الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حـوار أمـام القنصلية!

حـوار أمـام القنصلية!
حـوار أمـام القنصلية!


شرفت أن أكون عضوا مؤسسا فى الأمانة العامة للتيار الشعبى بزعامة الأستاذ «حمدين صباحى» المناضل الوطنى النبيل، منذ نهايات الانتخابات الرئاسية الماضية.. والتى كنت قد أنتخبته فيها لقناعتى وقتها بأنه أصلح من يتولى المسئولية على ضوء تاريخه النضالى المشرف وانحيازه لأهداف ثورة 25 يناير وفى مقدمتها العدالة
 
الاجتماعية..واشتركت فى العديد من البرامج والحوارات الوطنية والأنشطة الحزبية سواء فى حزب الدستور «قبل أن أقدم استقالتى منه لتحفظاتى على طريقة الدكتور البرادعى فى إدارة الحوار واستئثاره برأيه مع تسفيه آراء الآخرين ثم الغياب المتكرر والعشوائية الغريبة فى عقد الاجتماعات»..
 
 واستمر نشاطى فى العمل الوطنى من خلال ما قدمت من رؤى وتصورات سواء باللقاءات المباشرة بالشباب من موقعى كأستاذ جامعى.. ثم فى الحزب الاشتراكى المصرى والجمعية الوطنية للتغيير وما أكتبه من مقالات فى الصحف وأشارك به فى الإعلام المرئى أو المسموع.وأتاح لى كل ذلك أن أتابع عن قرب العديد من البرامج الحوارية والسياسية وما يختلج فى صدور الجماهير من عذابات تحت وطأة الفقر والحاجة والحلم الجريح والإحباط المروع.. وكذلك التطلع المشروع لحياة أفضل فى أعقاب الموجة التالية للثورة فى 30 يونية.. وما واكبها من محاولات حثيثة لاختطاف الحلم من جديد سواء من بعض رموز الثورة المضادة أو من هؤلاء الذين يسمونهم النخبة بالتحالف مع إعلام رجال أعمال مبارك بما ينفثون من سموم لتشويه الوعى الجمعى للجماهير.. من أجل المزيد من الملايين التى اكتظت بها جيوبهم باستمرار الإتجار والمزايدة على معاناة الشعب وتضليل شبابه بأقنعة البطولات الزائفة.. ورغم كل المرارات المتراكمة.. كان إعجابى كل يوم يتزايد برجل يعمل فى صمت وإباء ويتعرض لهجوم ظالم من النخبة الهادمة التى أدهشها ما يتمتع به من شعبية جارفة فى قلوب الجماهير .وهو يلزم إزاء كل ذلك صمته النبيل.. ويحمل على عاتقه هموما تخر منها الجبال.. بداية من حرب ضارية تشنها قوى الإرهاب المسلح على أرض الوطن بالتآمر مع قوى دولية وإقليمية، ومرورا بتراكمات ئمن المشاكل والسلبيات على مر أكثر من ثلاثين عاما أنهكت جسد الوطن وزلزلت فطرة الشعب.. ولذا اتخذت قرارى على ضوء كل ما عايشته منذ مشاركتى فى 25يناير و30 يونية وحتى يومنا هذا، وبتحكيم العقل وما أراه من ضرورة وطنية ملحة، كان قرارى أن أنتخب هذا الرجل الذى أتوسم فيه كل معانى الوطنية النبيلة والإنحياز الكامل لقضايا العدل الاجتماعى والاستقلال الوطنى وإنقاذ المسحوقين والمهمشين الذين أهدرت حقوقهم على مر عقود طويلة من القهر والعسف والظلم.. قررت أن يكون صوتى للمواطن «عبد الفتاح السيسى» الذى أتمنى أن يحقق أمل الشعب.. ويسترد ثرواته المنهوبة.. مع احترامى وتقديرى الكامل للأستاذ حمدين صباحى وتاريخه النضالى المشرف.. واعتزازى وتقديرى للدور الوطنى الرائع لجميع الزملاء فى التيار الشعبى الذى أفاخر دوما بمشاركتى معهم وانتمائى لهم فى أوقات عصيبة من النضال والتضحية.. وأشهد الله العلى العظيم أن اختيارى هذا لما أحسبه خيرا لمصر.. مجرد عن أى هوى أو طمع لأنى واحد من الناس الذين يستوى لديهم تبر الدنيا وترابها.. عازف تماماً عن أى مكاسب دنيوية أبيع من أجلها صوتى أو قلمى كما تحاول النخبة الطاغية أن تتهم أى شخصية عامة تؤيد السيسى.. وفى طريقى للإدلاء بصوتى خارج البلاد حدث هذا المشهد أمامى فى الواقع وأنا هنا أحاول أن أنقله بكاميرا قلمية إن جاز التعبير: احتشد عدة آلاف أمام مبنى القنصلية المصرية بأحد البلاد العربية.. يحملون أعلام مصر ويرددون الأغانى الوطنية فى أجواء تفاؤلية احتفالية رغم شدة الحرارة، وشمس حارقة تلفح الوجوه وكأنها ترسل سياطها النارية لمشاركة الجموع فى احتفالهم!
 
