«الهالوين».. ليالى الرعب والحلوى

برباره يوسف
يوم الهالوين كما هو شائع فى أوروبا يحتفل به فى 31 من أكتوبر من كل عام فى معظم الدول الغربية، لذا فهو يوم عطلة رسمية، ليتفرغ الجميع لإقامة العديد من الطقوس المخيفة والممتعة.
فما هو الأصل التاريخى لعيد الهالوين؟
فى البداية لم يكن الهالوين أو الاحتفال بالرعب من أجل الرعب، ولا كانت قد استقرت عادة ارتداء الأطفال أقنعة وحوش أسطورية فيطرقون الأبواب طلباً للحلوى.. إنما كان احتفالاً بنهاية موسم الحصاد وفصل الصيف لدى الشعوب الكلتة التى سكنت بعض الأجزاء من القارة الأوروبية قبل آلاف السنوات.
بحسب «بريتانيكا» فإن الهالوين بدأ كمهرجان وثنى باسم «ساهوين» واحتفلت به شعوب «الكلت» فى أيرلندا وبريطانيا القديمة فيما يوافق اليوم الأول من نوفمبر بتقويمنا الحالى. وقتها عدوه بداية العام الجديد وبداية الشتاء وموسم الظلمة، خاصة أن عامهم ذلك الوقت كان ينقسم إلى موسميّ نور وظلمة. وفى هذا الوقت تجدد عقود الأراضى وتعود القطعان من المراعى.
تضمن الطقس القديم الذى أُطلق عليه سماهين عدداً من مظاهر الاحتفال، بينها إعداد الولائم وذبح الحيوانات وتخزين الغلال استعداداً للشتاء المُقبل، إلا أنه تضمن أيضاً بعض الإجراءات الاحترازية التى تمسك بها الكلت للدفاع عن أنفسهم ضد عدو مجهول قام من عالم الموتى والأشباح.

ووفقا لموقع «هيستورى» فإن أصل الهالوين يعود لمهرجان «سوين» فى الحضارة الأيرلندية قبل ألفى عام، حيث احتفلوا بالعام الجديد فى الأول من نوفمبر، وخافوا من الأشباح فارتدوا ملابسها اتقاءً لشرها.
وفى معتقدات السلتيك القدماء يوم 31 أكتوبر آخر أيام الصيف، قبل دخول الشتاء القاتم لذلك اعتقدوا أنه اليوم الذى يخرج فيه الأموات من المقابر، وفقًا لمعتقداتهم، واحتفالاً باليوم، أيضًا لذلك أقام الأحياء احتفالاً لطرد الأرواح، وأشعلوا النيران وقدموا القرابين، وارتدوا أقنعة وأزياء مخيفة لتخفيف الأشباح وأصبحت حدثًا سنويًا.
تنامت احتفالات الهالوين فى الولايات المتحدة، وخاصة عند هجرة الأيرلنديين فى القرن التاسع عشر، وسرعان ما اتبع الأمريكان الطقوس الأيرلندية، وانتشر الاحتفال فى مناطق متفرقة فى البلاد، وأصبح اليوم للتجمع العائلى فى البلاد.
وفى الثلاثينيات، تحول الهالوين لاحتفال مرح، وتخلى تمامًا عن نزعته الروحانية والدينية، وتضمن طقوس تجول الأطفال فى الشوارع والحصول على الحلوى من المنازل.
وتعتبر ثمرة اليقطين «القرع» من رموز هذا اليوم. السبب أن هذه الثمرة كانت فى موسم حصادها فى الولايات المتحدة فى فصل الخريف، الأمر الذى دفع الأشخاص لاستخدامها فى الاحتفال، فحفروها ونحتوها وحولوها لأشكال مخيفة.
ووفقاً للاعتقاد القديم، نظر بعض الأوروبيين الأقدمين لتلك الفترة من الخريف باعتبارها مرحلة حساسة من العام، تضعف خلالها الحواجز الفاصلة ما بين عالمى الموتى والأحياء، فتعرضهم للأخطار وللزيارات غير المرغوب فيها من سكان العالم الآخر.
لذا اعتاد الأيرلنديون القدماء تحضير الأطعمة المُحببة لأرواح آباء الأسرة الراحلين والاستعداد لاستقبالهم، وكذلك اعتادوا ألا ننسى الوقت من الأرواح الشريرة، التى تخرج هى الأخرى فى هذا اليوم.
ولأغراض التخفى اعتادت الشعوب «الكلتة» الاحتفال بارتداء الأقنعة المصنوعة من جلود الحيوانات، أو دهن وجوههم باللون الأسود، وفى بعض الأحيان، ارتدت النساء ملابس الرجال، حيث ظنوا أنهم يخدعون الأرواح الشريرة ويمنعونها من الدخول.
