المرأة فى ميادين الشقا بـ 100 راجل!
نهي العليمي
امرأة من طراز مختلف.. قوية.. صلبة.. جدعة.. حنونة.. معطاءة ومضحية لأقصى حد بمائة راجل فى مواقف وبألف راجل فى كثير من المشاكل والظروف الصعبة هى ست الستات الست المصرية، فكلما انتقلت بناظريك قابلت من تؤكد لك ذلك وتبرهن عليه فهى امرأة تصنع ظروفها بدلا من أن تستسلم لها.. بيتها وأولادها ومستقبلهم هو همها الوحيد الذى تهون معه أى تضحية ويصغر أمامه أى مجهود.. لا تخاف تهديدا ولا يرجعها وعيد فهدفها واضح أمام عينيها وطريقها تقطعه بكل صبر وجلد.. كثيرات يتخذن كقدوة فى الكفاح وكثيرات كن شركاء فى الثورة والأكيد أنهن لن يفقدن عزيمتهن ولن يضعف إيمانهن بأنفسهن.
ملامحها البسيطة مزيج ما بين التجاعيد التى رسمها الزمن على وجهها بشقائه فتعطيها مظهرا أكبر من سنها وبين ملامحها التى تنطق بالطيبة وتجعلك تشعر بأنك تعرفها منذ زمن طويل.. هى تهانى أو كما تحب أن تنادى «بأم شيماء» بعد وفاة زوجها العامل البسيط فى حادث ميكروباص منذ ثلاثين سنة كانت وقتها لم تتعد الخامسة والعشرين سنة أم لثلاث بنات كانت أكبرهن فى السادسة من عمرها وأصغرهن لم تتعد الثانية من عمرها ليس معها سوى شهادتها الإعدادية فلا أهل ولا أقارب ولا سند ولا مال ولم يكن أمامها أى اختيار سوى النزول للبحث عن أى عمل..
جارتها نصحتها بأن تعمل معها فى تنظيف البيوت فوافقت، وبدأت رحلة كفاحها.. تحكى أم شيماء مشوارها: «تعرضت لمضايقات كثيرة لكنها لم تكسرنى ووقفت للحياة وقلتلها «يانا يا أنت»، تعبت وشقيت وكنت أنظف بالبيتين والثلاثة فى اليوم عشان أدخل بناتى المدارس وليلا أذاكر لهن وعملت عند ست طيبة شجعتنى كثيرا وكانت عندها مكتبة جددت هوايتى فى القراءة التى تركتها منذ زمن وكنت آخد الكتب بعد ما أروح وأكل بناتى وأذاكر لهم أسهر أقرأ إلى أن يقتلنى التعب فأنام.. قرأت فى السياسة والأدب والتاريخ وجرى بى الزمن وكبرت بناتى واستطاعت السيدة الطيبة التى أخدمها أن تجد لى وظيفة بسيطة فى عيادة طبيب محترم كسكرتيرة، فكنت أخدم فى البيوت نهارا ثم أذهب للعيادة ليلا، لم أشعر يوما بتعب أو يأس فكلما رأيت بناتى أمامى أحمد ربنا وأشكره فقد ربيتهم على الدين والأخلاق وشكر الله دائما على أقل القليل وأكرمنى الله فيهم وكملوا تعليمهم وتزوجوا وعندى الآن أربعة أحفاد والحمد لله قدرنى على إكمال رسالتى.. أم شيماء ليست فقط مكافحة وأمًّا عظيمة بل هى متحدثة لبقة ومثقفة أيضا قد يكون لقراءاتها المتعددة لذا فهى تعلق على الأحداث موقف المرأة بعد الثورة الآن من وجهة نظرها فتقول: الستات المصريات أقوى ستات وشريكات فى الثورة فقد نزلت التحرير مع بناتى فى فترة الثورة بعد يوم 28 يناير 2011 وشفت الستات إزاى زيهم زى الرجالة وأقوى كمان وكافحوا زى الرجالة وكنت أرى نساء كبيرات فى السن نزلوا الميدان مع أولادهم وأحفادهم، وللأسف بعد الثورة تم إقصاء الستات بصورة واضحة فلا توجد نائبة للرئيس ولا محافظة ولا عدد كافى من الوزيرات وما حدث فى الميدان من تحرش منظم كما سمعت استفزنى جدا هل «خلصت الطرق لتطفيش الستات من الميدان للجوء لهذه الطريقة الحيوانية التى سمعنا عنها؟»، علىَّ النعمة لو نزلت الستات المصريات ومسكت واحد منهم وما خدوهمش على خوانة ليقطعوهم مية حتة، ويعرفوهم قيمتهم وأنهم ما يسووش فى سوق الرجالة قرش صاغ لأنهم الجبناء بيتحاموا فى السنج والمطاوى، وأنا نزلت المسيرة اللى كانت ضد التحرش عشان نوريهم أننا ما بنخافش ومش هنخاف.
