السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لإنقاذ اقتصاد الدواء المصرى مطلوب فورا إنشاء مصنع للمواد الفعالة للأدوية

لإنقاذ اقتصاد الدواء المصرى مطلوب فورا إنشاء مصنع للمواد  الفعالة للأدوية
لإنقاذ اقتصاد الدواء المصرى مطلوب فورا إنشاء مصنع للمواد الفعالة للأدوية


يعتبر الدواء إحدى السلع الاستراتيجية التى لا يستغنى عنها مجتمع أو دولة، لأنه الشق الثانى فى المنظومة العلاجية بعد التشخيص أو الجراحة. واستقرار سوق الدواء مرهون بقدرة الدولة على توفيره للمريض فى الوقت والمكان المناسبين. وتعانى مصر بشكل شبه مستمر من نقص أو اختفاء أحد الأدوية الضرورية أو الأساسية من السوق، بسبب انعدام الرؤية وعشوائية التخطيط فى السياسات الدوائية المصرية, خصوصا فى العقد الأخير من النظام السابق، وتسعى الحكومة جاهدة لحل هذه الأزمة لكنها دائما تكون حلولا مؤقتة دون حل جذرى، والدليل تكرار الأزمة عدة مرات، ولكن الأمر يحتاج وضع استراتيجية أو خطة لحل تلك المشكلة من جذورها.
فى هذه السطور نستطلع رأى خبراء الصيادلة فى تلك الأزمة المتكررة وأسبابها وحلولها.
فى البداية قال د. ياسر إبراهيم، صيدلى: صناعة الدواء فى مصر تقوم على استيراد المواد الخام الدوائية ثم تصنيعها وإخراجها للسوق فى الشكل الدوائى النهائى، وأى خلل فى استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج، أحد أهم الأسباب لحدوث الأزمات المتكررة لنقص الدواء. والأدوية المصنعة محليًا لا تغطى كل احتياجات السوق، حيث تستورد مصر حوالى 10% من احتياجاتها من الأدوية «فى شكلها النهائى»، وأى خلل فى استيرادها يسبب أيضًا أزمة، حيث إن معظم المستورد من الخارج أدوية ضرورية «مثل الأنسولين وأدوية علاج السرطان وألبان الأطفال».
 وأضاف «إبراهيم»: توجد عوامل داخلية كثيرة تسبب أزمات نقص أدوية فى السوق، أهمها الاحتكار ومشاكل تسعير الدواء، حيث تتعمد بعض شركات إنتاج الأدوية وتوزيعها «تعطيش» السوق من بعض الأدوية كأسلوب ضغط لرفع سعر تلك الأدوية بشكل رسمى من خلال وزارة الصحة أو حتى بشكل غير قانونى ببيعها فى السوق السوداء بأسعار أكثر بكثير من أسعارها الرسمية.. وذلك بالاضافة إلى وجود مشاكل فى خطوط الإنتاج بمصانع الأدوية وأيضًا توقف بعض شركات الأدوية عن إنتاج بعض الأصناف لانخفاض أو انعدام الجدوى الاقتصادية لها.
• مصالح الشركات العالمية
وسوق الدواء تنقسم «قطاع عام» خاضع للحكومة تديره الشركات القابضة للأدوية، و«قطاع خاص» لمستثمرين مصريين وأجانب، والقطاع الخاص هو الأكبر حجما والأكثر تأثيرا، لأنه يغطى معظم احتياجات السوق من الدواء سواء المحلى أو المستورد، حيث لا يغطى القطاع العام إلا 19% فقط من احتياجات السوق «من حيث عدد الوحدات»، والجانب الربحى يحتل الأولوية لدى المستثمر، لذا تقصر شركات الأدوية المنتجة والمستوردة عن توفير بعض الأصناف أحيانًا إذا لم تجد لذلك جدوى ربحية.
وأكد أهمية وجود مسئولية قانونية على تلك الشركات لتوفير الدواء الذى تم منحها ترخيص إنتاجه أو استيراده، بحيث يتم تغريمها أو اتخاذ قرارات جزائية ضدها إذا تعمدت أو قصرت فى توفير أدويتها دون إبداء الأسباب والمبررات القسرية التى اضطرتها لذلك، على أن تكون تلك المسئولية القانونية مقصورة على الأدوية الضرورية والأساسية، وأن يتم تطبيق الغرامات والجزاءات بدرجة عالية من المرونة ودون إحداث أضرار بالغة بشركات الأدوية، ومع مراعاة الظروف القسرية والخارجة عن ارادة تلك الشركات والتى قد تضطرها إلى التقصير فى إنتاج واستيراد تلك الأدوية الضرورية والأساسية.
