الله.. الانسان.. الكون (2)
عبد الفتاح عناني
[if gte mso 9]>
LatentStyleCount="267">
الحديد.. هو معدن الحياة للإنسان، فهل (نقص الحديد) يؤثر علي خلايا المخ ؟ هل زيادة الحديد في جسم الإنسان تؤدي إلي الإصابة بمرض الشلل الرعاش والزهايمر وأمراض القلب والذبحة الصدرية ؟
لماذا يعاني (09٪) من النساء والأطفال علي مستوي العالم من فقر الدم والأنيميا؟ لماذا ينتشر (نقص الحديد) بين المصريين؟ ما الأغذية الغنية بالحديد؟ ما العلاقة بين الحديد وكبار السن؟ لماذا ترتبط كفاءة الأعصاب والجهاز العصبي بالحديد؟
يقول خبير التغذية العالمي (جايلوردهاوزر) (انظر بانتباه إلي وجهك في المرآة، فإذا رأيت وجنتيك وشفتيك وأذنيك لا تصبغها الحمرة بكفاية، ولا تعطيها بريق الصحة فانتبه إلي أن نظامك الغذائي يجب أن يكون محتويا علي المواد اللازمة للجسم وأهمها (الحديد).
ولكن السؤال المهم هو: كيف ينقص الحديد في جسم الإنسان؟ من المعروف أن الجسم يفقد يوميا بعض الحديد في العرق، والشعر المتساقط، قشور الجلد، في البول والبراز.
أما الإناث فيفقدن من (41 إلي 82 ملليجراما) شهريا، كما تفقد الحامل من (003 إلي 005 ملليجرام) طوال فترة الحمل لتكوين دم الجنين، في حالات النزيف والجروح والعمليات الجراحية يفقد الجسم جزءا كبيرا من الدم ومن ثم الحديد، وهناك حالات مرضية تؤدي إلي زيادة هدم كرات الدم الحمراء وإلي فقر الدم، مثل الإصابة بالملاريا والبلهارسيا والأنكلستوما، والنزيف عند السيدات، وبعض أنواع التسمم بمركبات السلفا والرصاص، ونزيف من الجهاز الهضمي بسبب تعاطي بعض الأدوية المسكنة أهمها (الأسبرين) خاصة إذا تم تناوله علي معدة خاوية من الطعام مسببا قرحات ونزيف في جدار المعدة.
يبقي (سوء التغذية) هو السبب الأكثر شيوعا لنقص الحديد في المجتمعات النامية، ولدي المصريين بالذات ليس هو المسئول فقط عن أنيميا نقص الحديد، ولكن هناك عادات سيئة منتشرة بين أهل الريف وفي الأحياء الشعبية وصعيد مصر، حيث يسرفون في شرب (الشاي الثقيل) المغلي والمركز خاصة بعد الأكل، والشاي يحتوي علي حمض (التانيك) وهي مادة قابضة تمنع امتصاص الحديد، لذا فهم لا يستفيدون من عنصر الحديد الموجود بغذائهم، فالحذر كل الحذر من تناول (الشاي) عقب الطعام مباشرة.
ضعف الذاكرة والاكتئاب
تظهر أعراض نقص الحديد علي بعض الوجوه التي تكسوها الصفرة مؤكدة نقص الحديد في الغذاء، وهؤلاء الأشخاص بالطبع يعانون من الأنيميا ويبدون متعبين مرهقين مكتئبين، النهجان من أقل مجهود، قليلي الصبر والاحتمال، سرعة الانفعال، لا نضارة ولا حيوية، شدة الحساسية للبرد والأنفلونزا، ضعف الذاكرة وينسون كثيرا، صعوبة التركيز، عدم استطاعة التفكير بوضوح وبسرعة وبدقة، النزيف، الصداع، عدم نضارة البشرة، اختفاء الحمرة والحيوية من علي الوجوه، واضطرابات في الشهية وحاسة التذوق، كل هذه الأعراض تظهر لأن (الحديد) هو الذي يحمل (الهيموجلوبين) الذي يعطي للدم لونه الأحمر، وهو أحد العناصر الأساسية في الخلايا والأنسجة الحية والذي يمنح الجسم كفاءته وتوازنه.
