الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بيكاسو المبدع والعاشق المدمر!

بيكاسو المبدع والعاشق المدمر!
بيكاسو المبدع والعاشق المدمر!


عبقرى شكاك ملول، شديد القلق، فصيح اللسان رجل لم يتوقف عن محاربة الزمن والأعراف التقليدية، ولم يتوقف عن الإبداع، هكذا وصفته عشيقته وزوجته فرانسواز جيلو فى كتابها «حياتى مع بيكاسو».. عندما تزوج بيكاسو فرانسواز كان يكبرها بأربعين عاما كان فى الستينيات وهى فى العشرينيات، تقول عنه «كان مذهلاً فى الرسم، ولكنه كإنسان عليك أن تتعامل معه بحرص وإلا فسوف تتدمر، كان عندما يرغب فى شيء ما وما أن يحصل عليه حتى يدمره».

اشتهر بيكاسو بعبقريته وخياله الجامح فهو يقول «أنا لا أرسم ما أراه ولكن أرسم ما أعرفه»، وفى أوقات كثيرة يحتفظ بيكاسو بما يعرفه سرًا لا يكشفه إلا فى فنه، وهو يعشق دومًا تغيير وتحطيم وتشويه من يرسمه، وقد فعل ذلك فى كل لوحات ملهماته وعشيقاته وزوجاته، وكن يشعرن بالضيق والغيظ، ويحتججن على عدم وجود الشبه بين اللوحة المرسومة والموديل، وذات مرة قالت له امرأة «إننى أشعر بالضيق لأن لوحاتك لا تشبهني»! ورد ساخرًا «ولكنك ستشبهين لوحتى يوما ما».
يتجاوز بيكاسو الملامح ليضع شكلاً آخر من إبداعه، ويصبح بعيدًا عن الشبه، إن عبقريته تكمن فى أنه يتجاوز ما يراه عندما يرسم إلى ما لا يراه، هو يريد صورة لا يتوقعها الناس وتثير لديهم القلق والأسئلة.
استوحى بيكاسو فنه من علاقاته النسائية، وعندما تدخل امرأة حياته يتغير كل شيء معها، الحياة كلها تتغير مع العشيقة الجديدة. كانت معظم أعماله تجسيدا للنساء اللاتى أحبهن، كان يميز ويوثق مراحل حياته من خلال فنه، وكانت عناوين لوحاته هى أسماء عشيقاته وزوجاته، هذه «أولوجا على كرسي» وهذه «جاكلين تشبك يديها» وهذه «دورامار» وفى كل مرحلة من علاقته بعشيقة كان يتغير أسلوبه الفنى عما قبله، كانت تظهر فى كل مرحلة ألوان جديدة تعبر عن المرأة الجديدة فى حياته، كان مثلا اللونان الأزرق والأخضر هما المعبران عن زوجته فرانسواز، وكانت معظم لوحاته تدور حول أجساد النساء التى فتن بها.
كانت فرناند أوليفيه مصدرا لإلهام بيكاسو جسدت إحدى شخصيات لوحته التكعيبية المعروفة «فتيات أفنيون» ثم تعرف على زوجته الأولى أولوجا كوكوفا وكانت راقصة باليه روسية التقاها عام 1912، كانت امرأة تتمتع بمكانة ثقافية ورسمها بيكاسو بطريقة كلاسيكية. عام 1927 ظهرت فى حياته فتاة شقراء عمرها 17 عاما اسمها مارى تريز وكانت ذات عينين زرقاوين استلهم بيكاسو من جسدها لوحاته وتماثيله، أيقظت بداخله قوة الإبداع وشكلت منعطفا مهما فى فنه وكان بيكاسو يعشق تفاصيل جسدها الجميل وكانت تظهر فى أعماله بألوان وأشكال مختلفة.
انفصل بيكاسو عن زوجته الأولى أولوجا لتظهر عشيقة جديدة اسمها «دورامار» كانت مصورة تبلغ من العمر 29 عاما محبة للفنون التقاها عام 1935 وعاش معها فى باريس وظل ممزقا بين حب دورامار ومارى تريز.
ثم تخطفه عشيقة جديدة اسمها فرانسواز جيلو، يترك باريس وينتقل معها إلى جنوب فرنسا، لقد وجد شيئا جديدًا مختلفًا معها، إنها الفتاة الشابة المفعمة بالحياة والجرأة والجمال وقد صورها كزهرة بالأخضر، والأزرق تقول فرنسواز عن علاقتها ببيكاسو «بقيت لغزا طوال أحد عشر عاما هى عمر علاقتنا، كما كنت فى اليوم الأول وكان على التعايش مع زوجاته وعشيقاته السابقات، لم يكنَّ ماضيًا كن موجدات دائما».
ثم سرعان ما دب الخلاف بينهما وقال لها بيكاسو «لا يمكنك ترك رجل مثلي» قالت له انتظر وسترى وأخذت طفليها وتركت له المنزل، ولأول مرة تتركه امرأة، وقد تأثر كثيرا. آخر رفيقة وزوجة له كانت جاكلين روك، تعرف عليها بيكاسو فى معرض خزفيات كانت تعمل به، إنها آخر عشيقاته، كانت ترى نفسها حامية له ممن يريدون تشتيت تركيزه عن فنه، وقد أبدع لها الكثير من اللوحات وظلت معه حتى وفاته وعمره 94 عاما.
استطاع بيكاسو أن يتربع على عرش الفن فى القرن العشرين، لقد واكب عصره، متنقلا بين المدارس الفنية التى ابتكرها لنفسه معبرا عن متغيرات هذا العصر، ويرحل عام 1973 وهو أغنى وأشهر فنان، واليوم أعماله تباع بأسعار خيالية، لوحته لمارى تريز التى رسمها عام 1932 بيعت بمبلغ 106 ملايين دولار!