الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د.علاء فايز ..رحل الشخص وبقيت القيمة

د.علاء فايز ..رحل الشخص وبقيت القيمة
د.علاء فايز ..رحل الشخص وبقيت القيمة


هل آن الاوان أن نباهى بك الآن بعد أن غيبك الموت وأنت الذى لم تعطنا الفرصة لذلك طوال حياتك قائلا أنا باعمل إيه يعنى عشان تطلعونى فى الإعلام!
 
هل آن الأوان أن نوفيك حقك وقدرك بعد أن أصبحت لدى من لايعرفونك مجرد سطور فى خبر وفاة يتصدر الصحف وشريط الأخبار لكونك كنت رئيسا للجامعة.
 
حان الوقت ليعرف الناس من هو الأستاذ الدكتور علاء فايز والذى يصعب على قلمى أن يسبقه بكلمة الفقيد فقد كان لتوه يكتب عنه حياً وحيوياً بين تلاميذه وزملائه - فالدكتور علاء فايز كان أكبر وأهم من أى منصب بعلمه وتواضعه وأخلاقه.
 
خدماته الجليلة التى يعرفها القاصى قبل الدانى فى العالم وبصماته محفورة على أكباد فلذات أكباد المصريين وعلى أحشاء أطفال الفقر والعشوائيات فى بلدنا.
 
فيما اسماهم بأطفال البوتاس الذين كانوا يشربون البوتاس تلك المادة الكاوية الحارقة ليس انتحارا بالطبع ولكنه بديلا يقع فى طريقهم بحثا عن رشفة الحليب الغائبة عن منازلهم فكان الموت هو مصيرهم لكنه لم يستسلم لذلك فعكف على الوصول لحل لهم طالما أن المسئولين فشلوا فى الوقاية من الأساس بتغيير حالة هؤلاء البشر.
 
وكانت زراعة المرىء التى برع فيها وأصبحت مدونة باسمه فى المراجع الطبية العالمية وكان يستدعى لإجرائها لأطفال العالم الآخر حتى المتقدم منه وطبعا سبب الزراعة عندهم غير عندنا هكذا سألته فقال لى هم أسبابهم عيوب خلقية فى المرىء، زراعة كبد الأطفال التى فتح بها باب الأمل أمام كثير من الأسر والفقراء منهم بالذات.. والذين اختصهم بوحدة جراحات منفصلة عن جراحات الكبار فى مستشفيات جامعة عين شمس فهو لم يطلب من إدارة الجامعة لتنفذ بل خطط وكون المدرسة العلمية خلفه وبحث عن التمويل وانهالت عليه التبرعات ثقة فيه وهو مازال الطبيب الشاب فأنشأها دون أن يكلف الجامعة ولا إدارة المستشفيات أى شىء لتصبح وحدة جراحات الأطفال بمستشفيات جامعة شمس قبلة لكل الباحثين عن الشفاء للأمراض والجراحات الصعبة والزرع.
 
لم تتوقف الأمور عند هذا الأمر فإيمانه بالفكرة جعله يسعى حتى صار قسم جراحة الأطفال قسما فى غاية التخصص وصار هناك شهادات خاصة للدراسات العليا به.

 
∎ من زمان
 
∎ كان رحمه الله من ذلك النوع الذى يؤمن بالعمل فى صمت بعيدأ عن الأضواء والضوضاء رغم أن انجازاته كفيلة بجعله فى بؤرة الاهتمام الإعلامى لكنه كان يؤثر البعد والعيش خلف الأضواء تركيزا فيما يفيد الناس هل كان يعلم أن رحلته لن تطول فكثف عطاءه للبشر ربما فكان كالنجم الذى يسطع فى السماء ينيرها ثم يخبو فى لحظة خاطفة.
 
فقد كان اسم الدكتور علاء فايز يتكرر أمامى منذ أكثر من عشر سنوات بالذات عند الحديث عن الإنسانيات والعمليات الجراحية الصعبة للأطفال وتحديدا من صديقتى نجلاء بدير أو الدكتورة نجلاء كما نلقبها نحن زملاء الصحافة وكذلك مرضاها وأصدقائها الأطباء الذين تنتقيهم غالباً ممن يحملون بداخلهم طاقة أكبر من الرحمة والإنسانية بخلاف المهنية لمساعدتها فى تحمل الفقر والمرض معاً.
 
كنا دائما نشفق عليها من صعوبة الحالات وتكلفتها وخاصة حالات زرع الأعضاء للأطفال فكان ردها المتكرر (هاعمل إيه هابعته لعلاء فايز وهايتصرف).
 
وكأنه مفتاح اللغز أو الحل الأخير فالهدية المرسلة إليه هى مريض بآلامه المرضية والمادية وعليه أن يتصرف ويحل المعضلة وبالفعل يحدث.
 
فهو لم يكن كغيره من الجراحين الذين نراهم فى بروج عاجية لايتعاملون مع مريضهم إلا بالمشرط والمقص.. فكان يتبنى الحالة ويجمع لها التبرع اللازم ويجرى الجراحة ويظل متابعا بنفسه وبفريقه العلمى الذى أسسسه على اعلى مستوى حتى إنه يرتبط إنسانيا بأطفاله لاستمرار المتابعة لسنوات وبالذات زراعات الكبد.
 
