الأربعاء 23 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لو الفن حرام هاتوا فلوسنا!

«سيما أونطة هاتوا فلوسنا» كان من أشهر هتافات جمهور السينما زمان.. خصوصًا جمهور الدرجة الثالثة أو «جمهور الترسو»... كان هذا الجمهور عندما ينتهى الفيلم فيكتشف أنه لم يكن معبأ بمشاهد الضرب والأكشن، فإنهم يهتفون وهم لا يزالون على كراسيهم «سيما أونطة هاتوا فلوسنا» ثم يكسرون الصالة!



الهتاف الأشهر توسع استخدامه فيما بعد.

فلم يعد مقصورًا على جمهور الترسو فقط، وأصبح يستخدم عندما يكون الفيلم ضعيفًا، بغض النظر عن تصنيفه، فيشعر الجمهور أنه «اتضحك عليه» وأن فلوسه راحت!

لماذا هذه المقدمة السينمائية المليئة بالنوستالجيا؟

لأننى بصراحة قررت الكتابة عن مؤدين يطلبون حذف أغانى زميل لهم رحل شابًا.. وركب التريند آخرون بأسئلة للشيوخ: هل الغناء وفلوس الغناء حرام؟.. وكان الأكثر ركوبًا للحالة شخص يدعى «بيكا» قال: هعتزل وهحذف كل الأغانى وأتوب توبة نصوحة.. وبعد ما حقق المراد من رب العباد وركب الموجة للنهاية.. رجع وقال نصًا: «الواد اللى ماسك صفحتى هو اللى كتب».. وكان فاضل يعترف أنا لا أقرأ ولا أكتب.. ولن أعتزل.

 

 

 

بصراحة أكبر ومن البداية أعترف أنا لا أعرف أحمد عامر مؤدى المهرجانات الذى رحل عن دنيانا الفانية فجأة. وكان السبب فى إثارة تريند حذف الأغانى والفن الحرام.. ولا عمرى سمعت «حمو بيكا» المؤدى هو الآخر، وبالطبع لا شاكوش ولا عمر كمال الذى أثار جدلاً واسعًا هو الآخر العام الماضى حينما أعرب عن استيائه من الانتقادات التى يتعرض لها دائمًا بشأن أرباحه من الغناء، وطالب الأزهر بالرد عليه لحسم الأمر.

وقال عمر كمال وقتها فى مقطع فيديو نشره على حسابه فى فيسبوك: «أظن إن ربنا كرمنى عشان علاقتى بربنا جيدة، لكنى تعبت نفسيًا من كلام الناس، وعايز حد من الأزهر يرد عليَ».

وأضاف قائلًا: «عندما أعمل أى خير أو أساعد أحد، يخرج بعض الناس ينتقدونى ويقولوا لى: «الله طيب لا يقبل إلا طيبًا»، لذلك دائمًا أسأل نفسى ما الشىء الذى أفعله خطأ؟! فأنا أغنى فى فرح وبفرّح الناس».

وتابع: «أنا أساعد أى شخص يلجأ لى، وأى إنسان يطلب منى شيئا، ولله، أفعل معه ما أستطيع أن أفعله.. وهناك أشخاص يقولون لى: ما هو الشىء الذى نجحت فيه وتتفاخر به؟! وأنا أقول لهم أننى متحمل مسئولية 50 فردًا هم أعضاء فرقتى، هذا بجانب أهلى».

وأكمل: «أساعد كذلك من يحتاج علاجًا من أفراد الفرقة.. وأوجه الآن سؤلًا لمن يهاجمنى وأقول له: أنت عملت إيه؟! هتقولى فلوسك حرام، أنا بساعد بيها!».

وأوضح عمر كمال قائلًا: «أنا عايز شيخ من الأزهر يقول لى أنا صح ولا غلط.. لو أنا غلط أبطل أعمل خير. أنا تعبت نفسيًا؟ بيقولوا: أنت مش هيتقبل منك عشان فلوسك حرام.. يا رب كل واحد فى المجتمع يبقى زى عمر كمال يشيل الناس، مكنش هيبقى فيه فقير».

