الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سبع جنات الحلقة 15

سبع جنات الحلقة 15
سبع جنات الحلقة 15


«راجية» تخبر «سلطان» وهو فى الغيبوبة، أن زميلهما «سمير» كتب عنه فى المجلة كما لو كان يكتب عن نفسه وأكثر، وأنها التقت شقيقه «أمير» وحدثته بإسهاب عن رغبتها فى الزواج: فهل تحبنى يا سلطان؟..
«جنات» التقت «ماشالله» وتقول له: شعرت أنها مهمومة بك.
وفجأة ظهرت الدكتورة «سماء».. تريد سحب الدكتوراه لأنها إساءة لك.. واعترفت أنه ليس هناك «نادرة»!.. وأنها مجرد صورة خيالية مثالية للمرأة.
أما «هدى» فتعلن التكفل بالمليون جنيه تكلفة علاجه فى الخارج، لكن «أمير» يرفض هذا العرض.

31
«سلطــــان»
يااااااااااااااااه!
لأول مرة أحس أننى أحس بما يدور حولى بدرجة أعلى من أى وقت مضى منذ دخلت هذه المتاهة التى يسمّونها الغيبوبة.
هل نجحت خطة الأطباء المشرفين على علاجى ورئيسهم الدكتور «نورالدين البدرى» فى تحسين حالتى وزيادة قدرتى على الإحساس وإدراك ما حولى؟..
فى الفترة الأخيرة بدأت أشعر أن هناك تطوّرات مهمّة تحدث، ليس لى فقط ولكن للبلد كله..
ويبدو أن نصيحة الدكتور «نور» لكل من يسمح له بزيارتى، بأن يحدّثنى عن المستقبل، وأن يتابع معى أحداث الوطن، جاءت بثمارها،
حتى إننى الآن أفكّر مع نفسى، وليس كردّ فعل لما حدّثنى عنه أحد من زوّارى، لاحظت مثلا بسعادة بالغة، التطوّر الذى دفع «سمير» وأسرة «الوعد» لإعادة النظر فى فكرته، وتعديلها بالمنطق، وتحويلها من عدد خاص، إلى حملة صحفية ناجحة.
ولاحظت أن «سماء» تراجعت عن موقفها منى وحتى عن الدكتوراه.
وأن صديقى وزميلى القديم الدكتور «سارتر»- وكنت قد كدت أنسى اسمه «مجد محمود الطوبجى»- أصبح عالما نفسيا يطوّر مناهج هذا العلم المهم، ويرغب فى زيارتى، ولديه نظرية تشخيصية وعلاجية جديدة.
وحتى «راجية» طوّرت أفكارها، وتدعونى لتطوير أفكارى عن الزواج.
 و«لحظة».. متأرجحة كما هى دائما، فى لحظة، تريد تحريرى، ثم تعود فى اللحظة التالية لتطلب تقييدى بها، ولا أحد غيرها.
و«ماشالله» رائعة كالمعتاد منها.
و«هدى».. مستعدة لتقديم مليون جنيه لكى أعود للحياة، وأعود لها!
ومع ذلك فهى لا تشترط أية شروط، ولا تطالب بالحبّ ولا الزواج.. فقط الصحبة.
أما «جنّات» فملاك من الجنة، تحبّنى لدرجة أن تتمنى لى السعادة ولو مع إنسانة غيرها؟!
وتقول إن الاختيار الحرّ متروك لى.. ومع ذلك تؤكد أنها لن تعرف غيرى.
ومن زوّارى بلغنى أن هناك ما يسمونه «حراكا سياسيا» تعيشه مصر، وأن كل الفئآت تقريبا انطلقت فى خطوات أوّلية تعبّر عن نفسها ومطالبها ومصالحها..
يعنى مصر بدأت تتحدث، بنفسها، عن نفسها.. والوقت الذى ستتحرّك فيه لتعبّر عن نفسها، بالعمل وليس الكلام والهتافات والمظاهرات والاعتصامات، لم يعد بعيدا..
هل سيكون لى شرف المشاركة فى هذا كله؟..
يارب ساعدنى.
32
«هدى» و«جنّات» و«أمير»
قابلت «جنّات» لأناقشها فيما حدث بينى وبين «أمير»..