ووفقًا للمعتقد نفسه، يقع إله الشمس فى أسر الموت والظلام يوم 31 أكتوبر، وفى هذه الليلة تتجول أرواح الأموات فى ملكوتها، وتحاول العودة إلى عالم الأحياء.
فأرواح من رحلوا فى العام المنتهى تكون عالقة ولا تغادر إلى العالم الآخر إلا فى تلك الليلة، كما تأتى الأرواح الراحلة فتزور أهلها، لذا وضعوا كراسى فارغة حول الموائد وتركوا أبواب البيوت مفتوحة.
أما الأرواح الشريرة، فقد أشعلوا النيران على قمم التلال لطردها، وارتدوا الأقنعة لكى لا تتعرف عليهم. وبسبب حلول الأرواح فإن هذه الفترة هى الأفضل للذهاب إلى الكهنة لمعرفة الأخبار المستقبلية عن الصحة والزواج والموت. ولما غزا الرومان تلك المناطق وجاءوا باحتفالهم الخاص بالموتى وبآلهة الحصاد «بومونا»، ورسخ هذا المزيج ارتباط الأرواح والأشباح والموتى بالملابس التنكرية وتزيين ثمار القرع.

بدأ الماضى بالانصهار مع الحاضر تدريجياً، فاكتسب الاحتفال اسم «ليلة عيد جميع القديسين» التى تطورت لاحقاً لتُصبح «هالوين» كما يلفظها الملايين حول العالم.
جميع القديسين
فى القرن السابع الميلادى، أطلق البابا بونيفاس الرابع عيد جميع القديسين فى شهر مايو، وبعد قرن من الزمان نُقل إلى الأول من نوفمبر فى محاولة لاستبدال الاحتفال الوثنى «بقايا طقوس الهالوين» باحتفال دينى صار مقدسًا ويستمر 3 أيام.
وفى الولايات المتحدة، حرمّ المستعمرون الأمريكيون الأوائل الاحتفال بالهالوين بداية الأمر، ولكن مع تدفق الهجرة من أيرلندا، توافدت الملابس التنكرية والطقوس ومظاهر الاحتفال عامة، وطغى هذا على المنع.
ولما كان الكلت «الأيرلنديون والدنماركيون» يتركون طعاما للأرواح الشريرة لترحل، فقد رأى البعض ارتداء أقنعة مخيفة والخروج بطعام، ثمّ بدأ الصغار يحملون الراية وبعدها دخلت فكرة تهديد من يرفض إعطاءهم الحلوى على أبواب المنازل.
وفى ثلاثينيات القرن الماضى ومع ضيق الأحوال وقت الكساد الكبير، زادت المقالب كما زادت وقائع التخريب الذى وصل أحيانا إلى درجة من العنف فتحول الهالوين إلى عيد خطر، وفكرت بعض المدن فى حظره.
تقول ليسا مورتون -فى كتابها «مقلب أم حلوى عن تاريخ الهالوين» الناس تكاتفت لإبعاد الصغار عن المشاكل، فصار الأطفال يطوفون بيتا بيتا، وقد يعطى البيت الأول ملابس كملاءة بيضاء لتصير شبحا، أو سواد الدخان لتدهن به وجوه الأطفال، والبيت التالى قد يعطى حلوى، ومن هنا بدأ تأنق الأطفال والدق على أبواب البيوت لطلب الحلوى.
ويعتقد أن الأزياء التى تستخدم حاليا فى احتفالات الهالوين تشبه الأزياء الشعبية للشعوب الكلتية القديمة، التى كانت تكلل نهاية المواسم الزراعية بذلك الاحتفال.
وشهدت الستينيات تحولاً فى الطريقة التى تنكر بها الأشخاص، إذ بدأ البالغون على وجه الخصوص بالتخلص من الأقنعة والتغطية الكاملة للوجوه، واختاروا إظهار ملامحهم.
بمرور الوقت ومع السنوات الطويلة بدأ الاحتفال بعيد الهالوين ينتشر بشكل كبير فى الدول الأوروبية بداية فى القرن الثانى عشر، حيث كانت مراسم الاحتفال تبدأ بدق أجراس الكنائس والخروج إلى الشوارع بالملابس المخيفة لتوزيع الحلوى والكعك احتفالا بأرواح المسيحيين العائدة، ثم الصلاة التى تقام إما فى الكنائس أو عند القبور ثم أخذ ذلك التقليد أو الاحتفال ينتشر ليصل الولايات المتحدة الأمريكية نهاية القرن الثامن عشر.

