الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مائة جنيه من مصطفى أمين لأنيس منصور!

حكايات صحفية ..

مائة جنيه من مصطفى أمين لأنيس منصور!

لا تنتهى حكايات وذكريات الكاتب الكبير أنيس منصور فى شارع الصحافة عامة ومع مصطفى وعلى أمين «خاصة»، فمعهما وعنهما روى وكتب الكثير من المواقف والذكريات والدروس التى تعلمها ويريد نقلها للآخرين، وما أكثر ما كتب وروى فى مقالاته وكتبه بعض هذه الذكريات، خاصة كتابيه «شارع التنهدات» و«الكبار يضحكون أيضًا».



يقول أنيس منصور: كان من أحلامى أن أنال إعجاب مصطفى أمين، وكان «مصطفى أمين» يبدو لنا كرجل له قدرات خارقة، مثلاً عندما يجىء عامل المطبعة بالصفحة مبللة لكى يقرأها «مصطفى أمين» قبل طبعها فإنه يستطيع أن يقرأ الصفحة وهى تبعد عنه مترًا، ويقرأها وهى مقلوبة هذا حقيقى ويحدث كل يوم! فهو بسرعة يكتشف سطرًا مقلوبًا أو خطأ مطبعيًا.. أو خبرًا فى غير مكانه.. كيف؟ هذه إحدى قدرات «مصطفى أمين»!

وعرفنا فيما بعد أن «مصطفى أمين» يكتب أو يعيد كتابة أى موضوع سواء كان حادثة أو جريمة، ولذلك تجد روح «أخبار اليوم» هى روح «مصطفى أمين» فهو يكتب الصفحة الأولى كلها، وهو الذى يكتب العناوين ويعيد صياغة الأخبار، وعلى أمين هو الذى «يوضب» الصفحة الأولى ويختار لها الشكل والصور وهو الذى رسم جميع صفحات أخبار اليوم وهو الذى أرسى أبوابها فى أماكنها وله فلسفة فى كل ذلك! ويمضى أنيس منصور فى ذكرياته الممتعة والمدهشة فيقول:

«أذكر أننى كنت أجلس إليه عندما دخل أربعة من المحررين ينقلون لمصطفى أمين خبرًا واحدًا، وكان يستمع بمنتهى الاهتمام كأنه يسمعه لأول مرة بشوق ورغبة فى المزيد.. شىء عجيب!

فسألته قال: إذا أنا قلت لأى محرر إن هذا الخبر قديم، فلن يجىء مرة أخرى، ولكن إذا أفهمته أنه خبر جديد وأننى لم أكن أعرفه فإن هذا يشجعه على أن يحاول أن يأتى بجديد! ثم إننى أحب أن أستمع إلى الحكاية الواحدة بأكثر من رواية!

 

 

 

وهذه الحادثة تدل على الفرق بين هذين العملاقين. كنت أجلس عند مصطفى أمين عندما أعلن سكرتيره أن الأستاذ «محمود شكرى» المحرر بجريدة المصرى والذی أبلغ رجال الثورة أن الأخوين «مصطفى أمين وعلى أمين» قد اتصلا بالسفارة الأمريكية يوم قامت ثورة يوليو 1952، وكان من نتيجة ذلك أن جاء الضابط «جمال القاضى» واعتقلهما وضربهما!

وقبل أن يذهب الأخوان معه كتبا موضوع اعتقالهما فى الصفحة الأولى من «الأخبار» ونهض مصطفى أمين يقول للسكرتير: قل له يتفضل!

وجاء محمود شكرى ووقف مصطفى واحتضنه: أهلاً إزيك يا محمود وحشتنا.. تشرب إيه يا محمود.. بالحضن يا راجل!

وأنا فى ذهول من هذا اللقاء الحار لرجل أدخل التوأمين السجن، ولكن مصطفى أمين قادر علی مثل هذا الأسلوب فى مواجهة ومقابلة أكثر الناس عداوة له، ولم أطق هذا المنظر، وانتقلت من مكتب مصطفى إلى مكتب «على»، فعند «على أمين» الراحة والأمان والبساطة والطيبة!

ولم يكد «على أمين» يفرغ من التليفون حتى هممت أن أحكى له ما حدث عندما جاءت السكرتيرة تعلن لعلى أمين أن «محمود شكرى» جاء لتحيته، احمر وجه علی أمين واشتعلت النار ونهض واقفًا وراح يتحرك فى مكانه كأسد فى قفص، وراح يدق المكتب بيديه ويقول:

- السافل.. الحقير الحيوان.. اسمع يا أنيس محمود زفت ده حيجى دلوقتى وأنا سوف ألقى به من النافذة.. قوم وافتح الشباك فورًا يا أنيس!!