الخطير جدا هو أن الأطفال الرضع معرضون لنقص الحديد إذا لم يتناولوا الطعام المناسب، وبالنسبة للرضع حتي (6 شهور) يكون لبن الأم مصدرا كافيا للحصول علي الحديد بجانب مخزون الحديد الموجود في أجسامهم، أما الأطفال الذين لا يرضعون رضاعة طبيعية فيجب تناولهم أنواعا معينة من الألبان مزودة بالحديد، أما المراهقون، ونظرا للنمو السريع فيحتاجون كميات إضافية من الحديد، ويجب عدم الاعتماد علي شرب الألبان فقط، حيث إن اللبن يعتبر مصدرا فقيرا للحديد ولذلك يجب عليهم الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالحديد.
(نقص الحديد).. يؤثر في خلايا المخ
أجري باحثون من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة حديثة رصدوا فيها أن (نقص الحديد) لا يؤدي فقط إلي ضعف التركيز والإدراك المعرفي لكنه يؤدي أيضا إلي تغير في شكل خلايا المخ، وهو ما يحذر منه د.(بول تومسون) أستاذ طب الأعصاب بجامعة كاليفورنيا ورئيس الفريق البحثي، بعد قياس معدلات من بروتين يحمل الحديد في الجسم وخلايا المخ يسمي (ترانسفيرين)، حيث اكتشفوا وجود علاقة وثيقة بين معدلات (ترانسفيرين) في الجسم والتغير في شكل المخ، وهو ما يؤدي إلي زيادة أو نقص النمو الإدراكي، وأكدت الدراسة الأمريكية وجود صلة وثيقة بين توافر الحديد وكفاءة المخ، حيث وجد أن الأشخاص الذين لديهم مستوي (عال) من بروتين (الترانسفيرين) في دمائهم، وبالتالي نقص الحديد، هؤلاء للأسف يوجد لديهم تغيرات في شكل المخ تجعلهم أكثر عرضة للتغيرات السلبية في خلايا المخ وضعف المستوي المعرفي والإدراكي.
كما تؤكد د. (حسنية موسي) الأستاذ بالمركز القومي للبحوث، أن عنصر الحديد مهم جدا للنمو الطبيعي للأعصاب الناقلة (للبادومين) وللنواقل العصبية الأخري مثل (السيروتونين - النورإيبنفرين - الإينبفرين)، وهذا يؤكد أن (نقص الحديد) يؤثر علي كفاءة الجهاز العصبي المركزي، والدليل علي ذلك ما لاحظه أحد العلماء الأمريكان من أن بعض العمال في (جواتيمالا) لا يقدرون علي العمل في مزارع البن والسكر ويتهمهم أصحاب هذه المزارع بالكسل والغباء، والحقيقة أنهم في واقع الأمر مصابون جميعا بنقص في الحديد وأنيميا وفقر الدم.
نقص الحديد.. يضعف مقاومة الجسم للبرد
تضيف د. (حسنية موسي) أنه في دراسة صحية في (ألاسكا) توصل فريق بحثي إلي وجود ارتباط مباشر بين نقص الحديد ومستويات الهيموجلوبين المنخفضة وانتشار الإسهال والأمراض التنفسية لدي اطفال ألاسكا، وفي معهد التغذية في مستشفي أمراض التغذية في (مكسيكو) اكتشف الباحثون مع علماء من جامعة واشنطن أن الفئران المصابة بنقص الحديد عجزت عن الاحتفاظ بدرجة حرارة جسم طبيعية حينما تعرضت للبرد، ويؤكد العلماء الأمريكان أن نقص الحديد يخفض من مقاومة الجسم للبرد، وهو جانب مهم جدا بالنسبة لكبار السن المصابين بفقر الدم والذين هم أشد قابلية للتعرض والتأثر بنزلات البرد بسبب ضعف الدورة الدموية وقلة طبقة الدهون تحت الجلد وضعف الجهاز المناعي.
ليس هذا فقط بل إن من أشد مخاطر نقص المخزون من الحديد في الجسم، أن تتعرض النساء خلال أشهر الحمل لأنيميا نقص الحديد بشكل ملحوظ مما قد يؤدي إلي الوفاة بالنسبة للأم والجنين، فإذا كانت الأم مصابة بنقص الحديد أثناء حملها ولد الطفل ومخزونه من الحديد ضئيل، وأصبح أشد عرضة للأنيميا أو الوفاة أو اضطرابات التعلم، ,إذا لم يعالج هؤلاء الأطفال فقد يظلون مدي الحياة مصابين بالأنيميا وفقر الدم.
