الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

دولــة جلال الدين الرومى!

أعلن رئيس الوزراء الألبانى إيدى راما منذ فترة أن حكومته تخطط لإقامة دولة صغيرة ذات سيادة داخل حدود العاصمة تيرانا لطائفة البكتاشية الصوفية،



وكان راما قد عرض فكرته بشكل موجز لأول مرة مؤخرا فى قمة الأمم المتحدة للمستقبل فى نيويورك، وقال راما: «هدفنا هو دعم تحويل مركز بكتاشى العالمى فى تيرانا إلى دولة ذات سيادة، ومركز جديد للاعتدال والتسامح والتعايش السلمى».

وأضاف قائلا إن «هدف الدولة الجديدة هو تعزيز نسخة متسامحة من الإسلام تفتخر بها ألبانيا. ينبغى لنا أن نعتنى بهذا الكنز، وهو التسامح الدينى والذى لا ينبغى لنا أبداً أن نعتبره أمراً مسلماً به».

قال «ربما يقول الجميع عنى هذا الرجل مجنون». لكنه أضاف: «لقد قالوا ذلك عنى مرات عديدة من قبل، لا يهمنى، الشيء المهم، سواء كنت مجنونًا أم لا، هو النضال من أجل الخير».

ترحيب بكتاشى 

أشادت الطائفة البكتاشية فى تيرانا بالقرار فى بيان بهذا الشأن قالت فيه إن «سيادة البكتاشية هى خطوة مهمة فى تعزيز قيم الشمولية والوئام الدينى والحوار فى عالم منقسم».

ويبلغ عدد سكان ألبانيا نحو 2.7 مليون نسمة، ويشكل المسلمون نحو 50 فى المئة من السكان، بينما ينتمى باقى السكان إلى الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهما من الطوائف الأصغر، وتشتهر البلاد بالانسجام الدينى والتعايش السلمى.

ويشكّل البكتاشيون حوالى 10 فى المئة من السكان المسلمين فى البلاد، وفق تعداد نشرته ألبانيا عام 2023. وهم يمثلون رابع أكبر طائفة دينية فى ألبانيا بعد المسلمين السنة والمسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك.

 

 

 

ويعمل فريق من الخبراء القانونيين، بما فى ذلك محامون دوليون، على صياغة تشريع يحدد الوضع السيادى للدولة الجديدة داخل ألبانيا.

وسوف يحتاج هذا إلى مصادقة البرلمان، الذى يسيطر عليه الحزب الاشتراكى الحاكم. ومن غير الواضح أى الدول، إن وجدت، ستوافق على الاعتراف بسيادة البكتاشيين.

وفيما يتعلق بوجود البكتاشية على مستوى العالم، فإنهم يتركزون بشكل أساسى فى ألبانيا، ولهم مركز عالمى هناك، كما أنهم موجودون فى تركيا واليونان وإيران والولايات المتحدة، ودول أخرى.

وكان للبكتاشية دور فى مصر خلال فترة حكم أسرة محمد على من 1805 حتى عام 1952، وقد ذكر الجبرتى فى تاريخه شيئا من ذلك فقال إن مِن بكتاشية محمد على باشا الْمُقربين كان عبدالله بكتاش الترجمان.

 طريقة صوفية

تقول دائرة المعارف البريطانية إن البكتاشية، طريقة صوفية تأسست وفقًا لتقاليدها الخاصة، على يد حاجى بكتاش ولى الذى وُلد فى خراسان وبالتحديد فى مدينة نيسابور عام 1248 وتوفى فى عام 1340 عن عمر يناهز 92 عاما.

وتتأثر البكتاشية بأفكار جلال الدين الرومى وابن عربى.

وكانت فى الأصل واحدة من العديد من الطرق الصوفية ضمن الإسلام السنى ثم تأثرت بأفكار الشيعة وهو ما يتجلى فى تبجيل البكتاشيين لسيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه.

وانتشرت التكايا البكتاشية فى البلقان زمن حكم العثمانيين وخاصة ألبانيا.

وكان يُطلق على شيخ كل تكية «بابا» وعلى الدرويش «مريد» وعلى الملتحق بالتكية «منتسب».

ويُعتقد أن أتباع الطريقة على غير التعاليم الإسلامية مسموح لهم تناول المشروبات الكحولية، ولا يوجد فصل بين الرجال والنساء فى الصلاة.

ويتميز تراث البكتاشية الدينى بالتأثر بتيارات دينية مختلفة ليست قاصرة على الإسلام وحده.

 البكتاشية والانكشارية

تشير الروايات التاريخية إلى أنه كانت لحاجى بكتاش ولى علاقة قوية بالدولة العثمانية، وتحديداً بجيش الانكشارية، القوة الضاربة فى الجيش العثمانى طيلة قرون.

وفى كتابه «الدولة العثمانية يقول الدكتور عبدالعزيز الشناوى إن الانكشارية كانوا ملتصقين التصاقا قويا بالطريقة البكتاشية ويظهرون نحو شيوخها طاعة تامة وصلت إلى حد الولاء العميق ولذلك كان يطلق على الانكشارية أحيانا عسكرى بكتاشية أى الجنود البكتاشية.

والواقع أن الأهمية السياسية التى حظيت بها البكتاشية ترجع إلى علاقتها بالانكشارية الذين كانوا ينظرون إلى شيوخ هذه الطريقة على أنهم أئمة لهم.

وفى 1925 انتقلت قيادة البكتاشية إلى ألبانيا عندما تم حل جميع الطوائف الصوفية فى تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة الحديثة.

وحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز إن الدولة الإسلامية التى يُؤمل فى إقامتها فى تيرانا، عاصمة ألبانيا، ستكون بمثابة جيب سيادى على غرار الفاتيكان يسيطر على منطقة بحجم 5 أحياء فى مدينة تيرانا.

وأوضح إدموند براهيماى، زعيم الطائفة المعروف بين أتباعه باسم بابا موندى، لنيويورك تايمز كيف ينوى الحكم على قطعة أرض مساحتها 24 فدانًا تريد ألبانيا تحويلها إلى دولة ذات سيادة بإدارتها وجوازات سفرها وحدودها الخاصة. وقال إن: «كل القرارات فى هذه الدولة سوف تُتخذ بالحب واللطف».

وبابا موندى، البالغ من العمر 65 عاماً، ضابط سابق فى الجيش الألبانى، يحظى بالاحترام بلقبه الرسمى، قداسة حاجى ديدى بابا، وهو الزعيم الأعلى للطريقة البكتاشية.

 

 

 

ووصف موندى خطة ألبانيا لإقامة دولة للبكتاشية بـ«المعجزة» وأعرب عن أمله فى أن تعترف الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بسيادة دولته إذا أقر البرلمان خطة رئيس الوزراء.

وقال: «نحن نستحق دولة، نحن الوحيدون فى العالم الذين يقولون الحقيقة ولا نخلط الدين بالسياسة».

وأضاف موندى قائلا: «إن الدولة الجديدة قد تحتاج إلى جهاز استخبارات صغير لأن لدينا أعداء، ولكن لن يكون لدينا جيش أو حرس حدود أو محاكم».

وستصبح بكتاشى أصغر دولة فى العالم، حيث تبلغ مساحتها 0.44 كيلومتر مربع أو 10 هكتارات (24 فدانا) أى ربع مساحة الفاتيكان.