الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

القعدة حتطول.. لذا لزم التنويه

ريشة: عمرو الصاوى
ريشة: عمرو الصاوى

مع تجاوز عدد الموتى فى أمريكا الألفين. والحديث عن إمكانية أن يتراوح عددهم كضحايا لوباء الكورونا ما بين ١٠٠ و٢٠٠ ألف شخص إذا لم يتم احتواء الوباء، ازدادت أجواء القلق والتوتر فى أمريكا. هذا ما حدث يوم الأحد ٢٩مارس ٢٠٢٠م، من ثم اختلفت نبرة حديث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومضمونه، إذ أشار إلى ضرورة استمرار الالتزام بالإجراءات الاحترازية وممارسة التباعد الاجتماعى حتى نهاية شهر أبريل. إذن القعدة فى البيوت مستمرة وأجواء الترقب والحذر قائمة لحين إشعار آخر.



 نيويورك.. نيويورك

نيويورك صارت مركز اهتمام أمريكا والعالم كله فى الفترة الأخيرة. نيويورك أصبحت النقطة الساخنة.. بؤرة القلق والتوتر بسبب التفشى الهادر لوباء «كوفيد 19». ما حدث فى نيويورك ـ وما يحدث ـ من تزايد خطير فى عدد المصابين والموتى دق نواقيس الخطر فيما قد يحدث فى ولايات ومدن أخرى على امتداد الولايات المتحدة. وحواديت نيويورك مع «كورونا» تتنامى مع الأيام. ومدينة نيويورك ـ وعدد سكانها يتجاوز الـ٨ ملايين ـ بما تعيشه هذه الأيام صارت حزنًا وألمًا فى بال عشاق نيويورك الشهيرة بالحيوية والنشاط والأضواء والابتكار والخيال والعشق والألوان. تلك الخلطة العجيبة والساحرة والمبهجة. نيويورك التى لا تعرف النوم ولا تستسلم لليأس!.

حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو قام بتسمية خطته لإنقاذ نيويورك من براثن «كورونا» - ماتيلدا ـ  على اسم والدته الراحلة حتى يشعر (كما ذكر) بأن عليه أن يرضيها ويظهر لها وللجميع كم تعلم منها عن ضرورة خدمة المجتمع والتفانى فيما يؤمن به. وصحيفة «نيويورك تايمز» بدأت منذ أكثر من أسبوع فى تخصيص صفحات للحديث عن ضحايا «كورونا» من أهل نيويورك.. نعم، حواديت تخص حياة أسماء مختلفة مع صور لهم. هكذا قامت الصحيفة الأمريكية بـ«أنسنة» الكارثة الإنسانية التى اجتاحت المدينة المبهرة الساحرة. وذلك حتى لا تتحول الكارثة إلى أرقام وإحصاءات فقط تضيع معها حيوات بشر كانوا معنا منذ أسابيع وفقدناهم. وبالطبع كان لهم أحباء وكانت لهم أحلام!! ذكرتها الصحيفة العريقة فى حكيها عنهم. أنسنة الأزمات والقضايا بالمناسبة توجه صحفى مميز يزيد من اهتمام القارئ بما يحدث. وهذا الأسلوب نحن فى أمَسِّ الحاجة إليه؛ خصوصًا فى هذا الزمن القلق والخانق. إلا أن مثل كل التوجهات والأساليب الصحفية تحتاج إلى الخيال المجنح والفكرة المبتكرة والإبداع الخلاق والذوق الجميل ـ وبالطبع الموهبة القادرة على تحقيق هذه الطبخة!!

 «كورونا» وما بعده..

ولا جدال بأن الوباء المتفشى على امتداد أمريكا والعالم كله أربك حياتنا وشكك فى كل ما نعرفه عن صحتنا وعن تطور العلم والتكنولوجيا والنظام العالمى والقوى الكبرى. ما حدث وما يحدث يعد كارثة بشرية وإنسانية بكل المقاييس لم يشهد مثلها البشر على امتداد الكرة الأرضية ولا يعرف مداها أحد. إنها كارثة بلا حدود مكانية وزمانية.. عابرة للحدود والأزمان وبالتأكيد كاشفة عن زيف كل الطنطنات الإيديولوجية والجعجعات السياسية التى دوشتنا بكل اللغات وهى تتحدث بتعالٍ عن الإنجاز البشرى والتفوق النوعى والامتياز العصرى أو العنصرى فى مواجهة التحديات!! هذا المفهوم الصريح والجرئ انعكس فى تعليقات الكثير من المراقبين المتابعين للمشهد العالمى والأمريكى مع انتشار الوباء وإسقاط الأقنعة عمّا كان يقال ويتردد على مسامعنا قبل أن يأتى الكورونا إلى عالمنا ويربك مَن فيه وما فيه.

الملحق الخاص بالآراء والأفكار فى صحيفة «وول ستريت جورنال» تناول كل القضايا ذات صلة بعالم ما بعد فيروس «كورونا»: كيف سيغير الوباء عالمنا؟ على أساس أن «كوفيد 19» قلب صفحات كاملة من الحياة الأمريكية وأن مع اشتداد الأزمة سوف يقوم «كوفيد 19» بتغيير طريقة تفكيرنا عن الأسرة والبيزنس والرعاية الصحية وأيضًا عن التكنولوجيا والسياسة والفنون. وأن الهدف من هذا الطرح الفكرى الذى تبنته الصحيفة الأمريكية مناقشة التحديات والفرص فى المستقبل المجهول. 