 تصوّرت أنها بحكم الجيرة القديمة، يمكن أن يكون لها عليه دلال أو تأثير، خاصّة أنها الحبيبة الرسمية المعترف بها من أهلها وأهلك ومنهم «أمير» وكانوا ينتظرون- كما فهمت منها- أن تصبح زوجتك يا «سلطان».. من زمان.
«جنّات» مدهشة.. لأنها اختارت ألا تدخل فى نزاع مع غيرها ممن ينافسنها عليك.. لكن ذلك لم يبعدها عن مسئوليتها نحوك.
سألتها عما يمكن عمله لإقناع «أمير» وعائلتك بقبول فكرة تحمّلى لتكلفة سفرك للعلاج فى الخارج.
فوجئت بها عنيدة مثل أخيك، رفضت الأمر من حيث المبدأ، وأيّدت «أمير» فى موقفه، وأضافت:
= احنا صحيح مش أغنيا.. لكن كرامتنا هى كل ثروتنا، أخلاقنا ومبادئنا لاتسمح لنا بقبول ما تعرضينه، أنت إنسانة كريمة وربنا فاتحها عليك، لكن هناك حدودا.. ونحن لانقبل الشفقة، ثم إن هذا مبلغ رهيب، لانقدر حتى على رده، لو فكّرنا فى قبوله كسلفة طويلة الأجل.
لا..لا يا «هدى» هانم، وألف ألف شكر على روحك الطيبة ومبادرتك الكريمة.
- لكن.. يا «جنّات» ياحبيبتى، وأنت فعلا حبيبة قلبى، لوقفتك النبيلة، الموقف صعب وحساس، وكل يوم يمرّ مخصوم من فرصة «سلطان» فى العودة للحياة ولنا.. لابد من تصرّف سريع، بالعقل، مش بالانفعالات.
أنا يعنى معاى كام مليون جنيه؟.. لكن إيه فايدة المال لو ماخدمش فى موقف زى ده؟.. عموما أنا مصممة على الوصول لحل سريع لعلاج «سلطان».
= وأنا مصممة برضه، لكن من غير إهانة أو جرح لكبرياء حدّ.
- طب إيه البديل؟.. منين نجيب المبلغ ده؟.. الحكومة والمجلة ونقابة الصحفيين ونقابة التشكيليين كلهم مجتمعين ما يقدروش يدبّروا المبلغ.
- أنا عارفة.. «أمير» شرح لى الوضع ده.. وفكرته إننا نشوف الجهات دى كلّها حتدبّر كام، ونكمّل إحنا الباقى.. وهو حاليا بيجمع البيانات والأرقام مع المسئولين، وراجع هنا يقول لنا النتيجة.
= كلام معقول.. لكن الوقت لازم يكون فى حسابنا، وعموما أنا ممكن أكمّل المبلغ الباقى.
- علشان الاستعجال، ممكن أقنع «أمير» بفكرتك دى.. بشرط أننا نشارك ونسدد لك الباقى اللى حتدفعيه مقدما، وطبعا مش حننسى ناخد منك مساهمة مناسبة، لكن أنا لازم أشارك و«أمير» طبعا، وعائلة «سلطان» وكل اللى بيحبوه...
 آه... خطرت على بالى فكرة دلوقت حالا، ليه مانفتحش باب للاكتتاب فى تكاليف العلاج من خلال المجلة، يساهم فيه كل أحباب «سلطان»؟!
= فكرة عظيمة يا «جنّات».. لكن الوقت مش فى صالحها.
- بالعكس، أنا دلوقت أقدر أوافق على رغبتك فى دفع المليون جنيه، بشرط أن نعيدها لك بعد جمع كل ما يصلنا من كل الجهات والأفراد.. المهم، يا ريت «أمير» يوافق.
= يوافق على إيه؟
فوجئنا بـ«أمير» فوق رأسينا ونحن جالستان «جنّات» وأنا، فى استراحة ملاصقة لغرفة «سلطان»..
- ابن حلال
قالتها «جنّات» بنبرة أخت تتحدّث إلى أخيها، وليس شقيق حبيبها،
وأضافت:
جيت بالضبط فى الوقت اللى احنا عايزينك فيه.
وشرحت له باختصار ما توّصلنا إليه.
