السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شاى بالياسمين لكل المسئولين!

شاى بالياسمين لكل المسئولين!
شاى بالياسمين لكل المسئولين!


 فتحتْ ابتسامته اللطيفة بابًا للصداقة بينه وبين بعض الزملاء، حيث تستلزم وظيفته كمساعد لمدير برنامج الإصلاح الأجنبى أن يكسب ثقة الفريق المصرى بالجمعية ليساعده فى تنفيذ أهدافه لصالح بعض الجهات التمويلية كشرط لمنح المال. بينما كانت العلاقة يشوبها الغموض بينه وبين صديقتى.. هو يبدو لطيفا معها ويخطط فى نفس الوقت لإزاحتها عن موقعها، وهى تبدو لطيفة معه.. بينما إحساسها يخبرها بخطر ما؛ مما حفز روح التحدى الذى افتقدته بهذا المكان منذ سنوات!


الحسابات البنكية للشاى.. بالياسمين
 أشفقتُ عليها لمعرفتى كيف ترهقها مثل هذه الأجواء والتى بسببها أنهتْ عقدها مع المنظمة الأهلية التى عملتْ بها مؤخرا لمدة 4 شهور، رغم المرتب الكبير نسبيا بالمقارنة مع الراتب الذى تتقاضاه من عملها الحالي!
وقد وجدتُها فرصة لإعلان تعجبى من موافقتها على العودة لعملها، وكيف لم تعترض على العودة بنفس راتبها القديم رغم احتياج الإدارة إليها فى ظل برنامج الإصلاح، وقد أظهر مديرها بعض حسن النوايا بالترحيب بها..
 فنظرتْ لى قائلة: كنت مأخوذة برغبتى لمواجهة الهيئة الأجنبية، مستطردة: بينما لا علاقة لحسن أو سوء نوايا المدير.. فقد كنتُ فى إجازة، وعدتُ لعملى طبقا للائحة الجمعية، متهكمة: هو فقط لم يجد فرصة للتمتع بمحاولات إذلالى مثلما يفعل مع معظم الزملاء الذين تعلموا أن النفاق أسرع طرق الوصول لحقوقهم، حيث يعتقد مديرنا أن لا أحد لديه حق عنده، فهو صاحب المكان!
واستدركت: أما عن الراتب، فأعترف بخطئى فى عدم حصولى على موافقته المكتوبة بخصوص منحى راتباً لا يقل عن آخر مبلغ حصلتُ عليه، وارتضيتُ ببعض الوعود المُسكنة التى ينال درجة الدكتوراه فى خداع الناس بها! فتساءلتُ متعجبة: وعود مسكنة؟ يعنى مطيباتى People pleaser؟ كل ما أعرفه أن الموظف الذى يقبل السكوت عن حقه إما عليه زلة خطيرة تجعل صوته خفيضا، أو ليس كفؤا بدرجة تؤهله للدفاع عن نفسه، أو موظف متواطئ يعمل فى موقعه كتمويه Camouflage لإخفاء أمر ما.. ولكن هذا النوع يقبض كثيرا لأنه شريك فى الفساد!
فابتسمتْ قائلة: بالمناسبة، كلمة مطيباتى هى اختراع مصرى صميم، لا توجد فى اللغات الأخرى! ومصطلحك الإنجليزى يعنى أنه يعمل على إسعاد الناس، ولا يرفض طلبا لأحد! بينما مديرنا يعمل على إسعاد شلته وأحبائه ومن يسيرون على دربه ويعملون لصالحه فقط! لسانه حلو لتسكين الناس، ووعظه جميل لتسويف أمورهم!
بدأتْ تروى لى بعض الأحداث والمواقف المثيرة للذهول لفجاجتها ووضوح التوائها - والتى ربما أرويها لاحقا - دونما ينقطع سؤالى عن سر غياب دور الجمعية العمومية، ومجلس الإدارة، ومكتب الشئون، ووزارة التضامن، والجهات الأمنية بوزارة التضامن؟ وما سر القوة التى تجعل كل هذه الجهات صامتة وسلبية هكذا فى مواجهة مخالفات هذه الجمعية؟ فابتسمتْ قائلة: بل حتى الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة منذ بضع سنوات كانت تتلقى الشكاوى وتتغاضى عن التحقيق! وقد أصابنى الإحباط، سألتُها: كلهم شربوا شاى بالياسمين؟ البلد كلها فاسدة؟ مُستطردة: كيف؟ وتحت أى بند وحساب بنكى تُخصِص جمعيتك حسابات «الشاى بالياسمين» لرشوة هذه الجهات الهامة؟  