لم يكن عطاؤه محدودا فى جامعته عين شمس بل اتجه صوب المستشفيات الأخرى فى أنحاء مصر وإنشاء وحدات جراحة للأطفال فى كل من الفيوم ومستشفى الجلاء والمستشفى الإيطالى وكذلك تخطى الحدود إلى اليمن وليبيا بل وجميع أنحاء العالم تعاون مع جامعاتهم مثل فرنسا وإنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأصبح أستاذا زائرا فى أكثر من20 جامعة منها سويسرا والنمسا وإسبانيا وهولندا وإيطاليا وجنوب أفريقيا وكجراح زائر يستقدمونه كخبير عالمى لعلاج مشاكل دقيقة فى المرىء فى العديد من البلدان آخرها قبل وفاته وعلمت بها سافر إلى المانيا لجراحة زرع مرىء لطفل ألمانى عمره شهور.
 
لم يكن مجرد عالم فى تخصصه مترفعا كغيره عن هموم بلده ويقف على الخط (هاتوا لى عشان اعمل لكم) بل كان يسعى بكل السبل للحل بدون طنطنة ولا زعامة ولارياء.
 
وكانت عضويته فى جمعية خيرية تدعى جمعية يحيى عرفة الخيرية هى بوابة الأمل لكل ما استعصى على التنفيذ بسبب التمويل وثقة فيه كان إمدادهم لتطوير وحدة القلب والصدر بـ3 ملايين جنيه ووحدة جراحة الأطفال بـ7 ملايين جنيه ووحدة الأطفال المبتسرين ب21 مليون جنيه.
 
كان رحمه الله يشرع فى تحقيق حلم أول مستشفى مجانى متخصص فى زراعة الكبد فى الشرق الأوسط بتكلفة مبدئية 200 مليون جنيه حتى يتسنى له علاج 300 حالة جديدة سنويا.
 
كل هذا وغيره من أعمال خافية علينا جزء مما كان يمثله الدكتور علاء، فخسارتنا فيه ليست فقط خسارتنا فى رئيس جامعة ثائر منتخب بحق وحقيقى لأول مرة أستطاع أن يوحد حوله كل زملائه ويجذب إليه طلابه، بل خسارتنا فيه هى خسارة علم وقيمة كبيرة وخسارة الأطفال الصغار من أصحاب الأمراض المستعصية الذين تخيلتهم يلتفون حول الصندوق الخشبى الذى يحمله إلى مثواه الأخير وأكبادهم وأحشاؤهم تبكيه وتنعيه أكثر من غيرهم.
 

 
∎ قدر
 
من مفارقات القدر مع الدكتور علاء فايز تلك الحالة الاستثنائية من البشر الذين تقابلهم مرة واحدة فى حياتك لتكون كافية لأن تصيروا أصدقاء.
 
فقد اخترقت بصعوبة جداره العازل حول نفسه وذهبت إليه لأحاوره بعدما تولى رئاسة جامعة عين شمس بعد انتخابات شهد بنزاهتها أشد قوى المعارضة فى الجامعة وبعدما سألت نجلاء هو ده د.علاء فايز الذى نسمع عنه منك منذ عشر سنوات فقالت لى نعم وبحياء وخجل غير المعتاد على مواجهة الصحافة وكاميراتها أدرت معه حوارا امتد لساعتين وبعدها تابعت أعمال الجامعة، فقد كان يكرر باستمرار يا جماعة الجامعة هى اللى عملت وأنجزت مش علاء فايز الشخص.
 
وأصر على أن تلتقط زميلتى أمانى زيان صورة مع مساعديه فى المكتب قائلا صورونى مع الناس الحلوة اللى بتتعب بجد.
 
ومن مفارقات القدر أيضا معه أنه اتصل بى قبل وفاته بأربعة أيام فقلت له يا دكتور احنا آسفين على خطأ فنى وقع فى العدد الماضى وهى أن صورتك نزلت فى موضوع لكن عليها اسم نائبك د.حسين عيسى (القائم بأعماله الآن كرئيس للجامعة) فضحك وقاللى ولا يهمك أنا وحسين واحد وبعدين الراجل عامل شغل كبير وهو الكل فى الكل.
 
ثم كان الموعد على لقاء لم يتم فقد اتصل بى ليدعونى إلى ندوة كبيرة على شرف الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى الشهير يحضرها الطلبة فى قاعة مؤتمرات الجامعة عن الشخصية المصرية بعد 52 يناير الأربعاء الماضى وطلب منى أن ادعو الإعلامية دينا عبدالرحمن لكى تديرها وكان مهتما بالندوة اهتماما غريبا فاتصل بى أكثر من مرة للتأكيد والترتيب.
 
وجاء الأربعاء ولم يأت الدكتور علاء فقد سبق الأربعاء الثلاثاء الحزين الأول من مايو يوم عيد العمال العطلة الرسمية لكل خلق الله لكنه كان بالنسبة له يوم عمل عادى يترك فيه أسرته ليتمم على بعض الأعمال التى لا يسعفه الانشغال داخل الحرم من القيام بها طوال أيام الأسبوع فقد كان فى طريقه إلى فرع الجامعة تحت الإنشاء فى مدينة العبور بعدما مر على مستشفى عين شمس لتفقد حال المصابين من أحداث العباسية وكان على موعد مع ملك الموت الذى اختطفه من على الطريق ليترك لنا ولزملائه وتلاميذه ومرضاه وأسرته حسرة وألماً على فراق وخسارة قيمه قلما تتعوض فى مجتمعنا.
 
رحل الدكتور فايز وبقيت القيمة والعلم كصدقة جارية والأكباد التى زرعها فى أحشاء أطفالنا كصدقة جارية - كل ما نتمناه أن يستمر كل من تعاملوا معه وتتلمذوا على يديه فى الحفاظ عليها - ولأول وآخر مرة أكتب تحية تقدير واحترام له والتى كان يخجل تواضعاً أن يسمعها من أحد فى حياته.