قالت سيدة فى منتصف العمر بنبرات متهدجة اختلط فيها الأمل بالترقب: «إن شاء الله يفوز السيسى عشان تفوز مصر حقيقى برئيس وطنى ديمقراطى مدنى يعرف قيمة الوطن ويحب شعبه».
انبرى شاب فى أواخر العشرينيات فى الصف المقابل: «مدنى إزاى وهو فى الأساس رجل عسكرى تربى على طاعة الأوامر دون نقاش..ثم هو مش قال قبل كده إن حماية مصر أهم وأشرف عنده من حكمها.. ليه بقى رشح نفسه؟.. وعندئذ قاطعه رجل فى ضعف عمره يبدو من الشبه بينهما أنه والده قائلا: «يا بنى قلت لك مائة مرة إنه لازم يترشح لأن فى استدعاء من الملايين لترشيحه وإلا يكون بيخذلهم كلهم.. ثم لازم تفهم إن العسكرية المصرية هى أنبل وأعظم وأشرف بناء مؤسسى فى تاريخ مصر من أيام «مينا نارمر». والسيسى الآن رجل مدنى لا يعيبه أن يكون من خلفية عسكرية بل على النقيض فهو كقائد عام لأكبر جيش عربى معناه إنه يملك مؤهلات عظيمة لقيادة الدولة وإنقاذها من كل المؤامرات اللى حواليها.. والانحياز بجد لمطالب شعبها اللى هو فى الآخر واحد منه»، وعاود الشاب حديثه معترضا: «يعنى كإننا ما عملناش ثورة.. بكره تشوفوا هترجع تانى دولة مجموعات المصالح ورجال الأعمال فى حمى القبضة الأمنية وحكم العسكر ونظام مبارك تانى و..» وهنا قاطع الرجل من جديد فى نبرة أكثر حدة: «يا بنى دلوقتى عندنا دستور وهيبقى فيه برلمان له من الصلاحيات الدستورية ما يستطيع به عزل رئيس الجمهورية نفسه.. وبعدين يا بنى لازم تفهموا إن مفيش فى مصر عسكر.. العسكر دول جنود مرتزقة.إنما مصر جيشها وشعبها واحد ولولا الجيش لا كانت نجحت 52 يناير ولا 03 يونية، والحمد لله إنه نجى جيشنا من الخراب والتفكك اللى حصل للجيوش والمؤسسات التانية، استدارت فتاة تبدو فى منتصف العشرينيات تقف بمحاذاة الصف الذى به المتحدثان قائلة فيما يشبه الصرخة: «ولكننا قدمنا الدماء فى 25 يناير من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وعانينا طويلا من فساد دولة رجال الأعمال ومحتكرى وناهبى ثروات الوطن وسارقى أراضيه وتجاوزات وقمع الداخلية فكيف نعيد من جديد نظام مبارك الذى ثرنا عليه؟!».. هنا بادر شاب فى منتصف الثلاثينيات يحمل علم مصر صائحا: «يا جماعة ماتصدقوش اللى بيقولكم كده.. السيسى راجل وطنى قدم روحه فداء لمصر وانحاز لمطالب الشعب وأنقذنا من حكم تنظيم إرهابى خائن. لا تصدقوا هؤلاء الذين يسمونهم النخبة وهم يحركون الوعى الجمعى فى فضائيات رجال إعلام مبارك لمصالحهم الشخصية عشان يجمعوا الملايين وهم يتاجرون فى آلام الشعب، مش هم دول اللى عصروا على نفسهم ليمون وجابوا لنا الإرهابيين اللى قالوا يسقط حكم العسكر عشان يبيعوا مصر، ثم نراهم الآن يوزعون صكوك الثورة ومسوح البطولات على مجموعات من الشباب الضائع حصاد أكثر من ثلاثين