اللافت أن الرد على مؤدى المهرجانات جاء سريعًا من العالم الأزهرى الدكتور أسامة قابيل وقال له وقتها كلاما.. لا يسمن ولا يغنى من جوع.. فالرجل الذى استدعاه غالبا صحفيون للرد واستمرار التريند أطول فترة ممكنة قال إن التصريحات التى أدلى بها عمر كمال تعكس حالة من التوتر النفسى التى يشعر بها بعض الفنانين فى المجتمع، خاصة عندما يتعرضون لملاحظات سلبية حول مصدر رزقهم.

 

 

 

وقال قابيل: «إن الله سبحانه وتعالى هو العليم بقلوب العباد ونواياهم، وعندما نتحدث عن أعمال الخير، فإننا يجب أن نركز على النية وراء هذه الأعمال، والأعمال لا تُقبل أو تُرد بناءً على ما يقوله الآخرون، بل تُقبل على أساس النية الخالصة لله».

وأضاف: «إذا كان الشخص يسعى لمساعدة الآخرين ويدعم الفقراء والمحتاجين، فالأولى أن نتعامل مع تلك النوايا بإيجابية، وأن نكون مشجعين له فى أعماله الخيرية، بدلًا من نقده. والتمسك بالقيم النبيلة ومساعدة الآخرين هو من صميم تعاليم ديننا، بغض النظر عن المهنة التى يمارسها الفرد».

وتابع: «أقول لعمر كمال وكل من يشعر بمثل هذه الضغوط: اعملوا الخير، وتوكلوا على الله، فالنية الصادقة والعمل الطيب لن يذهب سدى، عليكم أن تظلوا مخلصين فيما تقومون به، وأن تدركوا أن النقد يجب أن يكون بناءً، وليس هدمًا».

رغم تريند عمل الخير لـ«العمر كمال» والجدل وقتها.. لكن وبكل أمانة متابعتى لهؤلاء ظلت من خلال صفحات الحوادث..ومشاهد وفيديوهات المنظرة والفشخرة الكدابة من نوعية سيارة دهب وسيف أبولهب الأثرى وطلاق وفضائح مخجلة تأتى أمامى على التايم لاين وأقرأ الأسماء ولا أهتم بهم ولا أهتم بتفاصيلهم الفنية أو حتى المخجلة.. وأنجو بنفسى سريعًا بعمل «سكرول» لأهرب من غث يسيطر ويحول الحياة إلى قتامة شديدة ويربك ويؤذى الأجيال الصغيرة.

إذا كان هذا هو الحال ولا أعرف عنهم شيئًا.. لماذا أكتب عنهم الآن؟

بوضوح التريند الخاص بأن الغناء حرام استفزنى.. وتذكرت هتاف «سينما أونطة هاتو فلوسنا».. فإذا كان المذكوران أعلاه يريان أن الفن حرام والغناء رجس من عمل الشيطان فلماذا يحتفظان بالأموال التى جاءت من الطريق البطال والسكة اللى مش ولابد.

إذا كنت مقتنعًا تمام الاقتناع بأن ما تفعله خطأ لا تستمر.. ولا تحتفظ بأموال ستؤدى بك بحسب اعتقادك إلى التهلكة.. تبرع بها لمستشفى سرطان الأطفال أو أبوالريش..أو أى مشروع خيرى تراه مناسبًا وابحث لك عن عمل آخر.

 

 

 

استفزنى حقيقة ما كتبه أو قل ما تم كتابته لحمو بيكا - من خلال الواد اللى ماسك له الصفحة على حد تعبيره- عبر حسابه الرسمى بموقع «فيسبوك»، عقب وفاة زميله: «تم حذف جميع أغانى أحمد عامر من قناتى، وأتمنى أصحاب شركات الإنتاج، وكل شخص قدم ديو مع أحمد يحذف الأغانى».

