الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

النفوذ.. وقتل النفوس!

النفوذ.. وقتل النفوس!
النفوذ.. وقتل النفوس!


 وصلت الخبيرة الأجنبية لتنفيذ ورشة العمل الخاصة بتطوير مهارات الفريق، فى مقر الجمعية التى تعمل بها صديقتى.. التى لاحظتْ أن الخبيرة تتعامل معها كواحدة من المتدربين، أو كسكرتيرة فى أحسن الحالات، رغم إنها المسئولة عن هذا القطاع وقامتْ أكثر من مرة بتنفيذ التدريب الذى جاءت به الخبيرة، حتى أظهرت تعليقاتها خبرة ومهنية واضحة.. لم تُرضِ مدير الهيئة الأجنبية الذى كان يرافق زميلته الخبيرة فى تلك الزيارة، فقرر تغيير خطة التعامل مع صديقتى!
 
كان الوضع متأزمًا مع وجود مدير برنامج الإصلاح الأجنبى،  ولغته تؤكد ثقته بنفسه وإحساسه بالهيمنة! استكملتْ صديقتى حديثها، متهكمة: ثم جمعنى الحوار مع الخبيرة فى إحدى الاستراحات بالتدريب، فطلبتُ منها أن تعلمنى استخدام أحد البرامج، فنظرتْ لى بعجرفة، وقالت: لا، لن أعلمك! كان ذلك فى وجود مصمم الموقع الإليكترونى،  الذى سألنى متعجبًا: أليست هذه خبيرة التواصل؟ كيف تجيبك هذه الإجابة؟ ابتسمتُ وأنا أخبره: زلة لسان.. لم تستطع إخفاءها!
ولكنك لم تشتكِ منها فى الأيام الأولى لزيارتها، قلتُ لها، فأجابتنى: نعم، ألم أقل لكِ إن خطة التعامل معى تغيرت؟  بل فوجئتُ بها تتلطف وتبتسم وتجرى حوارات شخصية وإنسانية. ورغم ذلك، ظل حدسى متنبهًا لأقصى درجات الحظر! سألتُها عن موقف زميلها الخواجة المقيم بالقاهرة؟ فعرفتُ إنه كان مشدودا للغاية فى وجود مديره، وزميلته التى كانت نظراتها تسخر من آرائه أثناء التدريب! يا ساتر؟ قلتُ متعجبة: صفاتها لا تتوافق أبدا مع دورها كخبيرة تواصل! فأخبرتنى إنها كانت تردد كلامى هذا حتى مع الخواجة الذى كثيرا ما كانت تنهى حوارها معه، قائلة: زميلتك تطمع فى إدارة القطاع بالقاهرة!
لغة الجسد
خرجنا معا، الخبيرة وأنا لزيارة عمل، تقول صديقتى: ومضى اليوم بلا توتر، حتى فوجئتُ بها تخبرنى إن مجلس الإدارة قرر تعيين خبير خارجى لقطاع  التواصل! فأجبتُها متعجبة: ولكن الخبراء لا يعينون، فهم ليسوا موظفين، إلا أن الخبيرة أكدتْ جملتها قائلة: جمعيتكم لا تنجز، ولهذا السبب سيعين المجلس خبيرا للإسراع بالعمل! قاطعتُ صديقتى: إنها تتحدث عن نفسها، ولماذا لم يخبرك المجلس؟ فاستكملتْ: أخبرتُها إننى سأستشير زملائى،  وفجأة، تزاحمت الصور فى ذهنى وسألتُها.. تستطرد صديقتى: جمعيتى لا تنجز؟ ولكنك التى توليتِ مسئولية قيادة الفريق فى غيابى،  وتعاملتِ مع شركة لتصميم الموقع الإليكترونى لمدة طويلة، حتى انسحبتْ الشركة بدون سبب، فظلتْ الأمور متوقفة طويلا، حتى عُدتُ أنا وأنهيتُ الأمور فى شهور قليلة! فوضعتْ يدها على فمها، ولغة جسدها تطلب منى ألا أذكر هذا!
فى نهاية اليوم، فوجئتْ صديقتى أن الخبيرة تشكرها لأنها غيرتْ رأيها وقبلتْ وجود تعيين خبير خارجى! فأبديتُ تعجبى أن الخواجات أيضا عندهم مهارة التثبيت! فابتسمتْ وذكرتْ إنها انتبهت لذلك أيضا، ما جعلها تجيب على الخبيرة بجملة حازمة تفيد إنها لم تغير رأيها! طب الحمد لله.. قلتُ، فابتسمتْ صديقتى قائلة: اصبرى! فى اليوم التالى،  فوجئت بها تبحث عنى بجنون، حتى التقينا، وكانت بصحبتها شابة صغيرة جميلة، قدمتها إلىّ فعلمتُ إنها ابنة أحد زملائى،  وسريعا ما فوجئتُ بها تشير إليّنا بسبابة يدها اليمنى، قائلة: هذه فلانة، وأنا أريد أن تتعرفا على بعضكما لأنكما ستتعاونان معا!
سر مجلس الإدارة
