الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بريطانيون يطالبون بمحاكمة «بلير» كمجرم حرب

بريطانيون يطالبون بمحاكمة «بلير»  كمجرم حرب
بريطانيون يطالبون بمحاكمة «بلير» كمجرم حرب


 شهد الأسبوع الماضى تطورا ملحوظا فى قضية معلقة هى المطالبة بمحاكمة رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير، كمجرم حرب للدور الذى لعبه فى غزو العراق سنة 2003 بالتحالف مع الرئيس الأمريكى وقتها جورج بوش الصغير.

وهو الغزو الذى أطاح بصدام حسين وحوّل البلد العربى العريق، طوال نحو 15 سنة وحتى الآن إلى أكبر بلد فاشل وفاسد فى العالم.
فقد قضت المحكمة البريطانية العليا فى الدعوى التى تقدم بها الفريق أول عبدالواحد شنان آل رباط، رئيس أركان حرب الجيش العراقى الأسبق، برفضها لعدم وجود جريمة قانونية تسمى «جريمة العدوان».
وليس معنى حكم أعلى سلطة قضائية أن تونى بلير بريء من تهمة المشاركة فى غزو العراق وتدميره وتخريبه المستمر حتى الآن، فالحكم أشبه بأحكام عدم الاختصاص وهو عدم وجود نص قانونى يجرّم ما فعله بلير وبوش.
لكن بعد أيام من صدور هذا الحكم قامت هيئة مستقلة باستطلاع الرأى العام حول هذه القضية فكان هناك مطلب شعبى بريطانى بمحاكمة رئيس الوزراء الأسبق تونى بلير، ليس فقط لأنه غزا العراق مع الأمريكان ولكن لأنه ضلل البرلمان ومجلس الوزراء والرأى العام البريطانى كله بادعاءات كاذبة، هى أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد بريطانيا وأمريكا. 
وقد تأكد فيما بعد أن هذه الادعاءات كانت مجرد أكاذيب لتغطية رغبة بوش وبلير واتفاقهما على القضاء على صدام حسين ونظامه لتولية عناصر تخدم مصالح الغرب.
وهناك منظمة حقوقية تعمل الآن على معاودة رفع دعوى قضائية تستند إلى نقض قرار المحكمة العليا وإثبات وجود واقعة محاكمات تمت فى بريطانيا استنادا إلى مايسمى «جريمة عدوان».
وعلى الرغم من مرور 15 سنة تقريبا على ما جرى، فمازالت القضية ساخنة وحية، وكان البرلمان البريطانى قد طالب بالتحقيق فى جريمة بلير، وتشكلت لجنة قانونية أمضت سبع سنوات فى التحقيق والاستماع إلى الأطراف المختلفة من سياسيين وقادة عسكريين وكبار رجال الدولة فى مجلس الوزراء من معاونى بلير.
وقدمت لجنة التحقيق فى حرب العراق برئاسة السير جون تشيلكوت، تقريرها الذى أدان تونى بلير. واتهمه رئيس اللجنة بالكذب، وبأنه «لم يكن صريحا مع الأمة» بشأن قراراته فى الفترة السابقة على قرار الغزو.
وناقش السير جون، فى أول لقاء مع «بى. بى. سي» بعد إعلان تقريره فى يوليو من العام الماضى، الأسباب التى جعلت بلير يتخذ قراراته. وقال إن الأدلة التى قدمها رئيس الوزراء الأسبق للجنة التحقيق كانت «عاطفية صادقة» لكنه قدم حججه لخوض الحرب بناء على تقييمه الشخصى للظروف، وأضاف إن بلير قدم القضية «معتمدا على اعتقاده هو، وليس معتمدا على الحقائق، والمعلومات المخابراتية الموثوق فيها».
ومعنى هذا أن بلير اعتمد تحليلا شخصيا لمشهد إقليمى معقد حينها فى منطقة الشرق الأوسط، وعلى نزعة انتقامية من الرئيس العراقى الراحل صدام حسين.
وشهد شاهد من أهلها
وقيمة شهادة تشيلكوت تكمن فى أنها كانت بمثابة اعتراف بريطانى بحقيقة سبق لمسئولين أمريكيين أن اعترفوا بها، وهى أن تلك الحرب أدت إلى إسقاط نظام سياسى وتدمير بلد وافتقدت إلى الغطاء القانونى وشنت بذرائع كاذبة، إذ لم يكن العراق يملك أسلحة دمار شامل ولم يكن هناك ما يثبت علاقته بتنظيم «القاعدة». وهذا يعنى أن بلير مجرم حرب، وهو ما يسعى إلى الوصول إليه المدّعون عليه.