عاما من التدمير والإحباط بلا وعى ولا فكر ولا ثقافة ولا انتماء ولا أدنى أمل».. استدركت السيدة التى بدأت الحوار: «ثم إن الراجل عنده مشروع قومى كبير و مش بيشتم فى حد ولا بيبيع كلام».. وقالت سيدة تصغرها قليلا وتقف إلى جوارها: «الحقيقة أنا بحب حمدين و بتأثر بكلامه ومشاعرى معاه واخترته قبل كده فى الانتخابات بتاعة ,2012. بس حاليا أنا مترددة جداً يا جماعة وبفكر أبطل صوتى.. لأنى عندى إحساس إن أى رئيس حواليه النخبة إياها اللى زهقنا كلنا منهم مش هناخد منهم إلا الكلام.. وفى نفس الوقت خايفة انتخب السيسى فكأنى أؤكد مزاعم الإخوان إن30 يونية كان انقلاب عشان الجيش يستولى على السلطة».. من جديد تدخل الشاب الذى يحمل علم مصر وهو يتصبب عرقا قائلا: «يا جماعة هناك فرق شاسع بين الانحياز لإرادة الشعب والاستيلاء على السلطة.. وما تنسوش إن الإخوان رفضوا الاستفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة أو بقاء الرئيس السابق محمد مرسى فى السلطة.. لكنه رفض مدعيا إن الشرعية معاه حتى لو كانت شرعية الدم وإبادة الشعب وبيع الأوطان»!.. وعلقت الفتاة التى تخشى عودة نظام مبارك: «ولكن حكم العسكر هو سبب نكسة 67 التى ما زلنا نعانى ويلاتها حتى الآن وحكم العسكر لا يؤمن بالديمقراطية التى تعيش فى ظلالها المجتمعات المتقدمة»، أجابها وهو ينقل العلم ليده الأخرى: «هذا الكلام حق أريد به باطل لأن من تسبب فى النكسة بحق هم مجموعة من القادة ومراكز القوى لم يكونوا على مستوى الموقف وهم موجودون فى كل العصور.. مجموعات من البشر بلا ضمير تصنع الفرعون وتنتفع بعزله عن الشعب وطمس الحقائق فى ذهنه مهما تكن منطلقاته وطنية فذة.. وشعبنا لن يسمح بذلك بعد 25 يناير. ثم لماذا تتجاهلين الكثير من الحكام من خلفية عسكرية صنعوا أمجاداً فى دولهم المتقدمة التى تتحدثين عنها.. الجنرال ديجول رئيس فرنسا أعظم مثال لهذا.ثم دعونا نواجه الأمور بمنتهى الصراحة دون مزايدات النخبة: الديمقراطية بمعنى حكم الشعب للشعب لا يمكن أن تتحقق بالفعل فى شعوب يرزح قرابة نصفها تحت خط الفقر والأمية مما جعلهم صيدا سهلا للحزب الوطنى أو للإخوان من بعده. وقد أثبتت التجارب أن مقاعد البرلمان كانت تحصد بالأموال والرشاوى الانتخابية مثل الشاى والسكر والزيت.. قبل أن يتحدث هؤلاء عن الديمقراطية فليتنازلوا عن بعض ملايينهم لتعليم هذا الشعب وإطعامه وإنقاذه من براثن الفقر والجهل والمرض».. عند هذا الحد انقطعت متابعتى للحوار حيث جاء دورى للإدلاء بصوتى.. لكنى بعد أن أنهيت مهمتى خارجا من مبنى القنصلية لم أستطع أن أميز سوى هدير الجماهير وهى تنشد: «يا أغلى اسم فى الوجود يا مصر.. يا اسم مخلوق للخلود يا مصر.. نعيش لمصر ونموت لمصر.. مصر.. مصر تحيا مصر».