الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

القاهرة حبيتى

القاهرة حبيتى
القاهرة حبيتى


[if gte mso 9]>

Normal
0


false
false
false







MicrosoftInternetExplorer4








لو بدأت حسابها بالفاطمية لحسبت عمرها ما تجاوز الألف عام ولو حسبتها من الفسطاط والفتوحات والعسكر والطولونية لزادت هذه الألف عدة مئات، ولو أوغلت فى الزمان دون أن تترك المكان لوجدت أن هذا الموضع بالذات ومن حوله ومن قربه قامت أيضا عواصم مصر الأخرى الموغلة فى القدم.
هذا العنوان والكلمات للكاتب الكبير كامل زهيرى كتب عن حبيبته وحبيبتنا القاهرة مقالا رائعا من تسعينيات القرن الماضى.. ومن هذا المقال كتب: كانت منف القديمة ناحية الغرب وكانت عين شمس فى أقصى الشمال، وخلاصة هذه الألف ومن قبلها عدة آلاف نعرف أن التاريخ حط رحاله آخر الأمر عند هذا الموقع المتفرد الذى تقوم عليه القاهرة الآن.. وكان الزمان هو الذى اقترح المكان قبل أن تضرب فيه أول خيمة أو يوضع عليه حجر للبناء.. وصاحبت حركة القاهرة من المكان حركة الزمان قبل تحول مجرى النهر ذاته صوب الغرب.. ومن يصدق الآن أن  نهر النيل كان يجرى دافقا أيام زمان فى المكان الذى يقع فيه الآن شارع عماد الدين وسط القاهرة.
 
 القاهرة المحروسة
وقد صدر للكاتب «عباس الطرابيلى» كتاب شيق عن «أحياء القاهرة المحروسة» ومن مقدمته: «كانت العاصمة لمصر الإسلامية نشأت حول فسطاط القائد عمرو بن العاص أى حول خيمة القائد الذى انتصر على الرومان المحتلين، ومن هنا جاء اسم العاصمة الفسطاط عام 21هجريا ـ 641ميلاديا وظلت الفسطاط عاصمة لمصر لمدة 112 عاما إلى أن زالت دولة بنى أمية وكان جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد بنى فى مصر بل فى قارة أفريقيا... ومع عصر الدولة العباسية تم بناء مدينة العسكر لتصبح عاصمة لمصر، ثم انتقلت عاصمة مصر إلى القطائع التى أنشأها أحمد بن طولون الذى كان أول من استقل بمصر عن الخلافة العباسية.. أى جعل مصر دولة مستقلة وأراد ابن طولون أن تكون له عاصمة تفخر بها مصر المستقلة فأقامها شمال شرق مدينة العسكر عام 652 ميلادية.
 
وبعد مرور مائة عام بالتمام على إنشاء  القطائع بنى جوهر الصقلى عاصمة الفاطميين القاهرة عام 969 ميلادية تلك العواصم الأربع لمصر التحمت فى عاصمة واحدة هى التى نعرفها الآن باسم القاهرة ويعرفها العامة باسم مصر فإذا سئل الصعيدى أو البحراوى إلى أين أنت ذاهب تكون إجابته رايح مصر فالقاهرة هى مصر ومصر هى القاهرة.
 
ولا أدرى من أين جاءت فكرة أن الذى بنى مصر كان حلوانيا لكن الكاتب عباس الطرابيلى فى شرحه التاريخى يقول.
 
بانى مصر لم يكن حلوانيا
بل كان رومى الأصل ذلك أن جوهر الصقلى قائد الجيش الفاطمى الذى فتح مصر هو أبوالحسن جوهر بن عبدالله القائد الرومى المعزى المعروف بالكاتب، والذى يعود أصله إلى جزيرة صقلية.. وقد فتح مصر وملكها بعد عدة حروب عام 853 هجرية وبنى القاهرة وخصص بها بناء الجامع الأزهر.. وكانت قاهرة جوهر الصقلى مخصصة للحاكم والحكومة وقادة الجيش ولم تكن مدينة للشعب حتى بعد أن أصبحت عاصمة للبلاد بعد إنشائها بأربع سنوات.. ولم يسكن الشعب المصرى العاصمة إلا عندما انتهى حكم الفاطميين.
 
ويحكى «الطرابيلى» عن تاريخ القاهرة أنها عاشت أياما بيضاء شهدت مصر مجدها كما عاشت أياما سوداء كانت هى أيام انكسارها بسبب الصراع على السلطة بين المماليك إلى أن تمكن «محمد على باشا» من السيطرة على الأمور عام 5081 ميلادية وكان للرجل مشاريعه وطموحه لتطوير البلاد وبدأ بالعناية بمدينة القاهرة.
 
