بـــدى أحكـى معكــن
صباح الخير
من جديد يعطينا الرحابنة وجارة القمر دروساً تعلمنا أن المناضل الحقيقى يكون فى أول الصفوف للتضحية والفداء. عندما غنت فيروز أو غربة فى مسرحية «جبال الصوان» أنه «بدنا نكمل باللى بقيوا» كما رأينا فى حلقة سابقة، كانت تعلم علم اليقين أنها لن تكون من «اللى بقيوا» أو بالأحرى من الذين سوف يبقون. كانت غربة عاقدة العزم أن توفى نذر الدم الذى نذرته عائلتها بأن يستشهد أفرادها على بوابة جبال الصوان فى قتالها من أجل تحرير الوطن المحتل. دخلت غربة فى حوار راقٍ مع أهل جبال الصوان تشجعهم على بذل حياتهم رخيصة من أجل حرية الوطن مخبرة إياهم أنه من المحتم أن يصير «اللى بده يصير» وهو القتال والاستشهاد. عرضوا شكوكهم ومخاوفهم فحولتها إلى إصرار وعزم على الاستشهاد. انفردت غربة بنفسها فكشفت لنا عن السر المكنون فى قلبها حيث إن نسمة الاستشهاد الغريبة قد ندهتها وحان وقت الرحيل. دعونا نرى معاً كيف تناول الرحبانيان قضية الاستشهاد المؤلمة بشاعريتهما المرهفة.
فى هذا الحوار الرائع تقابل الفتاة «غربة» أهل جبال الصوان بعد أن قررت أن وقت المواجهة قد حان لتقابل المحتل «فاتك المتسلط» وتنذره بالرحيل عن وطنها المحتل. قررت الفتاة «غربة» المواجهة مع علمها أن المواجهة ستتطور إلى قتال ستدفع فيه حياتها ثمناً لحرية جبال الصوان وأهلها وفاءً للنذر المكتوب على عائلتها أن يدفعوا حياتهم على بوابة الجبال ثمناً للحرية. واجهت غربة مخاوف أهلها وتقاعسهم عن القتال وفندت هذه المخاوف واحدة بعد الأخرى فى جسارة لكى تبث فى الشعب شجاعة المواجهة ليدفعوا حياتهم ثمناً لحرية جبال الصوان حتى أثارت حميتهم ونخوتهم ليقرروا الموت دفاعاً عن كرامة وحرية بلادهم الحبيبة.
الحوار يعكس بوضوح أفكار الرحابنة الكبار وفلسفتهم فى مواجهة الظلم، تنبض كلماته بالقوة وتبث الحماس فى من يقع وطنه تحت الظلم لكى يثور ولا يبالى دفاعاً عن الأرض والعرض ليمحو الإهانة ويغسل عار الشماتة عن طرقات وبيوت بلاده ويمنح أهلها العزة والفخار. التلحين فى هذا الحوار أكثر من رائع ويعتبر مثالاً للحرفية التى برعت فى استخدام النحاسيات وآلات الإيقاع بقوة فى تناغم مع الوتريات لتبرز أفكار الحوار بقوة وتجعله سلساً كأنه أغنية موزونة شعرياً رغم افتقاد الكلمات للوزن والقافية كونه حواراً وليس شعراً. الأداء القوى الممتع لجارة القمر صوتياً وتمثيلياً يضيف لإبداعاتها القوية فى هذه المسرحية الرائعة. وقد أعقبت هذا الحوار فى المسرحية بأغنية فريدة من نوعها تفيض بالرقة والشجن تستعد فيها للاستشهاد والرحيل عن وطنها لمقابلة أبيها الشهيد، أرسلها لكم فى الحلقة القادمة بإذن الله..المجموعة: لا، لا تقولى راح بتقابليه!!
غربة: بدى إحكى معكن
رجل: شو بتفتكرى بيصير ؟
غربة: اللى بدو يصير !!!!