أما السيدة ل.ع فهى سيدة أخرى مكافحة من مستوى اجتماعى مختلف.. هى خريجة المدارس الفرنسية وكلية الألسن وتزوجت من ابن عمها رجل أعمال وأنجبت أربعة أولاد وعاشوا ميسورى الحال فى مستوى اجتماعى وتعليمى رائع وكل طلباتهم مجابة إلى أن انقلبت حياتهم رأسا على عقب بعد خسارتهم تقريبا كل أموالهم فى البورصة وإصابة الأب بشلل رباعى بعد حادثة مروعة وأصبحت الأم هى المسئولة عن كل شىء وعن تأمين طلبات الأولاد الذين لا يزالون فى المرحلة الثانوية والإعدادية ودفع فلوس الدروس وأقساط المدارس.. تقول السيدة ل.ع: «فقدت توازنى ولم أعرف كيف أتصرف فعمود البيت انهار ولم يعد حيلتنا شىء وليس لى أى خبرة فى العمل فطوال عمرى «ست بيت» ولولا مساعدة أخى لى فى هذه الفترة لا أدرى ماذا كان سيحدث لى وقررت بعد ذلك أن أعتمد على نفسى لأنى لا يمكن أن أعيش على المساعدات التى أتلقاها من أخى وأدركت أنه يمكننى أن أعمل بالترجمة من البيت لأستطيع خدمة زوجى المريض ولأنى أجيد اللغة الفرنسية تعاقدت مع بعض المراكز الثقافية التى تحتاج للترجمة كذلك أنا مشهورة وسط أصدقائى وأقربائى بطبخى وتفننى فى عمل أصناف الطعام الصعبة، فأشارت على صديقتى المقربة بإعداد أصناف لهن أعلن عنه فى الفيس بوك.. هذه السيدة لم يقتصر كفاحها داخل بيتها لأجل أسرتها وإنما امتد إيمانها لإصلاح حال البلد كشريكة مع أولادها فى الثورة وتقول: «صحيح أخاف على أولادى ولكنى أعلم أن مستقبل أولادى مرهون بصلاح البلد وتحقيق العدالة الاجتماعية وعندما رأيتهم مؤمنين بقضية احترمتهم فهم من شباب التحرير الذى نادى بالحرية من عامين، وفى الأيام الأخيرة عندما ساءت حال البلد نزلت معهم التحرير، وعندما سمعت عما يحدث الآن من محاولة هز صورة الميدان وتخويف الأولاد والبنات وحوادث التحرش ازددنا عندا وصلابة ولن نخاف من أحد وأى بنت مصرية أشرف من هؤلاء القتلة.
إذا كان دور المرأة للأسف فى تراجع مستمر ومتعمد وهناك محاولات لإحراجها أو تخويفها بسلاح التحرش الممنهج لمنعها من المشاركة السياسية وكذلك هناك رغبات باغتصاب حقوقها القانونية التى حصلت عليها بعد رحلة كفاح طويلة على مدى سنوات عديدة تحت شعارات مزيفة مثل بيتها أولى بيها.. خليها تقعد بكرامتها بدل ما تتهان.. فرسالتنا لهم: إن اختفاء الستات من الحياة ولو ليوم واحد ليس له إلا نتيجة واحدة كارثية.
هذا ليس كلامى وإنما حقائق واقعية يبنى عليها الخبراء استنتاجاتهم ويكفى أن تؤكد ذلك المستشارة الاقتصادية الدكتورة بسنت فهمى، فهى عندها من الرؤية الاقتصادية ما يجعلها تدرك حجم المرأة الحقيقى كقوة اقتصادية فى المجتمع فتقول: «إن المرأة التى تعمل فى كل المجالات جنبا إلى جنب زوجها وفى الريف أكثر من المدن والمرأة المعيلة التى تفتح البيت رغم عدم وجود زوجها لموته أو مرضه أو ظروف الطلاق تمثل أكثر من نصف مصر، فمن المستحيل أن يتم التشكيك فى دور المرأة ونحن فى القرن الواحد والعشرين. وتضيف الدكتورة بسنت: نفسى مرة الستات يقرروا فعلا ما ينزلوش وستقفل البلد وستقف الأعمال يومها، ويكفى أن تهبط القوى الشرائية لأكثر من 05 ٪ لأن المرأة هى التى تشترى لنفسها ولبيتها ولزوجها وولادها أيضا فمن يتكلم عن المرأة ويشكك فى قدرها كقوة اقتصادية مغيب ولا يعيش بيننا فى مصر.. كذلك فإن المرأة المصرية لها النصيب الأكبر فى قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر فتصل نسبة مشاركة المرأة فيها لأكثر من 07٪ ومجرد التفكير فى خسارة هذه النسبة وتراجعها يمثل كارثة كبرى فبهذه المشروعات يقوم الاقتصاد، وهو ما أكده أوباما عندما تحدث عن اقتصاد أمريكا وأهمية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لبنائه وأهمية تمويلها وإعطائها القروض لأن الفرد ينتج ويبيع ويشترى ويقضى طلباته فيعمل المجتمع كله معه وينتج ويكسب».
∎ بحث وحقائق
شهيدة الباز المستشارة الدولية فى الاقتصاد السياسى ومديرة مركز البحوث العربية والأفريقية معنية بالتحليل الاقتصادى السياسى للتنمية خلال الفترات المختلفة ومن خلال عملها وتحليلها تؤكد أن النساء على نفس مستوى القدرة والإمكانيات.
كذلك المرأة جزء أصيل من منظومة البحث العلمى وإذا افترضنا انسحابها ستسقط منظومة البحث العلمى كله.
يؤكد أن الفروق الفسيولوجية لا تجعلهم غير متساوين بل على العكس فالنتائج كلها فى صالح المرأة وأدائها ولكن المنظومة الثقافية هى التى تقسمهم بشكل غير عادل فتشتغل وتصرف كالرجل وقد يلزمها هى بمصاريف الحضانة دفع أجرة الخادمة ولكن لا يقاسمها شغل البيت ومذاكرة وتوصيل الأولاد.
َ