وبعدها جدد منشور بيكا «السوشيالى»، الجدل حول «تحريم الغناء»، حيث تنوعت التعليقات ما بين الاستنكار لطلبه، والتساؤل عن طبيعة عمله، وهل ما كتبه يعبر عن قناعاته، وأن ما يقدمه يندرج تحت بند «الحرام والحلال»؟

طالب بيكا الناس بكتابة تعليقاتهم بأسلوب محترم كى يستطيع مناقشتهم، كما طالبته تعليقات أخرى بـ«الاعتزال طالما أنه مقتنع بأن ما يقدمه حرام، ولا يليق».

واستجاب المطرب شحتة كاريكا لطلب بيكا وكى ينوب له من التريند جانب.. و«أكد أنه حذف جميع أغانى عامر من قناته، كما طالب أصحاب شركات الإنتاج بفعل ذلك».

وبعد الضجة والجدل.. نشر بيكا، مقطع فيديو، عبر حسابه على فيسبوك، وعلق: «توضيح مهم، أولا: الله يرحم أخويا وحبيبى (أحمد عامر) ويسكنه فسيح جناته، إحنا بنشوف الكلام اللى بيتكتب، وناس كتير بتسأل: هو بيكا بيعتزل؟!».

وتابع: «الحقيقة إن الكلام ده مش مظبوط ومفيش أى نية للاعتزال لا دلوقتى ولا قريب.. حمو بيكا شغّال على حاجات جديدة قوية جدًا، وفى مفاجآت جاية قريب هتفرح كل جمهوره اللى دايمًا بيقف معاه وبيسنده».

وأضاف حمو بيكا: «إحنا مكملين بيكم وليكم، ومش بنرد على الشائعات.. «احنا نعتزل ليه؟ ده لقمة عيشنا، ومفيش أى حاجة تانية، وناس كتير بتاكل عيش ورانا وفاتحين بيوت، ومش بنعمل حاجة غلط أو حرام، ولو بنعمل حاجة حرام، ربنا اللى هيحاسبنا مش العبد.. احنا عارفين ربنا كويس وبنصلى، وأنا تعبت وكافحت واشتغلت حاجات كتير عمرك ما هتتخيلها وعمرى ما عملت حاجة حرام، وكلنا أموات ورايحين، واحنا ولا بنأذى حد ولا بنيجى على حد، وفيه ناس مؤذية بجد».

ما كتبه بيكا فى الحالتين «الاعتزال والاستمرار» يدعو للرثاء له ولغيره.. يبين بشدة أن ثقافتهم الاجتماعية والدينية محدودة، فهم يدعون بالتوبة، وفى المساء يقدمون أغنياتهم، وإذا كان التريند الغناء حرام.. نقول حرام لكن..نظل نتكسب منه ونداعب مشاعر طبقة جديدة بالادعاء بأننا ننتظر فرصة الاعتزال والتوبة.

المثير أن متحدث نقابة الموسيقيين هو الآخر دخل على الخط سريعًا بإعلان رفضه المطالبة بحذف أغانى أحمد عامر بعد وفاته.

وأشار الدكتور محمد عبدالله، المتحدث الرسمى باسم نقابة المهن الموسيقية ووكيل ثانى النقابة، إلى استيائه من الدعوات المتداولة مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعى والتى تطالب بحذف أغانى الفنان الراحل أحمد عامر من المنصات الرقمية، معتبرًا هذه المطالبات جريمة إنسانية فى حق الفنان وتاريخه.. يا نور النبى الراجل جايب من الآخر.. جريمة فى حق الإنسانية.. والله فكرنى بمحيى إسماعيل فى خلى بالك من زوزو لما كان بيجعر ويقول: «جمعاء.. جمعاء».

