سارجنت رسام السحر والأناقة
يظل الفنان سارجنت Sargent (1856- 1925) أحد فنانى البورتريه العظام ومنذ شاهدت لوحاته فى لندن فى متحفى التيت والناشيونال بورتريه منذ عشرين عامًا وأنا أحمل له إعجابًا كبيرًا، وقد قرأت الكثير مما كتب عنه من كتب ومقالات.
تألقت ريشة سارجنت فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وتأثيره مازال كبيرًا على أجيال من الفنانين جاءت من بعده حتى اليوم، ومازالت أعماله تبهر قارتى أوروبا وأمريكا وهى محل إعجاب عشاق الفن حتى اليوم.
كانت موهبته تتمثل فى عينيه ولمسة فرشاته الجريئة والتلقائية، واشهر برسم البورتريه وذاعت شهرته فى لندن، فقد كان مصور الطبقة الأرستقراطية الإنجليزية، وتميزت لوحاته بمساحتها الكبيرة، وكان يجمع بين شخصين أو ثلاثة فى اللوحة الواحدة.
ولد لأبوين أمريكيين ولكنه عاش معظم حياته فى لندن وتوفى ودفن بها، كان عاشقًا للسفر، فقد ذهب إلى إيطاليا وإسبانيا والشرق الأوسط ليستوحى موضوعات للوحاته، خصوصًا عندما كلف برسم اللوحات الجدارية لمكتبه بوسطن فى أمريكا.
درس الفن فى باريس فى مرسم الفنان كارلوس ديران carolus-duran حيث علمه القيم الفنية من اللون والتون والكتلة، وكانت تعاليم الفنان الإسبانى فلاسكيز velazuquez هى التى يُدرسها ديران لتلاميذه، وقد استوحى سارجنت فيما بعد تكوينات فلاسكيز فى لوحاته وقد سافر لمتحف البرادو فى مدريد ليدرس أعماله وجهًا لوجه، كذلك كان سارجنت معجبًا بالفنان فرانزهالس frans hals واستوحى منه لمسات فرشاته الجريئة والحاسمة، وفى باريس التقى سارجنت التأثيريين أمثال كلود مونيه الذى كان صديقه، وكانا يخرجا سويًا للرسم خارج المرسم كعادة التأثيريين، ولكن ظل الفنانان فلاسكيز وفرانز هالس الأكثر تأثيرًا عليه.
تميزت لوحات سارجنت للمجتمع الأرستقراطى الإنجليزى بإحساس بالوقار والأناقة والسحر، كانت موهبته مدهشة فريشتة تستولى على شخصية من يجلس أمامه ليرسمه، حيث يلتقط روحه فى تألق وبأسلوب تلقائى وسريع وملئ بالحيوية.
يقول سارجنت «فى كل مرة أرسم بورتريه أفقد صديق» تعكس هذه الكلمة فلسفته ورؤيته لفنه، فرغم أن نجوم المجتمع الأرستقراطى كانوا يدفعون له الكثير من المال مقابل رسمهم، إلا أنه لم يكن يخضع يومًا لطلباتهم أو تدخلهم فى عمله أو فرض رؤية مسبقة منهم عليه، وكان دائمًا يتمسك برؤيته الفنية، حتى لو خسر الصديق الذى يرسمه.
كان أسلوبه يعتمد ليس على نقل ما يراه نقلاً حرفيًا، ولكنه يختار من الموضوع الذى يرسمه العنصر الذى يجعل رسمه أنيقًا، ولو هناك شىء في موضوعه لن يجعل رسمه أنيقا فإنه لا يضيفه للوحته، وهو لا يرسم التفاصيل ودائمًا يجنح للبساطة ولذلك تبهرنا فى أعماله قوة البساطة والتلقائية والحيوية، ومن أشهر أعماله لوحة الليدى إجينو وبورتريه الكاتب هنرى جيمس.
منذ عام 1905 توقف سارجنت تمامًا عن رسم بورتريهات نجوم المجتمع البريطاني، والتى أصبحت بالنسبة له شيئًا مملاً وكريهًا على حد قوله، وبدأ مرحلة فنية جديدة استمرت العشرين عامًا الأخيرة من حياته، رسم خلالها مناظر طبيعية بالألوان مائية حيث خرج للطبيعة يسجلها بتلقائية وطزاجة وبأسلوب تأثيرى وبألوان مشرقة، فقد كان يحب الألوان المائية، وقبل وفاته بسنوات قليلة رفض خمسين ألف دولار ثمنًا لبورتريه يقوم برسمه وقال «أنا لا أرسم السخفاء!».



