل تتذكر مخطط التوريث؟). لا تتعجل فى القبول أو الرفض وامنح عقلك الفرصة للتفكير، فليس هناك من يقطع بذلك ولكنها مجرد فرضية فى محاولة للفهم من زاوية أخرى.
• الجيل Z
فى سياق آخر، لا يخلو حديث مع أساتذة الكليات النظرية من شكوى من طلابهم (من الجيل Z) لتقاعسهم عن التصدى للمشكلات الرياضية والعلمية بالتحليل وبذل الجهد للبحث عن حلول لها ولجوئهم للأمثلة الجاهزة، ويرون أن ذلك نتيجة طبيعية للدروس الخصوصية التى تعد سمة للتعليم ما قبل الجامعى خلال العقدين الأخيرين، ويعتبرون ذلك خللاً سافراً فى أسلوب تفكيرهم. بينما يرى جيلZ  أن مشكلة جيل الكبار Baby Boomers  أنهم لا يستطيعون استيعاب طبيعة عصر الانفجار المعرفى وإمكانية اكتساب العلوم النظرية والتطبيقية دون جهد يذكر، ويضربون لذلك مثالاً طريفاً؛ أن الجيل القديم يشبه الأقراص الصلبة (Hard Disk) التى كانت متواجدة منذ عشر سنوات ورغم حجمها الكبير فإن سعتها التخزينية محدودة بالمقارنة بجيلهم الذى تمثله ـوحدات التخزين المحمولة (Flash Memory) صغيرة الحجم وتضاهيها فى سعة التخزين! الأمر الذى قد يبدو ايجابياً أن جيل Z  ينظرون إلى جيل الألفية Yبأنهم الأقرب إلى فهمهم على أساس أنهم يتمتعون بأفضلية فهم التكنولوجيا الحديثة وكونهم قريبين من أسلوب تفكيرهم ورؤيتهم لما حولهم وفقا لثقافتهم المعولمة، والأهم أنهم لا يتدخلون فى شئونهم ولا ينتقدونهم تحت ذريعة كونهم كآبائهم أو أشقائهم الكبار.،لا يقف العالم مكتوف الأيدى فى هذا الصراع بل هو منقسم إلى فسطاطين، الأول ويمثله اتجاه أمريكى وأوروبى متطلع دائماً للمستقبل يدعم انتقال السلطة والإدارة إلى جيل الألفية المتحفز والفاعل فى عملية التغيير غير المسبوقة على جميع الأصعدة والمتوقع أن يشارك بهمة فى السباق العالمى لإنتاج المعرفة وأدواتها، أما الثانى فهم مروجو النوستالجيا وأنصارهم فى بلادنا الذين لا يثملون من كأس تجرع الماضى ولا يملون من تذكر رجاله وأفكاره وتراثه ولا يرون فى مستقبلهم ما يغريهم ما داموا لن يكونوا حاضرين به، تقلب الزمن هو سُنة الكون بلا أدنى شك وجيل الألفية قادم ونتمنى له حظاً أوفر من سابقيه، إلا أنه يجب أن يعى أن الجيلZ  الوثاب لن يكون مريحاً سهل الانقياد، بل ربما كان أصعب من سابقيه بمراحل فهو جيل مُتصل إلى درجة يستحيل معها تغفيله أو تجاهل الحوار معه بالعلم والشفافية المطلقة، فليحذر جيل الألفية من ارتكاب خطأ الاستهانة به وإلا كان خصم معركته القادمة.•