ودخل محمود شكرى واقترب منه «على أمين» وهو يقول: إيه اللى جابك يا حقير يا سافل.. إمش اطلع بره.. افتح الشباك يا أنيس.. افتح!!

ولم يتوقع محمود شكرى أن يكون «على أمين» مختلفا إلى هذه الدرجة عن مصطفى أمين، وخرج فى حالة من الرعب متجهًا إلى الأسانسير وعلى أمين فى حالة غيظ جنونى.. ثم جلس، وخرجت لأجد مصطفى أمين فى وداع «محمود شكرى» عند باب الأسانسير وهو يقول:

- مع السلامة يا محمود خلينى أشوفك.. شكرًا على الزيارة!!

وبعد ذلك عاتبنى «على أمين» كيف أننى لم أسارع بفتح النافذة ودفع محمود شكرى من الدور التاسع إلى الشارع!!

يا نهار أسود على أعصاب مصطفى أمين، وهذا هو الفارق الكبير بين أعصاب مصطفى وأعصاب «على» ومن المؤكد أن رأى مصطفى فى محمود شكرى لا يختلف عن رأى على، ولكن مصطفى داهية وعنده قدرة فائقة على إخفاء مشاعره وليس «على أمين».  

وينتقل أنيس منصور فى ذكرياته إلى أول مرة ينال فيها إعجاب مصطفى أمين.. فيقول: جاءت الفرصة عندما كتبت موضوعًا طويلًا عن بعثة الشباب برئاسة «عادل طاهر» - وزير السياحة وقتها - إلى موسكو وحكيت كيف أن الفتيات المصريات كن ينزلن من القطار الروسى يرقصن بقمصان النوم فى المحطات!!

 

أنيس منصور
أنيس منصور

 

 

وماذا فعلن وغير ذلك من الأعمال العجيبة، وكان هذا هو الموضوع الوحيد فى «أخبار اليوم»، وكان مصدر ثورة وغضب جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين وزير التعليم فى ذلك الوقت!

وطلب منى «مصطفى أمين» أن أوقع على أهم تحقيق فى «أخبار اليوم» ولكنى اعتذرت لأننى لم أسافر مع البعثة، وإنما أنا جمعت معلومات عنها من أصدقاء كانوا ضمن البعثة! وأعطانى مصطفى أمين مكافأة مائة جنيه وأقام لى حفلة تكريم فى اجتماع التحرير الأسبوعى، كافأنى على الحرفية الصحفية وقال إنه أسعد جدًا أن يتصور الناس أنه هو الذى كتب الموضوع.. مع أنه لم يضع كلمة فى المقال، وإنما كتب له العنوان فقط! ثم أثنى على سلوك وأمانة الصحفى الذى لم يشأ أن يوقع باسمه على أحسن موضوع صدر فى أخبار اليوم لأنه لم يكن ضمن البعثة المسافرة!!

وأسعدنى هذا الاحتفال أو هذا الاعتراف بأننى صحفى وأديب أيضًا

والمرة الثانية ذهبت أشهد طلاق الإمبراطورة «ثريا أسفندبارى» من زوجها الإمبراطور محمد بهلوى الذى كان زوجًا للأميرة المصرية فوزية، فقد ذهبت الزميلة خيرية خيرى لتحضر الطلاق فى طهران وذهبت لأحضره من كولونيا، وفى كولونيا أطلقوا علينا الكلاب وخراطيم المياه حتى لا يقترب أحد من السفارة الإيرانية، حيث تقيم الأمبراطورة، فأبوها سفير لبلاده فى ألمانيا، إذن.. ليست عندى أية معلومات عن إجراءات الطلاق وأحزننى ذلك!

وجاءت الصدفة فقد كنت أقيم فى بنسيون، والبنسيون كانت تقيم فيه واحدة تعمل فى صالون الحلاقة الذى ذهبت إليه الإمبراطورة، وجاءها تليفون من الإمبراطورة.. ونقلت لى الحديث الذى دار بين الزوجين ونقلت هذا الحديث حرفيًا إلى «مصطفى أمين» ونشره فى الصحف الأولى وأقام حفلة تكريم لى وأعطانى مكافأة مائة جنيه».

ولاتزال ذكريات وحكايات أنيس منصور مستمرة ومتوالية!