الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحلة لجزر الذهب المسحورة

قمم جبلية تلامس السحاب جبل العجائب
قمم جبلية تلامس السحاب جبل العجائب

هى رحلة صعبة لإحدى البقاع الساحرة من وطننا العزيز التى مازالت تحتفظ بجمال الطبيعة التى لم تلوثها صنائع بنى البشر. محمية «جبل علبة» واحدة من الكنوز السياحية المصنفة كأجمل المحميات فى العالم، حيث مازالت الطبيعة ببكارتها وكامل مكوناتها. تقع المحمية على مساحة 36 ألف كم جنوب محافظة البحر الأحمر وتحديدا فى منطقة مثلث حلايب وشلاتين على بعد 1300 كم من القاهرة.



وتعود تسمية «علبة» إلى الاسم «إلبا» فى لغة قبائل «البجا» البشارية، والاسم يعنى قمم الجبال البيضاء.. وتحولت هذه المنطقة لمحمية طبيعية عام 1986.

ويفضل زيارة المحمية فى فصل الشتاء، حيث يمتزج لون الصحراء الصفراء بالخضرة من حشائش وأعشاب فى لوحة فنية.

انطلقنا من القاهرة اتجاه محافظة البحر الأحمر وصولا إلى مثلث حلايب وشلاتين لنصل لوجهتنا لننقل صورة واقعية تعكس هذه اللوحة الجمالية الطبيعية.

طوى الأتوبيس الذى أقلّنا من محطته بالقاهرة الأرض فى رحلة استغرقت 16 ساعة للوصول إلى مدينة «شلاتين» لنقضى ليلتنا فى أحد الفنادق، وننطلق بعدها إلى قرية «أبورماد».

فى الطريق رافقنا مرشد سياحى ليشرح لنا تاريخ ما تحويه هذه المحمية من طيور مقيمة ومهاجرة وحيوانات برية نادرة ونباتات طبية اقتصادية وآثار فرعونية ورسومات قديمة وآبار وعيون مياه عذبة، فى منطقة العجائب والغرائب.

 

 

 

سلات وجبنة

على أرض المحمية يعيش أبناء قبائل «البشارية والعبابدة»، حيث يحترفون مهنة الرعى لما يملكونه من «الإبل والماشية والأغنام» فى المراعى والسهول، ويعملون على إنتاج الفحم النباتى، والصيد والتجارة فى منتجات النسيج والأدوات القتالية من سيوف وخناجر وكذلك الإبل والأعشاب الطبية، وما يقومون بتصنيعه مثل التحف والأشغال اليدوية.

يتمتع سكان المحمية بالصفات الأصيلة للمصريين من الطيبة والكرم، ففور رؤيتهم لنا قاموا باستضافتنا لتقديم أشهر وجباتهم «سلات» وهى عبارة عن لحم أغنام تشوى على زلط وحجارة بازلت، مع أفضل مشروباتهم وهى الجبنة «بفتح الجيم والباء والنون»، القهوة الرسمية عندهم.

ويعتمد أبناء هذه المحمية فى الموسيقى والغناء على أداة موسيقية تسمى «الطنبورة» ولهم بعض رقصات خاصة منها «الهويست».

وفى المحمية يظهر عدد من الطيور النادرة منها «عقاب نسارى» ونسر أذون الذى ينتمى إلى نسور العالم القديم.. وطائر التمير اللامع أو أبوالزهور اللامع، و«الصقر الحر» و«الرخمة المصرية»، وفى نطاق المحمية رأينا الغزلان والتيتل والوبر وكبش آروى من بعيد، وأكد المرافق وجود قط الرمال والنمر الأفريقى.

وتحتوى المحمية على نباتات نادرة وذات أهمية اقتصادية كبيرة.

 

 

 

جبل العجائب

جبل علبة أو جبل العجائب كما يسمونه هنا، يمتد لحوالى 500 كيلو وله أربع قمم، ويبلغ ارتفاعه 1437 مترًا، ونتيجة مواصفاته الفريدة يعد أهم موطن للحياة النباتية والحيوانية فى مصر، كما أنه بمثابة الركيزة للمحمية، ومستوى التسلق متوسط وصعب فى أماكن، ويمتد تحت الجبل غطاء كثيف من نباتات الأكاسيا والشجيرات الأخرى، وتنبت فوقه أشجار التنين، حيث تلامس قمته الضباب، واستخرج منها الفراعنة مادة تشبه الدم واستخدموها فى التحنيط، وأشجار «الأنبط» من أهم النباتات التى تنمو فوق القمم الصخرية للجبل ويختص بتواجدها دون أى منطقة أخرى وهى يصل طولها إلى 6 أمتار.

وتنتشر شجرة الأومبيت على منحدرات الجبل، وتتخذ مظهرا خلابا حين تتفتح أزهارها العنقودية ذات اللون القرمزى فوق أوراقها ذات النصال الحادة، الشبيهة بالسيوف.

وتوجد العديد من جزر البحر الأحمر فى نطاق حدود المحمية تحوى مجموعة كبيرة من الحيوانات البحرية والشعاب المرجانية الرخوة والصلبة ذات الألوان المبهجة.

 

 

 

 

وخلال الزيارة وصلنا منطقة أبرق ووديانها المليئة بالأعشاب الطبية، حيث حوائط وكهوف من عصور ما قبل التاريخ وآثار فرعونية وقلاع رومانية قديمة، بينما أعلى جبل أبرق والعرقة، تبدو عيون وآبار عذبة، بالإضافة إلى واحة نخيل بالمنطقة منذ قديم العصور.

أما منطقة الدؤيب فتربتها هى الأغرب على الإطلاق، حيث إنها خليط ما بين الطينية والرملية الملحية، لذلك تنمو بها كثير من النباتات النادرة ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة «العشار والأدليب والأكاشيا والشوش وشجر الغزال..».

وتقع مدينة «شنشف» أقدم وأكبر المدن القديمة الأثرية بها فى وادى خداع وبها مبانٍ بطول كيلومتر مربع تقريبا، واعتبرها أهل المنطقة لغزا ومدينة مسحورة وسط الصحراء الشرقية، وبالقرب منها قلعة أبرق فوق قمة الجبل أقدم القلاع الرومانية، وهناك العشرات من المناجم القديمة مازال فى شنشف وأبرق وأم الطبور جنوبا إلى جبل علبة ووادى الديب ووادى النعام الذى يزخر بطائر النعام.

فى وادى سعفة بمنطقة أبرق، نقوش على الصخور والأحجار الضخمة بالجبال تعود لما قبل التاريخ على شكل رموز مثل الأفيال والنعام، بالإضافة لمعبد محفور فى الجبل بالقرب من عين مياه أبوسعفة التى مصدرها قناة صغيرة تنبع من وسط الجبل منحدرة أسفل المعبد لتروى واحة النخيل، وهى عين لم تنضب منذ آلاف السنين، بالإضافة لجزيرة الزبرجد البحرية وما حولها من كائنات التى أطلق عليها المصريون القدماء «جزيرة الذهب المسحورة».