ابتسمت صامتة واعتدلتْ فى جلستها، واستعدتْ لاستكمال قصتها مع برنامج الإصلاح، وقالت: فوجئتُ أن الفريق الأجنبى يعرف الكثير من هذه الوقائع عن قادة جمعيتنا! فقاطعتها: عظيم.. لماذا لم تتعاونوا معا إذن؟ فأجابت: لأن الإدارة لم ُتصدِر لهم إلا رجالاتهم من المدافعين عنهم، أو  غير المتخصصين فى قضايا الإصلاح، فظن الخواجات أن الجميع متفق مع فساد الجمعية! قاطعتها مؤكدة: بصراحة.. عندهم حق! جمعية بهذا السوء لم يصدر من موظفيها أى شكوى أو تذمر.. يعنى أن الجميع راضون ومشاركون فى كل أحداث الفساد! ولهذا عمل الخواجات بمعزل عنكم ولم يثقوا بكم، ولم يراجعوكم فى خططهم الإصلاحية!
الخطة الموازية
ببعض الانفعال: ولكن ليس من الطبيعى أن يستغفلوننا.. قالت صديقتى واستطردت: لا تتخيلى كم الغضب الذى أبداه مدير مساعد برنامج الإصلاح المقيم فى مصر حينما رفضتُ اقتراحه بتعيين مساعد للقطاع.. فبدأ يراسلنى بوجهة نظره عبر الإيميل، مرفقا زميلته خبيرة العلاقات العامة بالخارج، رغم توقفه عن التحدث عنها سابقا! فضحكتُ قائلة: هو أيضا كان يقوم بتسكينك مثل مديرك.. سياسات ومؤامرات! كلهم استضعفوكِ لأنك وحيدة فى القطاع، وبلا تخطيط استراتيچى يحمى عملك! ابتسمتْ وهى تقول: أتفق معكِ، فحينما راسلته  برفضى النهائى لتعيين مساعد، مع الاكتفاء بتمكين زملائى الذين بدأتُ معهم خطوات لم تكتمل لغياب الرؤية والميزانية، فوجئتُ به يراسل أحد الممولين مرفقا اسمى،  يشكو فيه من بطء إجراءات الجمعية فى تعيين «مدير جديد للعلاقات العامة» كما هو متفق من قبل! يومها تأكد إحساسى إنه هو وهيئته يلعبون معى بعدم نزاهة!  يقنعوننى بتعيين مساعد بينما يخبرون الممولين أنهم سعينون مديرا!
قلت لها متهكمة: اسمها الخطة الموازية، أى يخططون لتعيين مساعد للقطاع ليتعاملوا معه، مع تهميش دروك.. حتى تضطرين للرحيل! مستطردة: هل تعلمين أنه لولا شكوى زملائى للممولين من سلوك الخبيرة الأجنبية المتعالى المتسلط.. لاستمر دورها الاستشارى بوضوح؟ تساءلتُ ساخرة: تعالى وتسلط؟ أليست خبيرة علاقات عامة؟ فأجابتنى:  تصورى؟
علمتُ منها أن طاعة جمعيتها للهيئة الأجنبية هى التى أتاحت الفرصة لتلاعب الخواجات بالجميع، وخاصة قطاعها! فبالإضافة لخوف الجمعية من التقارير السلبية على أيدى الخواجات، ثبت أنها لا تمتلك خبرة التعامل مع العقلية الغربية! وقد أدى عودة صديقتى للعمل إلى استنفار نشاط الخبيرة الأجنبية بأسلوب جديد تمليه على زميلها الخواجة المقيم بالقاهرة ليقدمه لصديقتى على أنه اقتراحاته الشخصية، وقد سار كل شىء بحسب الخطة، إلى أن رفضت صديقتى فكرة تعيين المساعد التى كان الخواجة اقترحها عليها، فبدأت الخبيرة تظهر بوضوح فى الصورة، هى تجيب على الأسئلة التى توجهها صديقتى للخواجة، ويجيب هو على الأسئلة التى توجهها صديقتى إليها! هى تعلن لصديقتى عدم موافقتها على تعيين مساعد إدارى،  مثلما تحاول إقناعها بأنها غير متفرغة للعمل فى القطاع نظرا لاهتمامها بقضايا التنمية، وإن الوظيفة تتطلب مهارات تعليمية و..و.. فتساءلتُ ساخرة: مهارات تعليمية؟ ألم تخبريهم من أنتِ؟ ألم تطلعيهم على التدريبات التى حصلتِ عليها وقمتِ بها للجمعيات وبعض الهيئات الأجنبية فى مجال التواصل؟ فانفجرتْ غيظا: لم يسألنى أحد عن سيرتى الذاتية، ولم يدر بيننا أى حديث طبيعى لاكتشاف رؤيتى وخططى لصالح العمل! ثم ماذا أقول عن نفسى إذا كانت جمعيتى لم تقدمنى من الأساس؟
وقد بدأتُ أعيش الأحداث بعمق أكبر، كان عقلى يتساءل كيف كانت صديقتى فريسة سهلة هكذا للتلاعب بها من فريق الهيئة الأجنبية، وأنا أتذكر تطبيقها للمثل الشعبى «اللى يقول لمراته ياهانم» على وضع الموظفين! سألتُ صديقتى إذا كان من حق الخبير الأجنبى تعيين أو إقالة موظف ما؟ فأجابتنى بالنفى،  ثم روت لى كيف واجهت الخواجة فى مصر ورفاقه بأوروبا أن هذا ليس دورهم.. فاندلعت عليها النار كما لم يحدث من قبل!