إيه؟ انقلب وجهى وأنا أنصت لصديقتى،  وأخبرتها: واضح إنها بدأت تمارس سلطاتها كمديرة بالفعل لتضعك أمام الأمر الواقع! صدق قول زملائك.. بأن هذه الهيئة تتصرف كالمحتل الأجنبى،  فابحثى عن الخائن!  فقالتْ: لم أعطِها فرصة لتفعيل خطتها، فأخبرتُ البنت الصغيرة بأننى سأتصلُ بها لاحقا، ثم  قمت ُ وتركتُ الاجتماع! هايلة.. قلتُ لصديقتى التى استطردتْ: فى نهاية يوم العمل، فوجئتُ بالخبيرة تدخل مكتبى،  وبحذر تتحدث فى أى شىء، حتى اللحظة التى سألتنى فيها عن رأيى فى البنت، وبكل هدوء استفهمتُ إن كانت هذه الخبيرة التى تقصد؟ فأومَأتْ بالإيجاب! قاطعتُ صديقتى: كانت تحاول الإيقاع بكِ لتمسك عليكِ موقفًا! فاستطردتْ: انطلقتْ كلماتى معها كالرصاص، وأخبرتُها بأن ما فعلته ليس حقها، وكما أنى لا أستطيع أن أفرض عليها شخصا ليعمل معها فى مكتبها، ببلدها، لا تستطيع هى فعل ذلك معى! فما كان من الخبيرة سوى الابتسامة الهادئة، ثم أخبرتنى: يبدو أنه لا فائدة من الحوار معكِ، ولا بد من اللجوء لمجلس الإدارة!
قالتْ صديقتى إنها لجأت - فى نفس اليوم - لأحد أعضاء مجلس الإدارة، وروت له موقف الخبيرة، فأظهر تعاطفا معها، وقام بمواجهتها مع الخبيرة ومديرها وزميلهما المقيم بالقاهرة! ولكنه فى النهاية، نصحها بالتغاضى عن بعض الأكاذيب الصغيرة التى ظهرت فى المواجهة مع الأشخاص الثلاثة، لائمًا إياها لعدم تجاوبها مع مسألة الشابة التى جلبتها لها بمعرفتها! وقد بدأ الموقف يتضح أمامى،  قلتُ لصديقتى: واجهتِ ثلاثة أشخاص وحدك؟ أقصد أربعة؟ لعلكِ أدركت أن عضو مجلس الإدارة كان معهم، ولكنه أجاد التمثيلية أمامك! عفوا.. أنتِ بلا وزن فى عيون أعضاء المجلس!
تحول وجهها للحزن، وأنا أزداد غضبًا من قاتلى النفوس، الذين يعتبرون الناس أدوات لتحقيق أهدافهم، وقد نجحتُ فى تهدئتها، عادتْ تقول: كانت التبريرات جاهزة.. فمديرى يردد أمامهم أننى لا أنجز! لمعت عيناى دهشة وسألتُها: لا تنجزين؟ فلماذا لم يحاسِبك المجلس -إذن- طوال تلك السنوات؟ ثم لماذا يلومونك أنتِ لا مديرك؟ تقول القاعدة الإدارية أنه لا يوجد موظف سيئ بل مدير سيئ! فالمدير هو من يدير قدرات الناس! فابتسمتْ بسخرية، وقالتْ: مديرى يغار من الموهوبين، فيستغل سلطاته لإحباطهم بمساعدة مجلس الإدارة! أشحتُ بيدى راجية ألا تحدثنى عن مجلس إدارتها الذى يثير السخط  بعدم قدرته على اتخاذ القرار.. فيؤذى الجمعية أكثر من مديرها المزعوم!
كان صوتها ضعيفًا وهى تقول: المجلس يريد إرضاء الهيئة الأجنبية! ولو بالتضحية بى،  فأنا مجرد شخص فى مقابل مؤسسة! وبدلا من تشجيعى وتقديرى لصبرى على قبول العمل وحدى بقوة 4 أشخاص فى قطاع  يخدم ما يزيد على 1200 موظف، بلا خطة ولا ميزانية، فوجئت بهم يبيعونى! الغريب، تستطرد: إن معظمهم يدير أعمالا خاصة بنجاح.. فقلتُ لها: وهذا ما يؤكد إن وجودهم بالجمعيات الأهلية مجرد منظرة وPrestige لأهداف تخدم مصالحهم! وبدلا من العمل على تأسيس القطاع، وقفوا ضدكِ! فأخبرينى ما سر استسلامهم لمدير يعلمون أنه فاسد؟ يقولون إن الجمعية فى بطنه، أخبرتنى،  فأجبتها: ييييييه.. هكذا يسهمون فى إفساد المؤسسات! وهكذا يقتلون أحلامكم وخيالكم، بتسليم أموركم لرجل واحد؟ فماذا سيفعلون لو اضطرتهم الظروف لفقده؟
فسر لى كلامها سر الفشل الذى أصاب جمعيتها ذات التاريخ المعروف! واستكملتُ: ولهذا يكرهك  المدير وأعوانه ومجلس الإدارة! كل المتآمرين ومحدودى القدرات يكرهون الحالمين! ومع النفوذ، تتحول الكراهية إلى حرب أعصاب ومحاولة لتحطيم ثقتك بنفسك، وفى غياب أبسط  قواعد الإدارة التى تفترض وجود خطة لمحاسبتك فى إطارها.. تصبح كلمة المدير كافية! يا ربى.. حتى المجتمع الأهلى لم ينج من الفساد الإدارى؟
 كانت تنصت لكلماتى،  ثم قالت: هل تودين سماع باقى القصة؟•