لصوص المليارات يعرضون التصالح بالملايين عز 660 مليوناً والمغربى 392 ورشـيد 6 ملايين جنيـه
لمياء جمال نهي العليمي
يبدو أن المحنة الاقتصادية التى تمر بها البلاد تجعلنا نراجع حساباتنا مع لصوص المليارات ونقبل التصالح معهم مقابل رد الأموال المنهوبة على حساب جثة المواطن المطحون.. ففكرة المصالحة هنا يراها البعض فرصة للخروج من عنق الزجاجة.. والبعض الآخر يراها كارثة تنذر بثورة جديدة ويفجر رد الشعب الذى دفع حياته ثمنا لتواجد هؤلاء اللصوص فى السجون.
«التصالح» تردد كثيرا هذه الأيام على الرغم من أنه منذ فترة كانت هذه الكلمات مرفوضة تماما ولكن الوضع الآن أصبح مختلفا تماما بسبب الحالة الاقتصادية التى تمر بها جميع القطاعات الاقتصادية.. فى ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية وزيادة الديون إلى تريليون جنيه..
بالإضافة إلى السياحة التى ماتت إكلينيكيا مما سبب ضياع العديد من الدخل القومى.. ولا ننسى مسلسل انهيار الجنيه أمام الدولار الذى يدفع إلى ضرورة زيادة أسعار جميع السلع فى جميع المجالات فضلا عن أن سويسرا قررت تأجيل التحرك بشأن جهودها الرامية لإعادة 700 مليون فرنك سويسرى (767 مليون دولار) من أموال النظام المصرى السابق إلى مصر بسبب عدم الوضوح الذى يكتنف الوضع السياسى هناك. وفى نفس الوقت نجد أن وافق المستشار مصطفى حسينى المحامى العام الأول لنيابة الأموال العامة العليا،
على الطلب المقدم من فريد الديب المحامى عن الرئيس السابق حسنى مبارك وأسرته، لسداد قيمة الهدايا التى تقاضوها وتحصلوا عليها بدون وجه حق من مؤسسة الأهرام الصحفية خلال الفترة من عام 2006 حتى يناير 2011. وذلك من حساب خاص بأسرة مبارك ضمن الأموال المتحفظ عليها بمعرفة النيابة العامة.
وبلغت جملة الهدايا التى حصل عليها مبارك وأفراد أسرته خلال تلك الفترة، 81 مليون جنيه تخص كلاً من الرئيس السابق حسنى مبارك وزوجته سوزان ثابت، ونجليهما علاء وجمال وزوجاتهما هيدى راسخ وخديجة الجمال.
وقال المستشار مصطفى حسينى إن الرئيس المخلوع وأشخاصا آخرين قد تم اتهامهم بالحصول على هدايا من مؤسسة الأهرام خلال الفترة من عام 2006 و حتى عام 2011 قاموا بالسداد النقدى لقيمة ما تحصلوا عليه من هدايا، سواء عن طريق النيابة العامة أو لمؤسسة الأهرام.
وأوضح أن 3 أشخاص فقط هم الذين لم يسددوا قيمة هذه الهدايا حتى الآن، وهم الدكتور زكريا عزمى الرئيس السابق لديوان رئاسة الجمهورية، واثنان آخران.
