
د. رانيا يحيي
عاصمتا الألف مئذنة والألف كنيسة
مشتركات كثيرة بين مصر وإيطاليا، ومحبة متبادلة بين الشعبين، إحداهما إفريقية صاحبة الحضارة المصرية القديمة أول حضارة إنسانية عرفتها البشرية، علمت العالم العلوم والفنون والفلك والطب، وغيرها، والأخرى أوروبية ذات حضارة إنسانية عميقة هى الحضارة الرومانية، طورت اللغة والدين والفلسفة ولها فضل على الإنسانية، تتماثل الدولتان فى ارتباطهما بالبحر المتوسط، الذى يعج بالقواسم بين قاطنيه، ولهذا بعض المدن الساحلية بين الدولتين تتشابهان بصورة طبق الأصل.
حينما تنشأ ابناً لحضارة عريقة، فإنك تقدر قيمة التطور البشرى، وتبحث دوماً عن المعرفة، والتاريخ، والتقدم أينما يكون، ومن المصادفات السارة حين يكتب القدر أن تنتقل من بلدك الأم لوطن بديل فترة من الزمن، لكن من حسن الطالع أن تتعرف عن قرب على حضارة أخرى فى دولة كبيرة تعشق الفن والذوق والجمال.
وأثناء ممارستى لرياضتى المفضلة وهى المشى، تصادفنى كثير من الكنائس، معظمها أبنية تاريخية، وبعضها معمار أكثر حداثة، لكن الأكيد أنها تمتلك إرثاً ضخماً من الفنون، لوحات وجدران مزينة بأبهى وأروع اللوحات الدينية، فأدخل لزيارتها وأستمتع بصرياً بما تأويه وأتعبد فيها، وأنير الشموع لى ولأسرتى، وأبتهل إلى الله داخل بيوته المترامية فى الشوارع والميادين وأزقة هذه المدينة السياحية التاريخية الوضاءة.

وبينما أمشى فى تلك الطرقات، تذكرت على الفور مساجد القاهرة العامرة، وربطت مخيلتى بين هاتين العاصمتين المتشابهتين حتى فيما تمتلكاه من إرث دينى، فالقاهرة قاهرة الأعداء بلد الألف مئذنة فاضت مآذن مساجدها متجلية فى الأفق بكثافة وتنوع معمارى مذهل، واهتم الحكام فى العصر الفاطمى والمملوكى والعثمانى ببناء المساجد الضخمة المزينة بالمآذن العالية والتى تتفرد كل منها بطراز خاص، فأصبحت المآذن رمزاً بصرياً لهوية القاهرة بحيث ترتفع فوق أفق المدينة القديمة. ومن أشهر المساجد عمرو بن العاص، أحمد بن طولون، محمد على، الجامع الأزهر، مسجد الرفاعى والسلطان حسن، ومساجد أولياء الله الصالحين السيدة زينب وسيدنا الحسين، والسيدة نفيسة، مسجد الإمام الشافعى، وآخرون.
أما العاصمة الإيطالية روما مركز الكنيسة الكاثوليكية فتضم دولة الفاتيكان وبها مقر البابا، كما تتمتع بوجود ألف كنيسة على أرضها، ومع الجمال الساحر للمدينة، كأنك فى متحف مفتوح كمدينتنا الرائعة الأقصر مدينة المعابد التاريخية المفتوحة جاذبة السائحين، وتظل روما بسحرها تخطف أنظار من يبحث عن تعزيز لغة الجمال البصرى وهو ما يجعلك لا تشعر بالغربة وإنما بالجمال وعبق التاريخ، والتحضر والفن الذى يغوص فى أروقة كافة الأبنية، حتى ما بين الحارات والأزقة متعة بصرية، فتجد بجانب الكنائس والكاتدرائيات الكبيرة، ذات الأسقف المرتفعة الشاهقة، كنائس أخرى، ورغم صغر مساحتها، إلا أن بريقها وروحانياتها لا يمكن أن تنجلى، ونكتشف أن كثيرا منها تحوى مئات القطع الفنية لأساطين المبدعين أمثال ميكيلانجلو، ورافاييل. ومن ضمن أهم دور العبادة المسيحية بروما كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان، وكنائس سانتا ماريا ماجورى، سانت جون لاتيران، سانتا سابينا، سانتا ماريا تراستيفيرى، سانتا ماريا ديل بوبولو، كنيسة بريسيلا، جيسو، البانثيون باعتباره معبداً رومانياً تحول إلى كنيسة القديسة مريم، وغيرها الكثير.
الروابط الثقافية والحضارية والفنية متعددة وزاخرة بين عاصمتى الحضارة والثقافة والتاريخ، والروحانيات المتجلية من كثرة دور العبادة، فيا لها من متعة وجدانية روحية نتطهر فيها عبر رحلة إنسانية بين عاصمتى الألف مئذنة والألف كنيسة.