الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الأقباط.. قوة مصر الناعمة

الأقباط.. قوة مصر الناعمة

كثيرًا ما أبدأ محاضراتى بين الشباب فى الجامعات بسؤال«كم قبطى قاعد معانا النهارده؟» ليرفع ثلاثة أو أربعة أو عشرة على أقصى تقدير أياديهم بينما يمتنع الآخرون. لأبادر بالقول: «ما شاء الله دول بس القبط والباقى جنسياتهم إيه؟». لينتبه البعض فيردد كلنا قبط أو ليمتنع البعض الآخر انتظاراً للتوضيح. فأبدأ فى الشرح بالقول: «يا سادة كلنا قبط أنا قبطية مسلمة أحيا فى وطنى مع قبطى مسيحى. الدين لله ومصر للجميع». 



فكما ذكرت من قبل فإن كوبت تعنى مصر وقبطى يعنى مصرى وحينما ردد رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه عباراته الأثيرة بأن الله سيفتح للعرب من بعده مصر فليستوصوا بقبطها خيراً، كان فى مصر وقتها مسيحيون ويهود ووثنيون. ولكن تنازل عنها المسلم جهلا واحتمى بها المسيحى لتميزه بأهل البلاد الأصليين، وكلاهما مخطئ. فالهوية فى الإسلام جزء من الإنسان لا تنقص عقيدته فقد كانت مكة أحب بلاد الله لقلب الحبيب المصطفى، وقد دخل الإسلام الكثير من المصريين. كما أن مصر توافد عليها بعد دخول المسيحية جنسيات عدة آمنت بالمسيحية فليس كل مسيحى قبطى ولا كل قبطى مسيحى. 

ولكن لماذا هذا الحديث الآن ومرة ثانية؟ لأن فى هويتنا امتلاكنا لطوق النجاة فى عالم يعلو فيه حديث التطرف بين تكفيرى ويمينى وتعالوا أحدثكم عما قدمته الهوية القبطية للعقائد السماوية الثلاث ليكون دين الله فى مصر غيره فى بلاد الدنيا كلها.

فوفقًا للتوراة فإن نبى الله موسى تأثر بحكمة وبلاغة المصريين القدماء بعدما عاش بينهم سنين، حتى إن بعض الكتب العلمية تحدد اسمه فى مصر القديمة باسم «أوزارسب» أى ابن أوزوريس لأنه ولد فى مصر. 

ألم يتجاوز عمر الكنيسة المصرية اليوم أكثر من تسعة عشر قرناً من الزمان وصارت لها مكانتها الدينية فى العالم فاستقلت بتاريخ ميلاد المسيح وطبيعته بانفصالها عن معظم الكنائس حينما رفضت مجمع خلقدونية عام 451 ميلادية؟ ألم يأت المسيح وأمه العذراء سيدة نساء العالمين التى اصطفاها ربى وطهرها، إلى مصر من دون بلاد العالم ليمكثا فيها نحو ست سنوات منحتها فيها طبيعتها قبل الأمان على أرضها؟ 

ألم يستقبل المصريون الإسلام  بطريقتهم فرحبوا به ووجدوا به ملاذا للفهم وإكمال الإيمان بالله الذى عرفوه من قبل اليهودية والمسيحية حتى إنهم وجدوا به التوحيد الذى نادى به أخناتون، وحساب الآخرة الذى نصت عليه قانون ماعت، وتعاليم إيموحتب التى ما اختلفت عن أحاديث نبى الرحمة عن الأخلاق. 

نعم يا سادة.. منحت بلادى بصمتها لعقائد الله كما منحت ثقافتها لممارساتها. فالأربعين عند وفاة الميت طقس مصرى يتعلق بالتحنيط. والموالد طقس مصرى تتعلق بتقديس الله وأوليائه.

وماذا بعد؟

أحبوا هويتكم ففى القبط النجاة من نعرات التطرف بين تكفيرى ويمينى.