وفى نفس السياق عرض جمال وعلاء مبارك حوالى 42 مليون جنيه مقابل التصالح فى قضية «التلاعب بأوراق البورصة» بالإضافة الى عروض رجل الأعمال أحمد عز أمين التنظيم السابق بالحزب الوطنى دفع 660 مليون جنيه لجبر الضرر الذى تضمنه البلاغ المقدم ضده والمتعلق بمصنع حديد العين السخنة الذى اتهم فيه بالإضرار بالمال العام وسماح وزير المالية السابق الدكتور يوسف بطرس غالى بإدخال معدات لمصنع عز بدون سداد الضرائب الجمركية مما أضاع على الدولة 450 مليون جنيه،
كما عرض وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربى خلال التحقيقات 392 مليون جنيه لحفظ التحقيقات فى البلاغ المقدم ضده بتهمة الإضرار بالمال العام.. بينما عرض وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد المتواجد حالياً خارج البلاد عن طريق محاميه سداد 5.9 مليون جنيه لحفظ بلاغ مقدم ضده يتعلق بالإضرار بالمال العام أيضا،
بينما عرض رجل الأعمال منير غبور المحال مع الوزير السابق المغربى إلى محكمة الجنايات سداد 72 مليون جنيه لحفظ التحقيق فى البلاغ المتهم فيه حول أراضى «ميراج سيتى» بالقاهرة الجديدة.. بينما عرض رجل الأعمال هشام الحاذق المتواجد خارج البلاد عن طريق محاميه التنازل عن 5 ملايين متر مربع حصل عليها عن طريق التخصيص بمنطقة «الجمشة» بالغردقة.
كما أعلنت نيابة الأموال العليا فى مصر أنها حصلت على نحو مليار جنيه (150.3 مليون دولار) نتيجة تسويات لقضايا إهدار مال عام خلال أقل من شهر.
ومن هنا اختلف رأى خبراء الاقتصاد على التصالح مع رجال النظام السابق حيث أكد المعارضون أن هذا الوضع كارثى وينذر بكم من المشاحنات التى تنفجر فى أى لحظة.. أما المؤيدون فكان لهم رأى آخر فى المصالحة لأن ذلك فى النهاية سوف يصب فى مصلحة الاقتصاد المصرى ويخرجه من عنق الزجاجة.
البيان!
أكد اتحاد الصناعات المصرية، تأييده لخطوات التصالح مع رجال الأعمال ووزراء نظام مبارك المدانين فى قضايا فساد،
الموجودين فى السجون حاليا أو الهاربين خارج البلاد، ومنهم وزير الصناعة والتجارة الأسبق رشيد محمد رشيد، الموجود فى الإمارات، وزهير جرانة وزير السياحة الأسبق، المحبوس حاليا، ويوسف بطرس غالى الهارب إلى لندن.
الكارثة !
وفى هذا الإطار أكد الخبير الاقتصادى الدكتور فاروق عبدالخالق أن التصالح فى القانون لا يجوز إلا فى بعض الجرائم دون الأخرى كالاختلاس وإهدار المال العام.
وأضاف عبدالخالق أنه فى حالة تطبيق قانون التصالح على نزلاء طرة سيواجه ذلك بغضب شعبى شديد يمكن أن يؤدى إلى حدوث ثورة أخرى، وفى هذه الحالة لن يستطيع الأمن السيطرة لأنه يواجه من داخله تدهورا شديدا
وأشار إلى أنه بصرف النظر عن رد الفعل الشعبى والتدهور الأمنى فالقانون لابد أن يحكم الجميع سواء رضينا أم لم نرض.. ولكن فى هذه الحالة سيحدث خلاف شديد سيهدد أمن واستقرار الوطن ولايمكن لأحد أن يتكهن بما سيحدث غدا!
وأكد أنه فى حالة تطبيق قانون التصالح ستواجه الدولة حالة شديدة من الاحتقان من قبل الشعب مما سيؤثر على زيادة الانفلات الأمنى، فضلا عن أن هناك إشكالية كبرى عند طرح مسألة التصالح، خاصة فى هذا التوقيت، رغم الاستحقاقات الفورية التى لم تحسم حتى الآن فيما يتعلق بحقوق الشهداء والمصابين.