ويرى إريك شميدت ـ رئيس مجلس الإدارة السابق لجوجل ـ أن الابتكار الأمريكى يمكن أن يقدم لنا أدوات وحلولًا نتجاوز بها أزمة اليوم. كما أن الحاجة إلى تجارب سريعة وكبيرة السعة من أجل اكتشاف واختبار أدوية جديدة سوف تسرع من ثورة البيوتكنولوجى. ويلتقط منه خيط الحديث الكاتب والتر أيزكسون (مؤلف كتب عن حياة أينشتاين ودافنتشى وستيف جوبز) فيكتب عن قرن البيوتكنولوجى الذى أمامنا ويذكر أن الأزمة الراهنة سوف تزيد من تركيز الاهتمام على جيل جديد من رواد العلوم.

ويضيف أيزكسون ـ إن التعامل مع جيناتنا والتحكم فيها بشكل أو آخر ربما يتيح لنا إمكانية أن تكون لدينا مناعة ضد الفيروسات!!.

فى حين يكتب سان خان ـ مؤسّس أكاديمية خان (الشهيرة بتقديم تعليم أونلاين مجانًا): إذا أصبح التعليم عن بُعد ـ أو الفصول الإلكترونية هى التيار السائد بسبب إغلاق المدارس؛ فإن هذه الطريقة لديها الفرصة فى تسريع وتنويع عملية التعلم فى المستقبل. كما أن على المدارس أن تسعى لإزالة الحواجز بين التعليم وجهًا لوجه فى المدارس والتعلم فى البيوت.

وفى ملف ما بعد «كوفيد 19» فى صحيفة «وول ستريت جورنال» نقرأ أيضًا لجيب بوش ـ ابن الرئيس الأمريكى رقم 41 وشقيق الرئيس رقم 43 ـ وهو يتناول أمر قيام المسئولين المحليين بأداء دورهم وتحمل مسئوليتهم فى مواجهة الأزمة. والمقصود هنا حكام الولايات؛ خصوصًا فى ولاية نيويورك وكاليفورنيا وميتشجان. جيب بوش الذى كان حاكمًا لولاية فلوريدا من عام 1999م إلى عام 2007م. ويذكر فى مقاله أن الأزمة سوف تجدد الاحترام للكفاءة والخبرة فى إدارة شئون البشر. وأن مع الأزمة لم يعد فى إمكان عمد المدن وحكام الولايات أن يقدموا أعذارًا ومبررات لما لم يقومون به!!.

«كوفيد 19».. وما نعيشه

فيروس «كوفيد 19» منذ بداية توحشه وتفشيه صار موضع الاهتمام والاختبار وأيضًا موضع محاولات فك شفرة الفيروس للتصدى له ولتبعاته المقبلة القاتلة. وذلك فى محاولة لمواجهة «كورونا» ومحاصرة أضراره فى زمننا الحالى وأيضًا من أجل إيجاد منظومة صحية علاجية قادرة على التصدى له ولما يماثله فى غزواتهم المقبلة. وفى هذا الحديث المثار يجب الإشارة إلى أن ترديد حكاوى وفتاوَى مُدّعى العلم ومحتكرى الحكمة بات خطرًا لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من شأنه فى أمريكا وفى أى مكان آخر. إن الحكاوى التى قيلت والشائعات التى تنامت وترعرعت فى الأسابيع الأخيرة عن «كورونا» تفوق الحصر والوصف. كل اللى معاه أى علم (أو أى جهل) محيره يكتب تغريدة ويطيّرها!! ولأن أجواء الخوف والهلع صارت سمة الزمن فلدى أغلب الناس الاستعداد للإمساك بأى طوق أمان أو التوق إلى أى بر آمن توصف له أو تذكر فى هاتفه الذكى.!! وطالما عُرف السبب بُطل العجب. وعرف أيضًا أهمية المصارحة بما يحدث قبل فوات الأوان.

وفى هوجة الانشغال والانعزال بسبب «كورونا» 2020م دخل فى قاموسنا للمصطلحات والمفاهيم تعبير تبطيط أو تسطيح منحنى الإصابات ـ بفيروس «كورونا» من أجل تقليص أو تحجيم عدد المصابين ـ قبل توحشه وتفشيه بسرعة أكبر وبشراسة أكثر.

 الفريق العلمى.. يزداد شهرة واحترامًا

إذا كانت أمريكا تواجه وباء «كورونا»؛ فإن أهلها يتابعون باهتمام وقلق ما يقوله العلماء فى فريق العمل الخاص بالكورونا والتابع للبيت الأبيض ـ بعيدًا عن السياسة والساسة. ومن هنا برز مكانة ودور د. أنتونى فاوتشى بخبرته الواسعة فى مواجهة الأوبئة وقدرته على توصيف حالة الوباء وانتشاره ـ بوضوح وصدق العالم الذى يتعامل بالحقائق فقط ـ مَهما كانت. 

اسم آخر برز على الساحة هو ديبورا بيركس ـ منسقة فريق البيت الأبيض الخاص بالتصدى لفيروس «كورونا». طبيبة أمريكية فى الـ63 من عمرها قادرة على التحدث ببساطة وفى كلمات معدودة عن الحقائق العلمية. واستطاعت من خلال ظهورها فى المؤتمرات الصحفية مع الرئيس ترامب وفى الأحاديث التليفزيونية أن تلفت الأنظار بشخصيتها المتواضعة وطريقة لبسها البسيط وأسلوب حديثها المباشر والصريح.. إنها تحذر بتحفظ (مع شرح الأسباب) ودون مبالغة حتى لا تساهم فى زيادة حالة الخوف والقلق التى يعيشها المواطن الأمريكى. طبيبة لها خبرة فى مجال التصدى للأوبئة ولها قلب حريص على إبداء قلقها تجاه صحة المواطن (أو هكذا تبدو). مهمتها صعبة وبالتأكيد ستكون أكثر صعوبة فى المرحلة المقبلة.