وأطلق ناشطون منذ العام الماضى حملة شعبية تطالب بمحاكمة بلير تحت شعار «عدالة الجماهير» وجمعوا تبرعات لدفع تكاليف محامين لمتابعة القضية.
والغريب أن شاهدا من داخل «نظام بلير» هو جون بريسكوت نائب تونى بلير عندما كان رئيسا للوزراء، أقر بأن بلاده انتهكت القانون الدولى عندما شاركت فى غزو العراق عام 2003.
وفى كتابه «التحقيق مع الرئيس» يذكر جون نيكسون، المحلل فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» الذى تولى التحقيق مع صدام حسين، إن «بوش وبلير لم يكونا مستعدين للاستماع إلى المعلومات المخابراتية الصحيحة عن الواقع على الأرض، ولكنهما كانا يقبلان فقط المعلومات التى كانت تحتوى على كلام يرغبان فى سماعه». 
وقال بعض المحللين لسلوك بلير فى تلك الفترة أنه كان شغوفا بمساندة كل مايقرره الرئيس الأمريكى وقتها جورج دابليو بوش ومجاراته فى كل شيء، حتى أن بعض المعلقين السياسيين وكذلك قيادات فى حزب المحافظين المعارض وأيضا كتاب ورسامو كاريكاتير فى الصحف البريطانية كانوا يطلقون عليه من باب السخرية لقب «كلب بوش»!
فلماذا كان يسلك هذا السلوك الرخيص؟
يرى محللون أن وراء الانصياع والتهافت الذليل هذا هدفا خفيا يتطلع لتحقيقه بلير هو أن يصبح «رجل دولة على المستوى العالمي» وأن يكون له اسم وحضور دولى يحقق من ورائه أطماعه فى الشهرة والثروة والنفوذ!
حالة بلير الذهنية
وتحدث سير جون رئيس لجنة التحقيق، عن الحالة الذهنية لبلير خلال فترة التحقيق، وعلاقته بالرئيس الأمريكى آنذاك، جورج بوش الصغير، وآثار ذلك فى الإعداد للحرب فى عام 2003..
وأضاف: «أعتقد أن بلير كان واقعا تحت ضغط عاطفى كبير خلال جلسات التحقيق.. وكان يعانى. كان منهكا تماما. وفى مثل تلك الحالة الذهنية، تقع فريسة غرائزك وتكون ردود فعلك، هذا ما أعتقده».
وعندما سئل إن كان بلير صريحا كما كان ينبغى مع الأمة وخلال التحقيقات، قال «أى رئيس وزراء يقود بلاده إلى حرب ينبغى أن يكون صريحا مع الأمة، وأن يقودها معه أو معها. ولست أعتقد أن هذه كانت هى الحال فى حرب العراق».
بعد هذا تقدم رئيس الأركان العراقى فى عهد صدام بدعوى قضائية استنادا إلى تقرير تشيلكوت تطالب باعتقال تونى بلير ومحاكمته كمجرم حرب شارك فى العدوان والغزو لبلد وشعب مما عرض العراق للدمار والخراب.
الحنث بالقسم
ومن الكتب التى تناولت جريمة بلير كتاب بعنوان «الحنث بالقسم» لمؤلفه صحفى التحقيقات الخطيرة البريطانى توم باور، وتضمن لقاءات مع اللورد أندرو تيرنبول أمين عام مجلس الوزراء وقتها، الذى قال إن ملف العراق تمت مناقشته فى اجتماع لمجلس الوزراء قبل نحو عام من الحرب على العراق، لكن رئيس الوزراء تونى بلير لم يخبر زملاءه باحتمال القيام بعمل عسكرى للإطاحة بالرئيس العراقى صدام حسين». وأضاف تيرنبول لا يمكن أن أسمى هذا كذبا، بل الخداع هو الكلمة الصحيحة إذ يمكنك خداع الغير دون أن تكذب عبر ترك تفسيرات خاطئة متداولة دون أن تصححها!
وجاء فى الكتاب أن رئيس هيئة الأركان الأدميرال مايك بويس، حذر بلير من خطورة التورط فى الحرب التى قد تستمر العمليات فيها أكثر من عشر سنوات، مؤكدا أن الجيش البريطانى فى حاجة للمزيد من العتاد قبل الذهاب إلى العراق.
وفكر بلير فى أكتوبر 2002 فى التخلص من الأدميرال بويس لكنه تراجع بعدما شعر أن هذه خطوة سيئة قبل خوض الحرب.
وجاء أيضا فى الكتاب أن مايكل وليامز، خبير شئون الشرق الوسط فى وزارة الخارجية حذر بلير فى سبتمبر 2002 من أن إطاحة صدام حسين  قد تؤدى إلى فوضى بسبب التوتر بين السنة والشيعة، فرد بلير قائلا: «هذا كله تاريخ يامايكل.. لكن الإطاحة بصدام أمر يتعلق بالمستقبل».