وأكد أن طرح فكرة التصالح العشوائى دون ضابط أو رابط مسألة خطرة ويجب ألا يكون المبرر لتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية التضحية بكل القيم فى مقابل الحصول على الأموال، حيث إن التصالح سوف يفتح الباب للسرقة والفساد طالما هناك دفع مقابل إذا تم اكتشاف الأمر، لا يجوز بأى حال من الأحوال التصالح فى القضايا الجنائية، لأن المجنى عليه المجتمع والنيابة العمومية ممثلة عن المجتمع هى نائبة عن الشعب والمجتمع فى تحريك الدعوى وإحالة المتهمين للمحاكمة ولا يجوز لها أن تتصالح فى حق الشعب، خاصة فى قضايا وجرائم القتل، وأوضح أن المتورطين الذين ثبت تورطهم فى حق الشعب وسرقة أمواله فإن محكمة الجنايات كما ينص قانون العقوبات من حقها الحكم عليهم بالسجن والغرامة ورد ما سرقوه من أموال الشعب.
الإيجابية !
من جانبه يرى الخبير الاقتصادى الدكتور أحمد جلال رئيس المنتدى الاقتصادى للبحوث الاقتصادية أن التصالح بشكل عام له مردود إيجابى على الاقتصاد المصرى وخاصة فى ظل المرحلة الحرجة التى يمر بها فعودة الكثير من الأمول المهربة من الخارج ستساعد على دعمه بجانب محاولة التقليل من العجز فى الموازنة العامة.
وأشار إلى أن التصالح مع رجال الأعمال وعودة الأموال سيكون لها رد فعل إيجابى فى العديد من الاتجاهات فبالنسبة للشخصيات التى فى موقع المسئولية سيكون مؤشرا لهم على عدم التجاوزات وتحقيق مكاسب غير مشروعة من منصبه وأن العقاب سيكون حتمى، أما بالنسبة للدولة ستسترد جزءا من ثورتها المنهوبة كما سيبعث برسالة للمستثمرين العرب والأجانب الذين حصلواعلى منفعة من شركات أو شراء أرض بأسعار زهيدة سيتم عمل تصالح وستستمر أعمالهم بشكل طبيعى فضلا عودة الطمأنينة وتشجيع رجال الأعمال فى الاستثمار والدخول إلى السوق.
وأوضح أنه فى حالة تطبيق التصالح سيكون هناك احتجاج شديد من الرأى العام فى الشارع المصرى وخاصة فى المرحلة الحالية لوجود تخوف والتشكك من التلاعب فى الإجراءات القانونية.
المصالحة!
وترى الخبيرة الاقتصادية ماجدة قنديل أن فكرة التصالح مع رجال النظام السابق ستتيح الفرصة لضخ سيولة مالية فى الاقتصاد المصرى، لكنها خطوة ينظر لها على أنها قد تؤجج مشاعر قطاع واسع من المصريين وتؤدى لإثارة غضب المحتجين الذين دفعوا - عبر نزولهم للشارع- المسؤولين إلى داخل السجن.
ومنذ نجاح الثورة المصرية فى 25 من يناير، يقبع عشرات الوزراء والرموز التابعين للنظام السابق فى السجون على خلفية تهم تتعلق بالكسب غير المشروع.
وأوضحت أن استرداد الأموال من القابعين فى السجون الحاليين سيكون مفيدا لمصر، لا سيما إن وضعنا فى الاعتبار الظروف الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى.
وأضافت أنه من الضرورى الاتجاه للتفاوض، وأن القانون لا يعارض التصالح فى حالات الفساد المالى، مؤكدة أن الأموال المسترجعة يمكن توجيهها لسد العجز الاحتياطى.
وأضافت د.ماجدة أن التصالح مع رجال الأعمال يجب أن يضع فى اعتباره مجموعة من الأمور أهمها أن يعتمد على الشفافية فى إعلان بنود التصالح مع رجال الأعمال، وما إذا كان رجال الأعمال المنطبق عليهم التصالح يتم التصالح معهم فى قضايا مالية وهم مذنبون أم لا،
لافتة إلى أن فى أوروبا العدل هو العدل، ولابد أن نفرق أولا بين القضايا الجنائية التى لا يمكن التصالح فيها، وغيرها من القضايا المالية التى من الممكن إيجاد حلول لها للتصالح، وخاصة إذا كانت تتوافر فيها عدم التعمد، وبناء على هذا الأساس يمكن وضع خريطة واضحة للتصالح مع رجال الأعمال.
