الثلاثاء 18 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

اختفت.. «تم ترالام تم تم»

اختفت.. «تم ترالام تم تم»
اختفت.. «تم ترالام تم تم»


رغم ظهوره فى أحلك وأقسى الأوقات التى مرت على مصر إبان نكسة 1967، فإن توقيت رحيله لم يكن أوفر حظا، ذلك التوقيت الذى تعز فيه البسمة أو حتى وجود النكتة التى تجعلنا نضحك من قلوبنا وننسى هموم الدنيا ومشاكلها، كما كان يقدر على ذلك ومتمكناً به «ملك النكتة» حمادة سلطان الذى أضحك قلوبنا وعقولنا عقودا طويلة..

رحل حمادة سلطان ساخرا فى قرارة نفسه من طريقة وفاته الغريبة بعد كسر قدمه اليمنى وصعوبة إجراء جراحة له بسبب نقص فى صفائحه الدموية، الأمر الذى أدى إلى تدهور حالته الصحية خاصة بعدما تجاهلته نقابتان عريقتان هما نقابة الموسيقيين ونقابة الممثلين، اللتان ينتمى لهما سلطان منذ أكثر من خمسين سنة لتسخر الأقدار من أحوال الفنان عندما يجور عليه الزمن ولا يسعفه فنه ومحبة الناس، بل تاريخه للحصول على أى تكاليف للعلاج لأنه فى طى النسيان بعد أن امتلأت الدنيا به وحوله وكأن ضحكات الملايين الذين أضحكهم لا تكفى لمواساته أو حتى أن تكون حجة وسببا لحصوله على العلاج، هكذا كان يواسى حمادة سلطان نفسه ساخرا تارة حانقا مرات كثيرة ليرحل تاركا الدنيا بعذاباتها وضحكاتها إن ظل هناك ما نضحك له أو عليه!
ملك النكتة «حمادة سلطان» اسمه الحقيقى محمد محمد عبدالغنى، ولد فى حى شبرا بالقاهرة ترجع جذوره إلى بلدة المحاميدون الصعيدية التابعة لمحافظة «أسوان»، بدأ حياته الفنية مطربا تم اعتماده فى الإذاعة والتليفزيون، ولكن سرعان ما اتجه إلى الكوميديا وإلقاء النكات السريعة لأنه لم يكن يرى نفسه مطربا وسط العمالقة عبدالحليم حافظ ومحرم فؤاد وفريد الأطرش، وقدم فى بداياته أغنية اسمها «دراويش القاهرة» سنة 1957، وحصل بها على جائزة الشباب.. حصل على اسم سلطان من البرنامج الإذاعى القديم «ساعة لقلبك» حيث كان يؤدى دور ابن الشخصية الرئيسية فى البرنامج «سلطان الجزار» من ضمن أحداث المسلسل ومن ثم سمى نفسه «حمادة سلطان».
أولى النكات التى ألقاها كانت على الجبهة إبان حرب الاستنزاف وبعد نكسة 1967 ليبدأ نجمه فى اللمعان ويدشن فى بداية السبعينيات قاعدة جماهيرية عريقة التف حوله الناس يستمعون إلى نكاته ويضحكون عليها، فلم تكن حفلة من حفلات أضواء المدينة تكتمل إلا بإطلالة ملك النكتة،لتحفظ الملايين فى مصر، بل العالم العربى تلك الترنيمة التى يرددها بعد كل نكتة «تم ترالام تم تم».
كذلك كانت من ضمن الألقاب التى أطلقت عليه لقب «صاروخ النكتة»، بسبب سرعته فى إلقاء النكات. تزوج فى حياته خمس مرات  آخرها كان من زوجته التونسية «فاطمة محمد المناعى»، قام بالتمثيل فى عدة أفلام قليلة، منها «الجنة تحت قدميها» و«درب اللبانة» وكذلك قدم مسرحية بعنوان «دلوعة يا بيه»، ومسلسلا بعنوان «رجل على الحافة».
استطاع حمادة سلطان أن يبرع على طريقة الإسقاط على واقع المواطن المصرى الاجتماعى والاقتصادى، وكان كثيرا ما يلقى نكاته على الصعايدة وكان يقول لهم بأنه منهم وأنهم بلدياته وأنه لا يسيء إليهم، بل يلقى هذه النكات حبا فيهم!
كان حمادة سلطان أحد أسباب البهجة للملايين فى ذلك الوقت الذى كان بعيدا كل البعد عن «الفيديو كليب» والإنترنت، فكان فن «المونولوج» هو قصة قصيرة تركز على موقف أو حادثة أو حتى رسالة يريد الفنان أن يوصلها فى كلمات منمقة وألحان بسيطة، لذا لم يكن من الغريب على سلطان ألا يقوم بإلقاء أربعة أو خمسة مونولوجات فى الحفلة الواحدة، بل إن نكاته كان يرددها الناس على المقاهى وفى جلساتهم يسترجعون معها ضحكة ويتقربون من خلالها ببعضهم البعض ليرحل «ملك النكتة» وحيدا مريضا عابسا عاتبا على من لم يقفوا بجانبه ولم يتذكروا مواقفه الوطنية، ولم تكن نكتة من نكاته شفيعا عندهم لتكون نهايته ساخرة كنكاته ومونولوجاته! •