وطالب بإعادة النظر فى قواعد تسعير الأدوية، لأن حل مساوئ النظام القديم فى التسعير لا يكون بإنشاء قانون تسعير جديد كارثى يراعى مصالح الشركات العالمية على حساب المريض المصرى، بل كان يتلخص فى تقليل مدة ومراحل تعديل الأسعار نظرا للتغيرات السريعة على سعر الأدوية المستوردة وأسعار المواد الخام الدوائية المستوردة، خاصة فى ظل المتغيرات الدولية وتقلبات الاقتصاد العالمى وارتفاع سعر صرف الدولار .
وهناك حاجة ماسة لمجلس أعلى للصيدلة والدواء يختص بوضع السياسات والتشريعات والقوانين المنظمة لقطاع الصيدلة والدواء فى مصر بجانب مراقبة وتطوير هذا القطاع وحل مشاكله المؤقتة والمزمنة ومنها أزمة نقص الدواء. وقال د. أيمن سعد، صيدلى: رغم أن عدد مصانع الدواء فى مصر نحو 140 مصنعا، ظهرت مؤخراً أزمة نواقص الأدوية، لأن جميعها تستورد المواد الخام الدوائية ومستلزمات التصنيع من الخارج، التى تمثل نحو 90% من مستلزمات إنتاج الأدوية المصنعة محليا، ومع ظهور السوق السوداء للدولار منذ عامين تفاقمت الأزمة بشكل كبير، حيث لم تستطع الحكومة توفير الدولار بالبنوك للشركات، لشراء احتياجاتها من الخارج، والحكومة تفرض تسعيرة جبرية، مما أدى لاختفاء أصناف كثيرة، وصل عددها نحو 400 صنف فى مايو 2015 ولكن تعايش معها المجتمع بسبب وجود بدائل-حتى لو كانت بسعر مرتفع- ومخزون كاف.
وتفاقمت الأزمة الأخيرة بعد تعويم الجنيه، وكان من الطبيعى أن ترتفع تكلفة صناعة الدواء بأكثر من 40 % وأدى ذلك لتوقف الشركات عن استيراد المادة الخام، وللأسف لم تكن هناك استعدادات من جانب الحكومة لمواجهة الوضع الحالى فيما يخص الدواء، وأيضا الشركات التى تشترى مستلزمات طبية أوقفت توريدها للمستشفيات، مطالبين الحكومة برفع السعر، لأن التسعيرة جبرية.
وأوضح أن الحل يكمن فى توفير مصنع او اثنين كبداية وتكون مصانع حقيقية لا للتغليف فقط وتطوير البحث العلمى أساس كل شىء حتى يكون الدواء متوافرا فى أرضنا داخل بلادنا بدلا من استيراده والاكتفاء بتغليفه فقط، حتى لا تكون مشكلة أبدية إلى أن تمتلك مصر زمام الأمور فى تصنيع الدواء بأيديها فمثلا إذا نظرت إلى النسبة الواقعية لصناعة الدواء فى مصر فستجد أننا نستورد 95% من مكونات الدواء والـ 5%المتبقية هى التغليف الذى تنفذه مصانع الدواء فى مصر. ويجب على الحكومة توجيه اهتمامها فى هذه المرحلة إلى إنشاء مصانع لإنتاج المواد الخام الدوائية فى مصر وتحفيز القطاع الخاص للخوض فى هذا المجال وتذليل العقبات التى تواجهه أملا فى أن نصل فى وقت قصير نسبيا إلى تغطية شريحة واسعة من المواد الخام الدوائية خاصة التى تدخل فى إنتاج الأدوية من فئة الأدوية الضرورية والأساسية..