استمع إليها بهدوء وغبطة وبدت علامات ارتياح ترتسم على وجهه، ثم قال:
= مش تسمعوا أولا أنا وصلت لإيه؟..
أخرج أوراقا من جيبه، وراح يعلن أن وزارة الثقافة تمكّنت من طلب العلاج فى الخارج، وتم رصد 100 ألف جنيه فقط، ونقابة الصحفيين ستدفع من صندوقها 50 ألفا والمجلة 50 ألفا ونقابة الفنانين التشكيليين 50 ألفا. يعنى المجموع ربع المبلغ..
= وبعدين.. إيه اللى بتقترحه؟
سألت أنا.
وسبقت «جنّات» قائلة:
- أنا من رأيى، وياريت توافقونى، أننا نقبل شيك بالمبلغ كله من «هدى» هانم دلوقت، ونبدأ إجراءات السفر والحجز والترتيب مع المستشفى فى لندن فورا.. وبعدين نحصّل المبالغ من كل الجهات دى، ونكلّم «سمير نور» فى المجلة يعرض فكرة الاكتتاب.. ثم نردّ لـ«هدى» فلوسها كلّها إلا ما نوافق عليه من مساهمة مالية منها..
ردّ «أمير» على الفور، وبحماسة:
= أنا معاك يا«جنّات» فى كلّ ده.. وعندى فكرة إضافية كنت بارتبها فى دماغى الأيام اللى فاتت، ليه مانعملش معرض كبير لأعمال «سلطان»؟.. آهو من ناحية يفكّر الناس بيه، بعد غيابه فى الغيبوبة، وكمان يجمع أموال من بيع اللوحات.. يعنى يبقى علاجه على حسابه.
33
الدكتور «مجد»
لم يخطر ببالى أبدا أن أراك على هذه الحال بعد أن فرّقتنا سكك الحياة، ياصديقى العزيز.
وثق أننى سأبذل كل طاقتى وعلمى وخبرتى العملية فى الطب النفسى الحديث، لأخرجك من هذه القوقعة.
وأنا أسميها قوقعة الغيبوبة، لأنها آلية يلجأ إليها الإنسان عندما يضطرب كيانه النفسى والعصبى ويصطرع مع عقله الباطن.
عموما، الأسلوب الذى تعتمد عليه مدرسة الدكتور»روى مارتينا» يقوم على اللمس للاتصال بالعقل الباطن، بدلا من الاستجواب. ويستفيد من أسلوب الإبر الصينية فى فتح مسارات الطاقة المسدودة فى الجسم، دون استخدام إبر طبعا.
ودعنى أطلعك على محور نظرية «مارتينا» فهو يقول إن نوعية حياتنا هى التى تحدّد كيفية تكوّن شعورنا اليومى.
 وأن ردود أفعالنا تجاه ظروف حياتنا، والطريقة التى تعمل بها عواطفنا تؤثرعلى أفكارنا، ومشاعرنا، وكل خليّة حيّة فى أجسامنا.
وعقلنا الباطن «اللا شعور» يشكّل سلوكياتنا، وهو مبرمج من واقع تجاربنا وخبرات حياتنا المسجّلة فيه.
وعواطفنا الناتجة عن التجارب الأليمة، تغلق مسار الطاقة فى أجسادنا، فنتأثر جسديا وعاطفيا واجتماعيا، وعصبيا وحتى ماديا.
وهذا فى تقديرى هو- للأسف - ما جرى لك أيها السلطان السعيد.. وسوف أطلب رسميا السماح لى بالتدخّل والمساعدة فى العلاج لإخراجك من هذه القوقعة.. بفتح مسارات الطاقة فى جسدك. 
 ولو نقلنا الحديث إلى مصر، التى أعتقد أن مشكلتك سببها تداخل عواطفك الشخصية مع عواطفك نحوها.. فالقول الفصل هو أن مصر، التى هى فى خاطرى وفى دمى، وفى خاطرك وفى دمك، تمرّ- ولا غرابة- بحال مشابهة، اصطرعت العواطف والأهداف مع التجارب والخبرات، وحدث انسداد فى مسارات الطاقة نتيجة للخبرات الأليمة والهدر المتواصل للخلايا الحية، والعلاج هو فتح مسارات الطاقة الحية.. تحريك طاقات الأمة، إطلاق روح مصر المخنوقة فى قوقعة الغيبوبة. •