رجل: بيرجع القتال من جديد؟
غربة: حرقتنا شمس الذل... ولادنا زهر القهر
مجدنا صار حكاية.. واللى اتشردوا عيونهن علينا
فتاة: اللى اتشردوا لقيوا ناس يآووهن.. صاروا ضيوف
غربة: اللى مطرود منو (ليس) ضيف.. حامل حزنه معه
وحامل الحزن بيهربوا منه الناس.. بيخافوا يعديهن
رجل: الإنسان بيعيش وين ما كان (فى أى مكان) !!!!
غربة: بيعيش. لكن كيف ؟
بيضلوا يسألوه إنت شو اسمك؟
بتقل لن اسمى فلان... ما فيك (لا تستطيع أن) تعيش بلا اسم
بيضلوا يسألوك إنت منين؟ بدك تقول منين؟
ما فيك تكون مش من مطرح
إذا فيك تعيش بلا اسم.. فيك تعيش بلا وطن
رجل: الوطن، البطولة، الأرض مش أغلى من الحياة!!
غربة: الوطن، البطولة، الأرض مش أغلى من الحياة.. صحيح
بس الشماتة أصعب من الموت!!
رجل: قبل ما نقاتل خلينا نبعت رسل على بلاد حور وسهول الفدار
هونيك (هناك) فى ناس من أهالينا.. خليهن ييجوا.. يحاربوا معنا من برة
غربة: اللى بيحاربوا من برة بيضلوا برة... المصدر جوة
فتاة: كيف بدنا نقاتل؟ أملنا بالنصر ضعيف
عسكره عا العالى محتل العلالى
غربة: بعد فيه (مازال هناك) بقلوبكن خوف؟
لما بيوقع القتال بين اتنين... واحد بدو يخاف.. واللى بيخاف ... بينغلب!!
(صمت)
ليلة مقتل «مدلج».. خفتوا؟
المجموعة: بالآخر.. إيه (آه).. خفنا
غربة: وانغلبتوا!! لو ما خفتوا كان «فاتك» خاف
(تسأل رجلاً يدعى «سعد» عن ذكرياته مع أبيها ليلة استشهاده على بوابة جبال الصوان، وهل خاف أبوها قبل استشهاده وفاءً للنذر؟)
سعد... بهاك الليلة.. هو وبَيّى عا البوابة.. والسيف قبال عيونه.. خاف؟
سعد: لأ ما خاف.. ماعرف الخوف
غربة : لأنه قرر يموت.. هون الندر (هنا النذر).. نقرر نموت أو لأ
المجموعة: غربة... مقررين نموت.. بس يكون فيه تمن
غربة: اللى ماشى صوب الموت ... بيغلبه.. وبيربحه
هايدى (هذه) آخر مرة بنحكى فيها... وقت الحكى راح... وإچا الوقت التانى
المجموعة: وفاتك يا غربة.. راح بتقابليه وحدك؟
غربة: وحدى...
روحوا استعدوا وإذا ما عدنا التقينا.. قلبى معكن
المجموعة (وقد أخذتهم الحماسة وقرروا الاستشهاد)
محروسة يا غربة
راح نسهر الليل نحنا والهدير
هدير اللى چايى واللى راح يكون
لأجل الحرية لمحو الإهانة.. لغسل الشماتة عن وچ (وجه) الإبواب
لأجل البيوت وتراب البيوت ... قررنا نموت.. قررنا نموت
محروسة ياغربة
(تذهب المجموعة وتنفرد غربة مع الفتاة الصغيرة جميلة التى تخلفت عن المجموعة لتسر إليها بما فى قلبها بعد أن علمت أنها تنوى الاستشهاد فى سبيل الوطن)
غربة: جميلة... شو بدك تقولى ؟
جميلة: بدى قول اللى بقلبى
قبل ما چيتى كنت ناطرتك وأقول
بس تيچى غربة بدنا نقاتل.. بدنا نرجع الأرض ونرجع البيوت
لكن لما جيتى وعرفتك.. حبيتك كتير وصرتى عندى أغلى من الأرض وأغلى من البيوت
دخيلك (وحياتك) ياغربة....