وأكثر الاحتفالات ثراء وبهرجة تقام فى المكسيك ودول أمريكا اللاتينية، حيث يعد الهالوين عيد مرح وفرح ومناسبة لتذكر الأصدقاء والأحبة الذين رحلوا.
ومن مظاهر الاحتفال هناك أن تقوم العائلات ببناء مذبح فى منزلها وتزيينه بالحلويات والزهور وصور الراحلين، وينظفون المقابر ويضعون الزهور على القبور، وفى بعض الأحيان يضعون شخصًا حيًا فى تابوت ويجولون به الحى أو القرية، بينما يلقى الباعة الفواكه والزهور داخل التابوت.
بمجرد دخول الهالوين الثقافة الأمريكية، انتشرت شعبيته بسرعة كبيرة، وارتدى الأمريكيون فى الريف ملابس مخيفة مصنوعة فى المنزل، وأصبح عدم كشف المرء عن هويته أو شكله جزءًا أساسيًا من طقوس الاحتفال.
وبحلول العشرينييات والثلاثينيات بدأ ظهور أزياء أكثر غرابة، وأصبحت مقالب الهالوين أمراً شائعاً فى أمريكا لدرجة أنها تحولت إلى طقوسًا غريبة التخريب وأعمال شغب فى بعض المناطق والمدن.
وفيما أوقف المسئولون تلك الاحتفالات فى بعض المدن، استمر الاحتفال فى المدن الأخرى لتطور مع الزمن.
وتشمل تقاليد الهالوين طقس «حيلة أم حلوى» حيث يقوم الأطفال بالتجول من منزل لآخر مرتدين أزياء غريبة، ويطلبون الحلوى من أصحاب المنازل، بعد إلقاء السؤال حيلة أم حلوى؟ على من يفتح الباب.
وهذه العبارة تعنى أنه إذا لم يعط صاحب البيت حلوى للطفل فإنه سيقوم بإلقاء خدعة أو سحر على صاحب المنزل أو على ممتلكاته.
ولعل أهم رموز الهالوين ما يسمى بـ«مصباح القرع»، حيث تفرغ ثمرة القرع من محتوياتها ويتم إضاءتها.
وتقول الأسطورة إن شخصًا فى سالف الزمن يدعى جاك كان كسولًا لا يحب العمل، يسكر ويقطع الطريق، بسبب وسوسة الشيطان. لكنه كان ذكيًا، وحين أراد التوبة استدرج الشيطان وأقنعه بأن يصعد إلى قمة شجرة، وحين صعد الشيطان حفر جاك صليبا فى جذع الشجرة، ففزع الشيطان وبقى عالقا على قمتها.
وحين مات جاك لم يسمح له بالدخول إلى الجنة بسبب أعماله، ولم يجد له مكانا فى جهنم، بل حكم عليه بالتشرد الأبدى، وحتى لا يهيم فى الظلام أُعطى قبسا من نار جهنم.
فى الاحتفالات اللاحقة بالهالوين التى تستوحى قصة جاك، استبدل القبس بجزرة، ثم استبدله الأمريكيون بثمرة القرع. وهكذا نشأ مصباح القرع، وأصبح رمزًا ملازمًا للاحتفالات.
وفى إطار الاحتفالات فإن هناك أماكن حول العالم يفضل المحتلفون الذهاب إليها لأنها تضفى طابعا مرعبًا مظلما يناسب أجواء الاحتفال، أول تلك الأماكن هى «قلعة الوحش فرانكنشتاين»، حيث تقول الأسطورة إن فى تلك القلعة، الواقعة قرب مدينة دارمشتات الألمانية، عاش فرانكنشتاين المصنوع من جثث ودماء العذارى. ما أدى إلى أن تتحول هذه القلعة إلى مكان مرعب يسكنه الكثير من السحرة. هذا المكان من أشهر أماكن الاحتفال بالهالوين فى ألمانيا ويجذب سنوياً حوالى 600 ألف زائر.
أما مدينة السحرة «سالم» ففيها أعدم 20 رجلاً وامرأة عام 1692، وتقع سالم الواقعة بولاية ماساتشوستس الأمريكية.
ارتبطت اسم المدينة بالشياطين حيث إن الذين تم إعدامهم كانوا سحرة هذا الماضى الشنيع للمدينة جعلها مركز جذب سياحى فى الهالوين، إذ يأتى حوالى مليون سائح لزيارة متحف السحرة والمشاركة فى الحفلات المرعبة.
