الأربعاء 23 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أهـلا بكـم فى بوابة السماء!

سرايا الإسماعيلية بميدان التحرير
سرايا الإسماعيلية بميدان التحرير

حين تولى الخديو إسماعيل حُكم مصر عام 1863، أصبح شاغله الأول إعمار وتجديد القاهرة لتصبح موازية للعاصمة الفرنسية باريس، فأعاد بناء وسط المدينة على خطى ما قام به «هوسمان» المهندس والسياسى الفرنسى الذى أعاد تخطيط وتوسيع شوارع باريس وفق أحدث الطرق العلمية وقتها.  



 

 ولكن بدلًا من أن يهدم الخديو ، الأحياء القديمة كما فعل هوسمان، كان قراره التجديد مع بناء مدينة جديدة  فى غرب المدينة القديمة، فاستعان بعدد من المعماريين والفنيين الأوروبيين، وعَيّن المهندس البارز على مبارك ليشرف على بناء حى جديد أسماه الإسماعيلية، فكان أن استغرق إعداد وتصميم وتنفيذ مشروع القاهرة الخديوية 5سنوات. ويمتد  حى الإسماعيلية من منطقة القلعة شرقًا، إلى الأزبكية وميدان العتبة غربًا، بمسطح يبلغ حوالـى ألفى فدان، وفى القلب منه يقع شارع عدلى.

 

شارع عدلى
شارع عدلى

 

كان هذا الشارع حتى 1933 يُسمى بشارع «المغربى»، نسبة إلى قنطرة «المغربى» التى سُمّيت على اسم القاضى صلاح الدين يوسف بن المغربى، كبير أطباء مصر فى عهد الحاكم المملوكى الناصر محمد سلطان، لكن تبع ذلك قرار من الحكومة المصرية عام 1933، بإطلاق اسم عدلى باشا يكن على شارع المغربى.

ويبدأ شارع عدلى من ميدان الأوبرا عند ناصية فندق الكونتيننتال، وينتهى عند مقهَى أكسلسيور أمام سينما ميامى فى شارع طلعت حرب، وكان الشارع الذى يحمل اسم من تولى رئاسة وزراء مصر ثلاث مرّات ما بين عامَى 1921 و1930، وقبل ذلك كان وزيرًا للمعارف، كما أسس حزب «الأحرار الدستوريين»، يضم عددًا من المعالم الشهيرة بعضها ما زال قائمًا والآخر طواه النسيان.

وكان شارع عدلى المقر الدائم لصالون الأديبة مى زيادة، الذى يُعقَد كل ثلاثاء لأكثر من عشرين عامًا بين عام 1913وأواخر الثلاثينيات.

كان الصالون ملتقَى لرواد الأدب العربى، منهم طه حسين وعباس العقاد ولطفى السيد ومصطفى عبدالرازق وخليل مطران وغيرهم، بل كان من رواد الصالون عدلى باشا يكن ذاته، ولكن لم يتبق من هذا المقر سوى الذكرى، وحل محله محطة وقود بجوار زاوية المغربى القديمة.

وبالقرب من نهاية الشارع يقع ممر وفندق «الكونتيننتال»، أمام ميدان الأوبرا، وتم إنشاء الفندق عام 1899، وكان العصر الذهبى لهذا الفندق أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كان رئيس الوزراء أحمد باشا زيور يعقد فيه اجتماعاته، بل اعتبره مقره الدائم، لذلك قام بالإشراف على ترميمه عام 1949.

 

ميدان الإسماعيلية
ميدان الإسماعيلية

 

فضلا عن ذلك فالشارع ضم مقرًا إداريًا لشركة المقاولون العرب، وعلى مقربة منها تقبع أحد أقدم دور النشر المتخصصة فى النشر الجامعى وهى «مكتبة النهضة المصرية».