ويحكى «الطرابيلى» عن تاريخ القاهرة وكيف أصابها الإهمال مرة أخرى بعد حكم محمد على إلى أن تولى الحكم «الخديو إسماعيل» الذى أحزنه ما وصلت إليه عاصمة بلاده، وكان يحلم أن تصبح عاصمة ملكه  هى «باريس» الشرق بعد أن عاش ودرس فى باريس فرنسا.. وقد استعان إسماعيل بالفرنسيين والمصريين الذين درسوا فى الخارج لتخطيط القاهرة الحديثة.. وقد كانت إصلاحات إسماعيل كثيرة لمعيشة سكان القاهرة والتى قرر أن تكون عاصمة الحكم وأنشأ قصر «عابدين» ليكون مقرا لحكم مصر.. ليحيا بين شعبه ويحتمى به لا أن يحتمى بأسوار القلعة الحصينة التى بناها «صلاح الدين» واستمرت مقرا للحكم لسنين طويلة.
ولنرى بعض ما أنشأ فى عهد إسماعيل للقاهرة من كتاب:
 
 أم الدنيا
للكاتبة العزيزة د. عزة بدر والكتاب به مجموعة من صور قلمية فى وصف القاهرة وناسها.. نكتب منها «شوارع الزمن الجميل» التى نشأت فى عصر إسماعيل باشا.. تكتب الكاتبة عن شوارع وسط البلد.. هذه المنطقة كانت تسمى بحى الإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل باشا.. وميدان الإسماعيلية.. هو ميدان التحرير الآن.. تحكى لنا عزة أن إسماعيل قد كلف كبير مهندسى مصر «على باشا مبارك» بتحويل هذه المنطقة إلى واجهة حضارية للعاصمة فأصبحت كما قال على باشا مبارك: من أبهج مناطق القاهرة وأعمرها وسكنها الأمراء والأعيان وتغلب على السمات المعمارية لمبانى وعمائر وسط البلد فى شارع فؤاد وسليمان باشا وغيرهما من شوارع وسط البلد سمات الطراز المعمارى الفرنسى.
وتعرفنا الكاتبة عزة بدر أن الشوارع الملكية التى ارتبطت بمسميات أشهر الملوك لم تدم.. وإنما الذى بقى مرتبطا بأسماء الشوارع من الشخصيات العامة.. هم أولئك الذين أسدوا لمصر وشعبها الأعمال العظيمة والخالدة.. أحبهم الشعب فظلت أسماؤهم عناوين لشوارع المحبة وأحياء الوفاء وأزقة الحنين والذكرى ومن الحق أن نقول أيضا أن بعض الشوارع قد تغيرت مسمياتها حسب تقلبات الأحوال فى الشارع السياسى للساسة والحكام.. ومع ذلك تبقى.
 
 شوارع الزمن الجميل
فى شوارع وسط البلد تتجول الكاتبة عزة بدر وتحكى لنا عن تاريخها وتاريخ أسماء أصحابها تحكى عن محلاتها.. والمقاهى.. ودور السينما.. ومن أنشأ كل ذلك.. تثير ذكريات الأجيال الذين عاشوا عظمة ونظافة وبهجة هذه الأماكن.. وتكتب:
 
وسط البلد الذى يتغير من عصر إلى عصر وينتقل من مكان إلى مكان كأنه كائن حى يطول وينمو.. يتفرع ويتناسل فيلد شوارع وأحياء حارات وأزقة وفى كل مرة يكون لوسط البلد أينما كان ذلك العبق وتلك الروح التى تميز الأمكنة فى مصر معطرة بالأصالة متدفقة بالحيوية تضرب بأعراقها فى عمق التاريخ والزمن وتتساءل عزة.. هل ظلت الشوارع كما هى.. لها نفس الطعم ونفس الرائحة!
 
 لا يا عزيزتى عزة.. هذه الشوارع تغيرت ولا أدرى تماما متى تغيرت منذ عشر سنوات.. أكثر.. أقل.. ربما.. وعندما أشعر بشوق للقاهرة التى أحبها.. أبحث عنها فى مقالات وكتب عشاقها.. أبحث عنها فى التاريخ القديم والحديث.. أبحث عنها فى ذكرياتى أنا.. وهذا الشوق دفعنى للكتابة عنها فى هذا العدد.