وفى لندن يعتقد المحتفلون أن قضاء الليلة فى «الأزقة والسجون المظلمة»، وفى هذا اليوم يمكن زيارة «زنزانة لندن» ورؤية آثار التاريخ الدموى. كما يمكن زيارة «برج لندن المسكون» فى منتصف الليل ومشاهدة الأماكن التى شهدت عمليات اغتيال وحشية سفاح شهير.
ولا يمكن أن ننسى «مصاصو الدماء فى رومانيا». ربما يكون للأمير فلاد دراكولا، الذى حكم رومانيا واستوحى منه الكاتب برام ستوكر شخصية دراكولا فى روايته المشهورة هى السبب فى هجر قلعة «بران» فى جبال ترانسلفانيا.
وبالرغم من أن القلعة مهجورة، فإنها مكان مناسب لعشاق الهالوين، إذ يمكن لزوار هذه القلعة السير على خطى أسوأ مصاص دماء فى تاريخ الأدب ومعرفة القصة الحقيقية للأمير دراكولا.
أما «ساحرة جامايكا البيضاء» فمكانها فى القصر الأبيض فى جامايكا وهو واحد من الأماكن، والمناسبة لاحتفالات الهالوين.
توجد مقبرة الساحرة البيضاء، بجوار القصر، وهذه الساحرة كانت معروفة بقساوتها وحبها لتعذيب العبيد وقتلهم لتقديمهم كقرابين للشياطين من خلال الطقوس السحرية المخيفة التى كانت تمارسها، ربما تكون زيارة القصر الأبيض مناسبة جداً فى الهالوين لرؤية المكان التى ارتكبت فيه الساحرة الشريرة أبشع الجرائم.
والمرعب أيضا الذى يوفد إليها أكثر من 300 ألف «التوابيت المتحركة فى باربادوس»، الواقعة شرق بحر الكاريبى،حيث مقبرة خاصة بعائلة جيمس تشيس وأحد أثرياء القرن الثامن عشر.

وفى كل مرة يتم الدخول إلى المقبرة يلاحظ أنها فوضى عارمة والتوابيت المصنوعة من الرصاص متناثرة فى الأنحاء بطريقة مرعبة. ويعزو سكان الجزيرة ذلك إلى وجود أشباح فى المقبرة.
ولعل أكثر المدن التى تحتفل بالهالوين مدينة نيويورك.
أما عن أيرلندا فهى مجنونة الهالوين فتجد النيران مضاءة فى أنحاء البلاد، وخاصة فى المناطق الريفية، ويقوم الأطفال والكبار بارتداء ملابس مخيفة كشخصيات أو أشباح أو سحرة أو هياكل عظمية.
وفى أيرلندا يعتبر البرانبراك نوعا مشهورا من كعك الهالوين، تحتوى على طعام ملفوف بالشاش مخبوزا.
ويقال إن البرانبراك يمكنها أن تحكى مستقبل الشخص الذى يتناولها. فإذا تم العثور بداخلها على خاتم، فهذا يعنى أن الشخص سيتزوج قريبا. وإذا وجد الشخص قطعة من القش يعنى أنه فى سبيله لأن يصادف عاما سعيد الحظ. وفى النمسا يقوم الناس بإطعام الموتى!
فمن عاداتهم أن يتركوا الخبز والماء ومصباح مضاء على الطاولة قبل أن يذهبوا إلى الفراش فى عيد الهالوين، وهم يتركون هذه الأشياء لأرواح الموتى التى قد تعود إلى الأرض فى تلك الليلة.
أما فى الصين فالاحتفالات مميزة فيعرف الاحتفال بالهالوين فى الصين باسم تنج تشيه. ويترك الصينيون الطعام والماء بجانب صور الأصدقاء والأقارب الذين رحلوا عن الدنيا.
ويتم صناعة قوارب من الورق فى المعابد البوذية، وتحرق خلال الليل، فى حين تضاء الفوانيس فى جميع أنحاء البلاد. ويقال إنهم يمارسون تقاليد النار لمساعدة البريتاس، أى أرواح الموتى، لكى تعرف طريقها إلى المنزل.
أما فى ألمانيا فيحتفلون بالهالوين كعيد لجميع القديسين، ويستمر الاحتفال أسبوعاً كاملاً، يمضون الوقت فى الكنيسة لتكريم القديسين الذين ماتوا، علاوة على أنهم يقومون بزيارة قبور أحبائهم.
ويوجد فى ألمانيا تقليد أكثر غرابة حيث يقوم الناس بإخفاء سكاكينهم فى عيد الهالوين للحماية من الأرواح التى تعود إلى الأرض خلال هذا الوقت.