الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مبرراتى.. إذن مشارك فى الجريمة

«ده راجل حاجج بيت الله.. استروا عليه»، «حرام ده عنده بنات بلاش نفضحه»! «يمكن مريض.. مش لدرجة السجن»! هذه بعض المبررات التى كتبها بعض رواد السوشيال ميديا، على حادث التحرش الأخير.. الذى تحرش «رجل» لو صح الوصف، بطفلة فى مدخل عمارة بالمعادى!



 

لم تصدمنى الحقيقة تلك المبررات على الإطلاق.. فليست هذه المرة الأولى التى نجد فيها هذا الكم من المبررات سواء لمتحرش أو حتى مغتصب! أتذكر حادثة «طفلة البامبرز» التى ظهرت تبريرات تقشعر لها الأبدان! مثل أنه «محروم لأنه لا يستطيع الزواج، فأكيد غصب عنه»! أو «لماذا تركتها والدتها مع غريب»! حتى إن المتحرش نفسه أدان الرضيعة فى دفاعه عن نفسه وقال: «فضلت تعملى حركات أثارتنى»!

ثم تلا ذلك مبررات من نوع «مريض نفسى.. يحتاج للعلاج وما إلى ذلك من الاستفزاز»!

يقول الدكتور جمال فرويز استشارى علم النفس: هذه المبررات تسمى بالحتمية النفسية، أى أن كل شخص يبرر ويعمل إسقاطا لما بداخله عن الآخرين، بمعنى أن هناك بعض الأشخاص يرسلون لى على الرسائل الشخصية متسائلين: لماذا نهاجم المتحرش فهو مريض وما يفعله ليس بيديه، فهؤلاء عندهم نفس الميول أو شىء قريب منها فيختلقون الأعذار أو المبررات لأنهم يضعون أنفسهم مكان الشخص.

وهناك نوع آخر هو «خالف تعرف»، أيًا كان الرأى الصحيح أو السائد.. هم ضده، ليلفتوا الأنظار، وهناك مدعو المثالية أو مدعو التسامح وغيره.

ثم يأتى الجزء الأكثر قوة من التبريرات فكتب البعض: «هو إيه اللى خلاها تدخل معاه أصلا»؟!، «البنت فاهمة هى بتعمل إيه ومتعودة بدليل إن الباب لما انفتح.. جريت على بره»! و«فين مامتها»؟! إزاى سايباها كده»؟!

هنا يجب أن نتوقف، ونتدبر، الموضوع أصبح أكبر من فكرة رجل تجرد من إنسانيته، وفقد آدميته وقرر بمحض إرادته وبمنتهى الحرية أن يصبح حيوانًا تتحكم فيه غرائزه وينقض على فريسته حتى لو كانت طفلة! وهو ما يخالف حتى طبائع بعض الحيوانات، فالقطط على سبيل المثال الذكر لا يقترب من الأنثى إلا إذا بلغت، بل يجب أن توافق بكامل رغبتها على اقترابه منها.

لكنه سمح لنفسه باستغلال طفلة ليرضى رغباته دون أن يهتز له جفن.. ونحن نبرر له ذلك أيضا ولا يهتز لنا جفن!

هذا العداء المخيف ضد المرأة عموما فى مجتمعنا لابد له من تحليل.. أسباب محددة يجب أن نعرفها.

لو ضحكت فى الشارع تستفزهم، لو تكلمت بحرية أو بثقة يسعون لكسرها، تقود السيارة يكسرون عليها الطريق وربما يتسببون لها فى حادثة!

إذا نجحت كرهوها وبرروا نجاحها بأنها امرأة تستخدم أنوثتها!

تلك الأنوثة التى يحاولون انتهاكها بكل الطرق، وتقول معلقة على ذلك الدكتورة شيرين الدرديرى استشارى علم النفس: إن هذا العداء ضد المرأة يجب أن يكون له أسباب شخصية، كمشاكل مع الأم، أو مع الزوجة، أو الحبيبة، فيترسخ بداخله كره شديد وصراع نفسى فينتقم منها عن طريق التحرش لأنه يرى فى كل النساء تلك المرأة التى آذته وكان معها تلك التجربة المؤلمة.

 

 

 

أما عن المبررات فتقول: إن التبرير غير طبيعى ينتج عن أشخاص عندهم تحيز معين لسبب معين.. أو شخص متشدد، مكبوت سواء رجلا أو امرأة فيخرج كبته فى صورة هجوم على الضحية وتبرير للجانى وكأنه يدافع عن نفسه.

حقيقة الأمر أن التبرير الذى يجعل من القاتل ضحية ومن الضحية مجرمًا ما هو إلا مرض جديد انتشر فى مجتمع يختبئ وراء شاشة زجاجية يظهر أسوأ ما فيه، يخرج كل سوءاته دون خجل أو تعقل!

وهناك مثال آخر مثل المدعى أنه شيخ عبدالله رشدى الذى يبرر التحرش والذى جعل رداء المرأة ذريعة وعذرا للمتحرش، وتأخر سن زواجه هل تمت محاسبته من أى جهة؟!

حتى عندما قالت له إحدى متابعاته إنه لا يتحلى بأخلاق الرجال لأنه يبرر التحرش فقال لها «الشيخ» تعالى وأنا أوريكى أنا راجل ولا لأ؟! وتداول المنشور كل مواقع التواصل الاجتماعى وأصبح ترند!

فتمادى وتحدث بعد ذلك عن عمل المرأة وأهان المرأة مرة أخرى فلا رادع له.

وتقول الدكتورة سهير عبدالسلام أستاذ الفلسفة وعضو مجلس الشيوخ: الإنسان أخلاقى بذاته، دون أن يكون هناك تفاعل مع الآخرين ويقاس مدى أخلاقياته بمدى احتفاظه بأخلاقياته أثناء التفاعل.

وهذا معناه أن القيم الأخلاقية تبدو واضحة حينما يحدث التفاعل مع الآخرين، لكن أن يدعى إنسان أنه أخلاقى، لكن الظروف هى التى جعلته يتخلى عن أخلاقه فهذا لا يعنى إلا أنه ليس لديه أخلاق.

فالمتحرش شخص لا يمتلك أى مقوم من المقومات الأخلاقية وإلا كانت ظهرت عندما تعرض لأى مغريات قد يبرر بها تحرشه وحتى الأديان عندما تدعو البنت للاحتشام وفى الوقت نفسه تدعو لغض البصر، إذًا نفسيا ودينيًا واجتماعيا ليس هناك مبرر للمتحرش فى فعلته.

والسيدة التى تبرر للمتحرش هذه لا تقدر قيمة الجسد ولا تعرف حرمته فحرمة جسد المرأة تبدأ من عين الرجل.