السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عاشق كل النساء

عاشق كل النساء
عاشق كل النساء


 من كتاب (عباقرة وعشاق) للكاتب المتميز (فايزفرح) اخترت اثنين من كتابنا المصريين.. كتبت عن (عباس محمود العقاد).. والثانى (إبراهيم ناجى) الذى وصفه الكاتب بأنه عاشق كل النساء.

• رائعة الأطلال
 التى كتبها إبراهيم ناجى.. واستمعنا إلى رائعة  الغناء (أم كلثوم) وهى تتغنى بأجزاء منها.. (أعطنى حريتى أطلق يديا.. إننى أعطيت ما استبقيت شيئا) من أجمل الكلمات والألحان التى تغنينا بها فى ستينيات القرن العشرين.
 يحكى ناجى عن طفولته فى حى (شبرا) بالقاهرة وكانت وقتها بساطاً أخضر تتوسطه ساقية وعلى ضفافه أشجار جميز وتوت.. فكان يمضى فى أحضان تلك المروج وينهل منها الجمال.. كانت البداية طيبة.. طفل يولد فى أحضان الطبيعة الرائعة وفى قصر فيه عربة وجياد.. وخدم وحشم، ومن أبوين فاضلين. الأب رجل عصامى مكافح يعتنى بالثقافة ويقرأ الأدب العربى والأجنبى بفضل تمكنه من عدة لغات أجنبية.. الإنجليزية والفرنسية والألمانية.. والأم سيدة بسيطة تسعدها النكتة وتحفظ كثيرا من الفكاهات بالإضافة إلى كرمها وإنسانيتها.
 من الطبيعى أن ينشأ الطفل إبراهيم ناجى عاشقا للقراءة محبا للطبيعة كريما مع من حوله.. يحكى ناجى عن طفولته..
(ذات ليلة سمعت أبى قص على أمى قصة (أوليفر تويست) لـ.. (تشارلز ديكنز) ولا أزال أذكر تلك الليلة وهيهات أن أنساها)...
 فى أوائل القرن العشرين 1904 التحق إبراهيم ناجى بمدرسة قريبة من بيته.. كانت مثل دور الحضانة الآن.. ثم انتقل إلى مدرسة باب الشعرية الابتدائية وفيها بدأ ناجى يتفوق  على زملائه ويقبل على العلم بشغف ورغبة.. عندما حصل على  الشهادة الابتدائية سأله الأب المثقف عن الهدية التى يريدها مكافأة على نجاحه.. طلب الطفل النابه كتابا..  وتهلل وجه الأب المثقف واصطحب ابنه إلى إحدى مكتبات شبرا واشترى له قصة (دافيد كوبر فيلد) تأليف (تشارلز ديكنز).
أغرم إبراهيم ناجى بالقصة والكاتب، كأنه يعد نفسه لمستقبل أدبى.. وقد بدأ ينشد الشعر وهو فى تلك السن الصغيرة.. وقد كان لمدرس سورى تأثير على ناجى.. أولا بقسوته ثم  بتقديره لتعلمه السريع.. ومنه تغير مستقبل ناجى، فقد التحق بالقسم العلمى وتفوق فالتحق بكلية الطب..
• الطب.. و.. الشعر
 كان إبراهيم ناجى يدرس الطب ويقرأ الشعر والأدب هواية.. وقد تخرج ناجى فى مدرسة الطب العليا عام 1922 وبدأ يعمل فى تخصصه فى عدة محافظات.. ولم ينس هوايته وموهبته الشعرية.. وعلى حد قوله.. كان يكتب الأدب كأنه علم ويزاول الطب كأنه فن.. وكانت عيادته تكتظ بالمرضى الفقراء الذين يعالجهم مجانا.
 كان كطبيب يعالج آهات الجسد وأمراضه وكشاعر ينصت إلى أنّات الروح وعذابها.. فى مدينة المنصورة نظم ناجى قصيدة (صخرة الملتقى) وبعث بها إلى مجلة السياسة الأسبوعية التى كانت أكبر صحيفة أسبوعية أدبية فاحتفت بها ونشرتها..
 وقد رحبت الحياة الأدبية بشاعرنا إبراهيم ناجى بعد عودته من المنصورة وانتشار شعره، وكان إنتاجه الأدبى لم يقتصر على الشعر، فقد ترجم لكتّاب إنجليز وإيطاليين ودرس عن كبار الشعراء.. ولم ينس  ناجى أنه طبيب فأصدر مجلة (حكيم البيت)..
 لقد كتب ناجى فى جميع ألوان الشعر.. الوطنى.. العاطفى.. الوصفى.. المديح.. الرثاء.. بل وكتب الشعر (الحلمنتيشى) الذى يقوم على نقد المجتمع بطريقة فكاهية.
• الحب فى حياة ناجى
 اهتم ناجى فى شعره بالمرأة اهتماما ملحوظا حتى قال عنه الأديب (نعمان عاشور): إن ناجى كلما رأى امرأة وقع فى حبها.. وعن الحب يقول ناجى:
(الحب علمنى أن أحب الناس والدنيا جميعا).
كانت صولات وجولات ناجى مع المرأة تجلت فى قصائد عديدة مع عدد من فنانات ممثلات.. وكاتبات ذلك الزمن.. وقد كانت خناقات بين اثنتين منهما عن أن القصيدة (الفلانية) كانت لها.. أو.. عنها..
 أحب ناجى المرأة واحترم دورها فى الحياة وأشفق عليها من قيود حبه لها.. فقد كان لناجى حبيبة واحدة هى التى ألهمته روائع عديدة من بينها رائعة الأطلال.
وقد قال ناجى ردا على أنه لم يشرب الخمر مثل الشعراء.. إن خمر حياته هو الحب لا، الحب هو عصارة قلبه.. وما الخمر إلا عصارة من العصارات.
• وراء الغَمَام
 هو اسم ديوانه الشعرى الأول الذى نشره عام 1934.. وقد هاجمه الدكتور (طه حسين) والأستاذ (عباس العقاد).. وقامت معركة أدبية فجرها ذلك الديوان.. الطريف أن تلك المعركة اشتعلت وصاحبها أو مسببها كان فى أوروبا.. وقد صدرت بقية كتبه بعد وفاته فى خمسينيات القرن العشرين ..
 لقد عاش إبراهيم ناجى قصة حب للجميع.. يعالج المرضى مجانا.. يحث الشباب على العمل وحب الوطن.. يسمو بالروح وينشر الجمال وقد حول عيادته فى شبرا إلى صالون أدبى علمى.. يجتمع فيه مع أصدقائه وتلاميذه.. فقد عاش ناجى عطاء بلا حدود.. حبا من القلب.. ولد غنيا ومات فقيرا.. عالج المرضى وهو المريض بالسّكر.. وداء الرئة.
وأخيرا نقول: إبراهيم ناجى قصيدة حب خالدة فى تاريخ الأدب المصرى.•