همسات الرياح
دعاء عثمان
تهب الرياح على أوراق الشجر بعنف، يصبغ اللون الأصفر وجوه الناس، تمتلأ رئاتهم بالتراب، يختنق الجميع لعتو الرياح الهوجاء، لا يقدر أحدهم على مواجهتها، حتى الأشجار لم تسلم من أذاها، هاهى تقتلع بعضها، وتحطم أغصان البعض الآخر، يدور صفيرها، ويحوم بالمكان، بينما سارعت الشمس فى الاختباء، ويبدو أن القمر يصر على غيابه يومًا آخر. ظهرت فجأة تلك المرأة لتدخل فى إطار الصورة المعلقة على الحائط بالفندق، نظرت حولها باستغراب، الأرض مبتلة، نظرت إلى السماء خائفة، سارت فى طريقها بين الناس، تساقطت عليها قطرات من الماء، ظنت أنها تمطر، هرولت يمينًا ويسارًا ضاحكة وهى تبتل، تحدث من يمر بجانبها أنها تمطر، ينظرون لها باستنكار لما تخبرهم به، تتعب كيف لا يشعرون بالمطر، تصرخ بصوت عال: «إنها تمطر، إنها تمطر». يسخر منها المارة ضاحكين متهامسين، تتجه نحو البائع فى الجوار، تشترى منه بعض حبات الفراولة دامية اللون، تأخذ واحدة خلسة أثناء انشغاله بالميزان، اعتصرتها بين أسنانها، حتى سال ترياقها، اختلط بريقها فابتلعته، سألها البائع: «ماذا بك ما هذا البلل، أهى تمطر ؟ ابتسمت له قائلة: لا بل هناك سيدة بالأعلى تنشر غسيلها بدون أن تعصره جيدًا. بادلته الابتسامة، وهو يعطيها ما طلبت، سألها إن كانت تريد شيئا آخر، هزت رأسها بالنفى. انصرفت فرحة بما تحمل فى يدها، تتمخطر فى خطواتها، تنظر إلى السماء المظلمة، تتلفت حولها، المارة يهرولون للاختباء من هطول المطر، تعالت ضحكاتها على تهيؤاتهم ! ثم اختفت. يقف البعض متأملًا جمال الصورة وحيويتها الساحرة التى يجهلون أنها تسحب من ينظر لها إلى داخلها فى عالم من الخيال.