زيادة الحديد.. والزهايمر وأمراض القلب
إذا كان (نقص الحديد) يؤثر علي خلايا المخ، فإن هناك دراسات تحذر من (الزيادة) الكبيرة لمعدلات الحديد في جسم الإنسان لأنها قد تؤدي إلي تلف خلايا المخ، وهو الأمر الذي يفسره وجود زيادة في معدلات تركيز الحديد في مرضي (الشلل الرعاش والزهايمر)، حيث إن كلا من النقص أو الزيادة في معدل الحديد يؤثر سلبا علي خلايا المخ وجسم الإنسان، كما أن (زيادة الحديد) عن حاجة الجسم يؤدي إلي تراكمه في الكبد ويسبب مرض (هيموشه وماتوسيس) حيث يظهر تليف الكبد الذي يؤدي إلي مرض السرطان.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يقف الحديد الآن في قفص الاتهام في حالة زيادة وارتفاع نسبته في الجسم لدرجة أنه يأتي في مقدمة أسباب انسداد الشرايين التاجية وحدوث الذبحة الصدرية، وفي دراسة فنلندية طبية نشرتها جمعية أمراض القلب الأمريكية والتي أثارت ضجة في الأوساط العلمية جاء فيها: (أن هناك علاقة كبيرة بين زيادة نسبة الحديد في الجسم وبين خطر التعرض للذبحة الصدرية، وتحذر الدراسة من أن ارتفاع نسبة الحديد في الجسم يأتي مباشرة بعد (التدخين) من حيث خطرها علي القلب، وكان العالم الأمريكي د. (جيروم سوليفان) هو أول من أشار إلي احتمال وجود علاقة بين ارتفاع نسبة الحديد في الجسم وأمراض القلب، بعد أن وقف حائرا أمام سؤال مهم : لماذا ترتفع نسبة أمراض القلب بين الرجال أكثر من النساء ؟ ولاحظ أن نسبة الحديد ترتفع مع تقدم العمر واستنتج أن مخزون الحديد في الجسم هو السبب الرئيسي لأمراض القلب، كما اكتشف العلماء الفنلنديون أن احتمالات الإصابة بالذبحة الصدرية وأمراض القلب تصل إلي (4 أضعاف) لدي الأشخاص الذين ترتفع نسبة الحديد والكوليسترول لديهم، مما يدعم الرأي بأن هاتين المادتين تساهمان في حدوث الذبحة الصدرية وأمراض القلب.
الأغذية الغنية بالحديد
من فضل الله ونعمه علينا أن الأطعمة الغنية بالحديد متوفرة لكل الناس وليست نادرة أو غالية الثمن وهناك نوعان من الأطعمة الأول يعطي (حديد الهيموجلوبين) وهي الأطعمة الحيوانية مثل (اللحوم الحمراء - الكبدة - الكلاوي - صفار البيض - الدجاج، الأرانب) أسماك السالمون والتونة والمحار - الحيوانات البحرية - الحليب ومشتقات الألبان، أما (حديد غير الهيموجلوبين) فهو متوافر في الأغذية النباتية مثل (الخضروات الورقية - الفواكه - الفواكه المجففة - حبوب القمح - الردة - الجوز - المشمش - فول الصويا - الحمص - العدس - العسل الأسود - الفاصوليا الجافة - السمسم - الزيتون - الكمون - الزعتر - الفول - السبانخ - البنجر - التمر - التين - قمر الدين - الترمس - الملوخية - البروكلي- الجرجير - الشكولاتة والزبيب وغير ذلك، ومعروف أن تناول الأطعمة الحيوانية المحتوية علي (حديد الهيموجلوبين) أكثر فائدة في رفع نسبة الحديد في الجسم مقارنة بالأغذية النباتية، ويفضل تناول فيتامين (سي) مع المأكولات التي تحتوي علي الحديد سواء كانت حيوانية أو نباتية لأنه يساعد في زيادة امتصاصها.
يتساءل البروفيسور (هيملوت أوبريتر) الأستاذ بمعهد التغذية في فرانكفورت : لماذا ننفق المليارات من الدولارات علي تعبئة المعادن والفيتامينات في كبسولات مادامت متوافرة في غذاء الإنسان الطازج؟!! ولكن هناك مرضي بأنيميا نقص الحديد حالتهم شديدة وتحتاج إلي تناول الحديد (3 مرات يوميا) عن طريق الفم في صورة شراب أو كبسولات أو أقراص ولابد أن يكون ذلك تحت إشراف الطبيب أو علي هيئة حقن في العضل، وغالبا يستجيب المريض للعلاج خلال أسبوعين ويستمر العلاج لمدة تتراوح من (5-6 أشهر) علي الأقل لكي تمتلئ مخازن الحديد في الجسم، فالحديد هو الحياة بالنسبة للإنسان، وصدق الله إذ يقول: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)