دولة القانون عائدها أكبر
من وجهة نظر اقتصادية يتحدث الدكتور حازم الببلاوى نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الأسبق ، حيث يرى أن أهم شىء لبناء دولة قوية هو إرساء دولة القانون وعدم السماح بما هو استثنائى ويقول : (الجرائم المنصوص عليها فى القانون دون الدخول فى تفاصيلها واضحة والعقوبات لايصح التنازل عنها فى مقابل أى شىء فإطار القانون واضح فى الجزء الخاص بالعقوبات فى قضايا الفساد ولا يحتاج لتأويل وتنفيذ القانون هو ما سيعطى ثقة فى الاقتصاد المصرى وشفافيته ونزاهته وتدعيم دولة القانون بدلا من تهافت المفسدين للتحاليل على القانون ودفع تعويضات حتي لا يصاب المستثمرون بخوف من احترام القوانين ويسهم بشكل أساسي في ازدهار الاقتصاد وقوته وإرساء دعائمه وقد تكون هناك بعض التسويات المالية المسموح بها فى الإطار القانوني وهو لا يعد تنازلا ولا تراجعا ولا خنوعا ما دامت في إطار القانون وعدا ذلك فهو مرفوض فاي أموال ستعود من مجرد دفع تعويضات للتصالح عن تنفيذ العقوبات ستكون أقل كثيرا من العائد من الاقتصاد القوي والدولة ذات المصداقية).
لبناء دولة حديثة تربويا أما شيخ التربويين الدكتور حامد عمار فيري أن الناس بالفعل تعبت وعانت الكثير ، ولكن علي من يملكون زمام الأمور أن يعاقبوا من نهبوا الأرض والسماء علي حد تعبيره ويوضح ذلك قائلا : ( يجب إقامة العقوبة فتربويا إذا رغبنا في جيل صالح قادر علي بناء دولة حديثة يجب ألا نرسخ مبدأ طغيان المال وسيطرته علي المجتمع وهذا دور القاد ربان السفينة تحقيق العدالة الاجتماعية فالجريمة في هذه الحالة مركبة وليست مجرد نهب أموال بل جريمة ظاهرها (لا قانونية ) وباطنها الفساد ولا يمكن الفصل بينهما فإذا كان إنسان آخر هل يمكن دفع تعويض أو دية ليبرىء ساحته ؟؟ فمن الصعوبة الفصل بين المسائل المادية والفعل الإرادي لانتهاك القانون ولا يمكن إعفاء الشخص من العقوبة لمجرد أنه يملك المال اللازم لدفع التعويض فتربويا واجتماعيا نرسخ مبدأ اختراق القانون وانتهاكه وأنه يملك المال اللازم لدفع التعويضات فتربويا واجتماعيا نرسخ مبدأ اختراق القانون وانتهاكه .
المفاجأة هى سمة هذه الفترة
أما الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى فترى أن من يظلم المصريين سيرى أياما سوداء ولو ليس بشكل سريع ومباشر ومن يطلق عليهم شعب خانع لم يقرأ تاريخهم والشخصية المصرية ذات معدن نقى كانت بمثابة الجوهرة فى الطمى الذى كساه الفساد فكما قال جمال حمدان ( أنها أمة تعيش فى خطر ) وبالرغم من أن مصر استطاعت العيش فى ظروف خطرة واستعمارية لم تنهزم ثقافيا واستطاعت فرض لغتها وثقافتها على المستعمر، ورأيى أنه لا يجب الانشغال برموز النظام البائد ومصالحتهم أو معاقبتهم فهم فى مزبلة التاريخ.