وقال الدكتور نبيل محيى عبــد الحميد، أستــاذ بيولوجيا الأورام والعميد السابق لكلية الصيدلـــة بجامعة كفر الشيخ وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمجلس علماء مصر: تعتبر تجارة الدواء ثانى أهم تجارة عالمية بعد السلاح وتليها تجارة الذهب والمجوهرات. من هنا فإن الشركات التى تصنع الدواء وتتاجر فيه تستطيع أن تجنى أموالاً طائلة وعملات أجنبية لو أحسنت إدارة واستثمار تلك الصناعة الهائلة. وقد بدا ذلك فى المكاسب الطائلة التى حققتها الشركات الأمريكية والسويسرية التى اعتمدنا عليها واعتمد العالم عليها لعقود من الزمان. وللحق فإن مصر كانت رائدة فى مجال تصنيع الدواء من قديم الأزل، وتجلى ذلك فى أقدم مصانعها القومية مثل هيئة المصل واللقاح التى تأسست فى مطلع القرن العشرين وتلتها شركات وطنية مثل مصر للمستحضرات الطبية -القاهرة والعربية وممفيس وسيد وغيرها. تلك المصانع استطاعت أن تضع مصر قديما على طريق التصنيع المحلى الذى خدم الوطن لحوالى 100 عام حتى الآن، بل ساهمت المنتجات الدوائية المصرية فى حل أزمات لدول عربية ومازالت.
 • تصدير وليس استيراداً
ثم بدأت شركات ومصانع القطاع الخاص فى الدخول إلى ساحة التصنيع وبقوة فى بداية الثمانينيات، وساهمت بشكل كبير فى إثراء الاقتصاد المصرى لكن بشكل متواضع، رغم أن بعضها وصلت إسهاماته إلى حوالى 30 % من تجارة الدواء فى أفريقيا.
وقد أضاف «عبد الحميد»: لقد وصل عدد مصانع الدواء فى مصر إلى حوالى 145 حتى الآن، ومتوقع أن تصل إلى 200 مصنع فى عام 2020. وشأن تلك الصناعة شأن باقى الصناعات، تتأثر بتغيرات العملة والسوق الاقتصادية بشكل عام. وإلى الآن تستورد مصر حوالى 90% من المواد الفعالة التى تدخل فى تصنيع الأدوية فى الشركات المصرية، وهذا يمثل استنزافا هائلا لرأس المال المصرى واضرارا بالعملات والميزان الاقتصادى، رغم أن كل الخبرات لتصنيع المواد الفعالة موجودة فى مصر، لذلك أصبح لزاما على كل الشركات والمصانع المصرية ومنها الأدوية أن تزيد حجم الصادرات وليس الواردات، كما أطالب القيادة السياسية بتدشين مبادرة واتخاذ قرار جرىء لإنشاء 3 مصانع لإنتاج المادة الفعالة فى 4 مناطق مصرية مختلفة وهى: الإسكندرية شمالا والصعيد جنوبا و سيناء شرقا ووسط مصر الجيزة.
ولأن البلد أصبح يمر بمنعطف اقتصادى مهم وخطير، بل أصبح لزاما على كل الشركات والمصانع المصرية ومنها الأدوية أن تزيد حجم الصادرات وليس الواردات، بل تضع سقفا عاليا جدا للتصدير على حساب الاستيراد، فأطالب القيادة السياسية الوطنية المحترمة، كما بدأت بالدخول فى مشاريع قومية هائلة وواعدة أن تملك زمام المبادرة لتدشين 3 مصانع لإنتاج المادة الفعالة فى 4 مناطق مصرية مختلفة، الاسكندرية شمالا والصعيد جنوبا وسيناء شرقا ووسط مصر  الجيزة، أن تضع أساساً لأربعة مصانع للمواد الفعالة. وأضاف، «عبد الحميد» مصر تمتلك الخبرات العلمية المتراكمة وتخرج جامعاتها سنويا أكثر من 12 ألف صيدلى وأكثر منهم علوم قسم كيمياء. ولنا أن نتصور لو دشنا مصنعا يخدم  145 مصنعا فى مصر ومثلها وأكثر فى الشرق الأوسط وأفريقيا وربما غيرها.. مع العلم أن مصنع المواد الكيمائية الفعالة لا تقتصر منتجاته فقط على الأدوية البشرية بل أيضا البيطرية والمبيدات الحشرية والمخصبات الزراعية التى تمنع تساقط الثمرة والزهرة وتحافظ على الإنتاج والتحكم فى حجم الثمار وكمياتها وهكذا، وهذا القرارسيضخ مليارات إلى مصر ويمنع مليارات من الخروج خارجها ويوظف آلافا من خريجيها. •