حنانيك يا دكتور.. جريمة فى حق الإنسانية مرة واحدة.. عموما يادكتور ما يحدث الآن من مؤدي المهرجانات ليس غريبًا عنا..عايشناه وعشناه كثيرا فى موجات مد وجذر استقطبت فنانات كثيرات لإعلان لبس الحجاب والتوبة والبكاء لحرق أفلامهن القديمة..والثمن كان مبالغ باهظة والواسطة من شيوخ كانوا ملء السمع والبصر وقتها. 

وأذكركم وأذكر نفسى بالهوجة التى حدثت أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وبعض الفنانات ارتدين الحجاب كنوع من الدعاية لبعض الجهات.. وبتمويل دولارات بترولية معروفة وكان غرضها أن يقال أن الفنانات ذهبن للإسلام أو الحجاب.

وكانت هذه أحد أهم عناصر محاولة تغيير الهوية المصرية، وإحداث مزج ثقافى بين الثقافة المصرية وثقافات الدول البترولية وفق خطة ممنهجة... وكانت بعض الفنانات يرددن عبارة «أنا شيخى قال لى اتحجبى» وشيخها وسيط لمن يدفع الأموال، ويركز على فنانات من متوسطى الذكاء وقادمات من بيئات اجتماعية تسهل السيطرة عليهن. 

وكسبت بعضهن الملايين نتيجة اقتناع لحظى سرعان مازال، والدليل أن أغلبهن خلعن الحجاب بعد ذلك وعدن للفن الحرام!

وللأسف هذه الموجة نجحت فى فترة من الفترات أن تجعل الحجاب أو النقاب فى القرى أو بعض المدن ثقافة سائدة وليس تدينًا. 

 

 

 

فى هذا التوقيت كان هناك دافع الإغراء المادى وأيضا الصراع القيمى واضطراب الهوية الناجم عن اختلاق صراع بين الدين والفن واعتبارهما خطين متوازيين لا يلتقيان أبدًا، ولكن هناك استثناءات فالفنانة شادية عندما ارتدت الحجاب، عرض عليها مبلغ كبير لتتبرأ من أعمالها الفنية وتشتريها وتحرقها ولكنها رفضت، وقالت: «الفن الذى أديته كان بصدق مثلما أنا ذاهبة إلى طاعة ربنا بصدق». 

الخلاصة ما يحدث الآن من تشويش لمؤدى المهرجانات حدث من قبل لبعض الفنانات فقد أصبن بتشوش فكرى وخلط معرفى واضطراب فى الإدراك وأخريات أصبن بالخوف من فقدان الجاذبية الجسدية نتيجة تقدم العمر أو التعرض لحادث، ومنهن من يعانين من فوبيا الأمراض المستعصية والتى تغير طبيعة الجسم وشكله، وهناك أيضا من يعانين اضطرابًا نفسيا يجعل صاحبته تظل تفكر فى الموت وتنشغل بلحظات الاحتضار، أو بسبب موت المقربين مثل الأم أو الأب أو الأخ، ومنهن الباحثات عن الشهرة بعدما تكون الأضواء انحسرت عنهن نتيجة السن، أو يكن أنصاف مشاهير أو عديمات موهبة وليس مرغوبا فيهن، وفى هذه الحالة إما يعتزلن أو يلجأن إلى الحجاب لإثارة الجدل حولهن من جديد. ومنهن من يفتقدن الشعور بالأمان النفسى فيلجأن إلى الحجاب ليحظين بالاهتمام ودعم الآخرين.

وبالتأكيد الفن لن يخسر، برحيل مؤدى المهرجانات أو الاستمرار كما لم يخسر بمن تحجبن أو خلعن الحجاب.. وستظل مقولة أن بعض الراقصات يجدن أن القماشة التى يضعنها على الوسط ستكون أكثر كسبًا حين يضعنها على الرأس، أبلغ رد على كل من يثير الجدل حول الفن.