غربة (فى شموخ): جميلة.. الله معك
بدى أحكى معكن.. جبال الصوان
∎ ندهتنى النسمة الغريبة
أغنية فريدة من نوعها أشبه بأنشودة البجعة قبل رحيلها لا يستطيع صياغتها غير الرحبانيين الكبار والفيروزة النادرة. تغرد الفتاة «غربة» هذه التغريدة عقب الحوار السابق مباشرة وهى فى طريقها لمجابهة الحاكم الظالم «فاتك» وهى تعلم تماماً أنها ذاهبة للاستشهاد وفاء لنذر عائلتها للموت على البوابة مثل أبيها «مدلج» الذى لقى حتفه بنفس الطريقة فى مواجهة الطغاة. تستعد «غربة» للرحيل لأماكن لا نعلمها وتخاطب شخصا لا تفصح عنه، ولكننا ندرك أنها تخاطب أباها الشهيد الذى تتأهب للحاق به فى أماكن سحرية خارج إدراكنا تخلد فيها معه. فى هذه الأغنية كما فى أعمال أخرى يلمس الرحبانيان قضية الموت والاستشهاد برقة وشاعرية باعتباره رحلة لأماكن أخرى خارج نطاق الظلم والجور بدون خوف أو تشاؤم أو وجل. نستمع للفيروزة تغنى لنا برقة وتهدهد مشاعرنا فلا نخاف بل نتشجع أن نجابه الطغاة وندفع الحياة ثمناً رخيصاً للحرية.
ندهتنى النسمة الغريبة.. لفحتنى ريح السفر.. ريح السفر
عم تمشى الجبال.. وتبعد الكروم.. والبيوت تهاجر
فرح الرحيل غمر الدنى.... فرح الرحيل غمر الدنى
وندهتنى النسمة الغريبة ... ولفحتنى ريح السفر... ريح السفر
(عا شطوط البحور الغريبة... مراكب مليانة عشاق
والإيدين الصبية تقطف... زهر الحب من موج البحور) 2
والبيادر راكضة بسنابل القمح ... قرب موسم الحصاد وقرب ملتقانا
ورق الحور عم بيلوح ... أرض السنديان عم بتلوح
عينين الأحبة عم بتلوح ... عينين الأحبة ... عينين الأحبة
انطرنى على روس الجبال ... أنا واصلة ... واصلة لعندك
علق على صدرك نجمة الحب الغريبة
بعد أن تستشهد «غربة» على البوابة ويتحقق النصر للأهالى على الظالم «فاتك المتسلط» الذى فر هارباً مع رجاله، يحمل الأهالى بطلتهم الشهيدة كالعروس ويطوفون بها أنحاء البلدة فى موكب مهيب ليزفوها فى يوم استشهادها ويغنوا لمجد العروس الذى غمر الأرض ليهرب الطاغى من صوتها. وكيف علا تاجها وانكسر تاجه عندما وقع الطاغى فى الهزيمة أمام إصرارها وتضحيتها. تتداخل أصوات الأهالى التى تحكى كيف زرعت العروس بذور فرح المستقبل وأفراح الأيام القادمة. وكيف صارت العروس طفلة المواسم التى لن تكبر وصارت حقول الزمان القادم. تتحد أصوات الأهالى معاً لتهتف للعروس المجلية النائمة بالطرحة الملكية والفستان الأبيض المحلى بزهور الدم ليهتفوا لها فى صوت واحد تحية العروس وهى (إى وى ها) التى هى الهتاف الشعبى للأفراح فى بلاد الشام.
مجد العروس غمر الأرض.. والطاغى هرب من صوتها
تاجها عِلِى .. تاجه انكسر ... والقوى وقع بالهزيمة
(والعروس زرعت فرح المستقبل وأعياد الأيام اللى چاى
والعروس صارت طفلة المواسم وحقول الزمان اللى چاى) 2
للعروس المجلية بالطرحة الملكية
والفستان الأبيض وزهور الدم
قولوا إى وى هاااااا