
مخلص قطب
كورونا... وإعمال العقل
فليرحمنا مشايخنا ووعاظنا من سوق كورونا للكلام.. وبما أنه سوق كلامى فيجب أن نمططى صهوة اللغة ونفتخر بتراثها من طباق وجناس بالتوازى مع ما نستخرجه من حكم ومآثر ماضى من سبقونا.. ونجتمع على أن كله مكتوب ومقّدر وإلى الاتكال على الخالق وإن كان هناك عمل مطلوب فيكون الدعاء والدعوات حتى يأخذ هذا الشر عصاه ويرحل.
وللتطوير فى الدعوة والدعاة فتكون شاشات التليفزيون متاحة لعلماء دين مجددين وشباب ومعهم الدرجات العلمية فنستمع منهم عن كورونا ومحنتنا، فهناك المسببات فهى إنذار ووعيد من الخالق لبشر غير ملتزمين بأحكامه فليلتزم الجميع...إلخ، ويسوقون لذلك القصص والحكاوى بأن الرعد تحذير للناس والكوارث الطبيعية مسيرة لقوم لم يتعظوا وأن «فأر» سد مأرب شاهد، فالحل الذى نجتمع عليه هو التوجه بالدعاء ونحن فى الأشهر الحرم وشهر شعبان حيث الدعاء لازم فهو ركيزة هذا الشهر.. ولكن هناك شروط مسبقة لمن يريد أن يدعى فيجب أن يكون شاكرًا ومؤمنًا وصادقًا ومستغفرًا.. وهو ما يجعل من الدعاة والوعاظ أصحاب السلطة والقوة الخارقة لاستكشاف المواطن الصالح للدعاء دون غيره ولهم أيضًا الإمكانيات والصلاحيات لتجميع الدعوات فهم يدعون ونحن خلفهم مرددون. فنستغرب هذه السلوكيات والتى تتناقض مع الرسالة السماوية السمحاء بأن السماء مفتوحة لنا ولدعواتنا- دون وسيط - فحقى مناجاة ربى لرزقى ومعيشتى ما دام ذلك مقرونًا بجهد وعرق وعلم واحترام الآخر فهو منهاج حياة.
يتوقع المواطن إجراءات وينتظر أفعالًا، ويقدر أن مثل هذه الأزمة الصعبة وغيرها من أزمات تكون الحافز لنا جميعًا ومعًا فى مواجهة هذا الابتلاء لنحمى أولادنا ونؤسس مستقبل آمن ومبشر لهم. ولكن نصطدم بتحد رئيسى للارتقاء بمنظومة التعليم فى مواجهة المتوالية الحلزونية للمواليد بما تعجز معه الإمكانيات لاستيعاب القادمين الجدد على أبواب مدارسنا والتى أنهكها زمن فأصبحت مخزنًا للتلاميذ فى ساعات النهار.. حيث ما هو متاح لوزارة التربية والتعليم من موارد لا يمكنها وبكل المقاييس استيعاب طوفان المواليد الجدد فضلًا عن عدم قدرة تلبية حاجات التطوير والتحديث فى هذا القطاع، وتصبح فرص التعليم خارج سور المدرسة وللقادرين.
واللافت أن يتواكب مع ذلك نشر العديد من دور تعليم بمسميات دينية تشب عملاقة مكتملة البناء والخدمات ومؤهلة لاستيعاب المئات مع وفر عيش لمدرسيها والعاملين فيها..وطبعًا سنتلقى ردودًا جاهزة بأنه لا تحميل على ميزانية الدولة..فهذه موارد موازية من تبرعات أفراد أو هيئات وصناديق..إلخ. ما سبق يصب فى خانة تعقيد العملية التعليمية وأن يكون التعليم الأساسى واحد لأبنائنا فى الوطن وفقًا لما تقدره الوزارة وتشرف عليه.. وأى إضافة لهذا المنهج لتميز لغوى أو غيره لا يجب أن يكون بانتقاص المناهج الأساسية أو المساس بمضمونها بل لاستحداث الجودة لتمكين شبابنا بالإمساك بمستقبل مصر والارتقاء بها.
فهل تكون أزمة كورونا محفزة للتدارس بأهمية تطوير وتحديث أدواتنا للارتقاء بالوعى الجمعى لشعبنا مستندًا لتراثه المعرفى الضخم فهو منذ الأزمان صاحب حضارة الحضارات ومتعبدًا لإله. ولعالمية هذه الأزمة بالضرورة يحفزنا ذلك أن نأخذ فى الاعتبار محيطنا ونكون دومًا على استعداد للتدخل وتأمين المساعدة لاحتواء هذا الخطر، فى حالة ضربه لمناطق إيواء المهاجرين واللاجئين فى الجوار العربى والأفريقى.. فهو حماية لازمة لأبنائنا وأيضًا يجب أن تثير التساؤل الصعب ومدى الاستعداد بسيناريوهات مختلفة للتدخل الفورى فى حالة انتشار مثل هذا الوباء فى السجون فى مصر وخارجها.. ومدى استثمار قدراتنا الذاتية فى تعقيم وتطهير السجون بنزلائها أولًا وفورًا بالتوازى مع تخفيف الكثافات بسرعة اتخاذ الإجراءات المنضبطة قانونًا ووفقًا للوائح.
ونتفق على ارتفاع التكلفة المادية والمعنوية لهذه الإجراءات وهنا فجميعنا مطالب الآن بدعم وطننا بالالتزام، بداية بتوجيهات العناية الصحية وبتقديم الدعم المادى منا جميعًا كل بحسب قدرته، فهو الواجب الوطنى الذى يقدم الآن.. وليس دعاءً للغد.•