معبد اليهود

أبرز وأهم معالم شارع عدلى، المزار الدينيّ والسياحيّ ، وهو معبد اليهود المعروف باسم «بوابة السماء»، وهى الترجمة العربية لكلمة «شاعارى شمايم»، ويطلق عليه أيضًا، معبد عدلى، أو كنيس عدلى، وتم تشييده عام 1905، بتمويل خاص من عائلات يهودية أرستقراطية كانت تقيم فى مصر.

ولا تزال جدران المعبد تحمل لوحة عليها أسماء العائلات الداعمة والمساهمة لبناء هذا الصرح الدينى، حيث لم يكن نشاط المعبد مقتصرًا على إقامة الصلاة فقط، بل كانت تقام فيه الحفلات الدينية والمناسبات الاجتماعية والشعائر المختلفة.

 

فندق الكونتيننتال
فندق الكونتيننتال

 

كان على رأس العائلات التى تبرعت لبناء المعبد عائلة «الموصيرى»، و«القطاوى»، و«سوارس» و«النجار»، و«هرارى»، و«شيكوريل» و«زاكس»، وغيرهم من العائلات المعروفة، بعضهم كان من رجال الأعمال الميسورين، وبعضهم كان يعمل بالمصارف، وبعضهم مستوردون وأصحاب متاجر.

وفى فناء المعبد لوحة تذكارية لــ«يوسف أصلان قطاوى باشا» (1861 - 1942)، وهو وزير مصرى سابق، وأحد المشاركين فى كتابة الدستور المصرى عام 1923.

وشغل أصلان قطاوى منصب رئيس مجلس اليهود (السفارديم) فى القاهرة بين عامى 1924 و1942، وكان ممن جمعوا ثرواتهم من صناعة السكر، فضلا على كونه أحد مؤسسى البنك الوطنى المصرى.

وينحدر من أسرة «قطاوى» أيضًا، المهندس المعمارى «موريس جوزيف قطاوى»، الذى وُلِدَ عام 1847وأكمل تعليمه فى باريس، وهو من صمم مبنى المعبد اليهودى بشارع عدلى، مع المهندس النمساوى «إدوارد ماتسيك». وجَمع تصميم المعبد بين الروح اليهودية والعثمانية والمصرية الفرعونية، لإضفاء بُعد تاريخى لوجود اليهود فى مصر، ومن أجل ذلك تم استخدام مدارس مختلفة فى الزخرفة والمعمار لإبراز هوية المبنى مع المكان والعصر الذى ينتمى إليه.

 

ميدان الأوبرا
ميدان الأوبرا

 

تمت إقامة معبد «شاعارى شمايم» أو «بوابة السماء» على شكل مربع مكون من طابقين وبدروم ، بمساحة إجمالية 920مترًا مربعًا.

أمّا مساحة قاعة الصلاة وحدها فتبلغ 750مترًا مربعًا، ويطل المدخل الرئيسى للمعبد على شارع عدلى، وجاءت واجهة المعبد مزيجًا فنيّا من أزهار اللوتس الفرعونية وأشجار النخيل التى زينت جميع الواجهات الأربعة، ونجمة داوود السداسية.

تم تجديد المعبد بشكل كامل عام 1981، بمساهمات ضخمة من المليونير اليهودى نسيم جالعون، بالاشتراك مع المركز الثقافى الإسرائيلى، واتحاد السفارديم العالمى.

وافتتح به مكتبة التراث اليهودى عام 1989، فى مبنى مُلحَق بالمعبد كان مخصصًا فى السابق لحفلات الزفاف، وتحتوى المكتبة على 20ألف كتاب، تم جمع معظمها من المنازل التى كانت موجودة بحارة اليهود ومكاتب الطائفة اليهودية، كما تضم المكتبة مخطوطات نادرة يعود تاريخها إلى بداية القرن السادس عشر، ومنها كتاب «الوصايا العشر فى اليهودية» الذى طبع عام 1512.

 

المعبد اليهودى
المعبد اليهودى

 

ولا يزال معبد «شاعارى شمايم» فى شارع عدلى مفتوحًا معظم أيام السنة، يخدم اليهود وتزوره بعض الأفواج السياحية.