جدل بعد إغلاق 120 وصباح الخير حدة ثقافية و تفتح النقاش
نفتح الشباك ولاّ نقفله ؟!

استمعت للآراء: هايدى فاروق
أثار قرار غلق 120 وحدة ثقافية على مستوى الجمهورية حفيظة عدد من المثقفين، الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض لهذا القرار. فبينما رأى البعض أنه خطوة ضرورية لمواجهة الروتين الإدارى والتكدس الوظيفى، عبّر آخرون عن غضبهم، معتبرين أن هذه المقرات تشكل خط الدفاع الأول فى مواجهة أفكار العنف والإرهاب، والقادرة على دعم المبدعين وتقديم منتج ثقافى حقيقى، بعيدًا عن حسابات النوادى الخاصة وتأثير الاتجاهات السياسية.
وأكد الرافضون للقرار أن بيوت الثقافة ليست مجرد أبنية خاسرة، بل هى مساحات مقاومة للجهل والتهميش، مشددين على أن تقييم دورها لا يجوز أن يكون بمنطق الربح والخسارة المالية فقط، لأن هذا المنطق يعكس أزمة أعمق فى فهم الثقافة بوصفها خدمة عامة. وفى المقابل، أكد وزير الثقافة د.أحمد فؤاد هنو خلال اجتماعه بلجنة الثقافة والسياحة والآثار بمجلس النواب مؤخرًا أن القرار جاء بعد مراجعة دقيقة لأداء تلك الوحدات، التى وصفها بأنها لا تؤدى رسالتها ولا تحقق تأثيرًا ثقافيًا ملموسًا، مشيرًا إلى أن الوزارة تمتلك 619 قصرًا ووحدة ثقافية، وأن 500 وحدة فقط كافية لتغطية احتياجات جميع المحافظات.
وأوضح هنو أن الغلق لن يشمل الوحدات الفعّالة والمؤثرة، مشيرًا إلى أن الهدف من القرار هو إعادة توجيه الموارد بما يخدم الرؤية الثقافية الجديدة، التى تركز على التفاعل والتأثير والوصول الحقيقى إلى المواطن.
وخلال الجلسة أكد النائب نادر مصطفى، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أن وزراء الثقافة السابقين بذلوا جهودًا كبيرة لتوفير مقار مستأجرة لبيوت الثقافة، مما أتاح تنظيم الندوات والأنشطة الفنية وتقديم خدمات ثقافية فى مختلف المحافظات، لكن القرار الحالى صدر دون دراسة متأنية أو خطة واضحة لتعويض الفراغ الناتج، مضيفًا أن الدولة سبق أن خصصت أراضى لبناء قصور ثقافة جديدة، إلا أن الوزارة تنازلت عنها بحجة ضعف الإمكانيات. بالإضافة إلى توقف العديد من الأنشطة الثقافية بحجة أعمال الصيانة، مما زاد من حالة الجمود والتراجع فى المشهد الثقافى.
الوعى الجمعى
ووصفت النائبة ضحى عاصى عضو لجنة الثقافة بمجلس النواب، القرار بأنه تراجع خطير عن الدور التنويرى للدولة، وإضعاف لأدوات بناء الوعى الجمعى، وتقدمت بطلب إحاطة بخصوص غلق بيوت الثقافة طرحت فيه عددًا من البدائل القابلة للتنفيذ.
وقالت عاصى فى المذكرة التفسيرية؛ إن الثقافة ليست رفاهية؛ بل حق دستورى يجب أن يُصان كفلته المادة 48 من الدستور، فالثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك. وتولى اهتمامًا خاصًا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجًا.
ورأت أن المقرات الثابتة ليست مجرد جدران، بل رموز مجتمعية متجذرة، تشكل فضاءات للتلاقى والمعرفة والتعبير المحلى، وتربط الأجيال بالمكان. كما أن إغلاق هذه المراكز يعنى خسارة غير قابلة للتعويض فى بعض المناطق، وأن الحديث عن التكاليف أو المساحات لا يوازى هذه الخسائر غير المادية.؛ فضلًا عن أن الحلول المقترحة لا تُعالج الجذر الحقيقى للمشكلة، بل تلتف حوله، وتحمل تراجعًا واضحًا فى الدور الثقافى باسم التكيف مع الواقع.
وأكدت عاصى وهى نائبة من حزب التجمع وكاتبة وروائية، أن الغلق ليس إصلاحًا بل هدمًا هادئًا لبنية ثقافية راسخة شيدها الشعب ورأت ما يطرح كبدائل هو «خطاب تقنى» بلا روح يغفل السياق ويقصى الإنسان.
واعتبرت أن بيوت الثقافة ليست أبنية خاسرة بل مساحات مقاومة للجهل والتهميش، وإن تقييم دورها لا يجوز بمنطق الربح والخسارة المالية فقط، هذا المنطق يعكس أزمة أعمق فى فهم الثقافة بوصفها خدمة عامة.
وقالت إن بيوت الثقافة، حتى فى أبسط صورها، تلعب دورًا أساسيًا فى توفير الحد الأدنى من الخدمات الثقافية للمواطنين، خصوصًا فى القرى والنجوع والمناطق النائية ووجودها الرمزى والمكانى يشكّل دعامة رئيسية للتماسك المجتمعى.
وشددت عاصى على أن المسئولية عن تردى حالتها لا تقع على الجمهور، بل على وزارة الثقافة التى أهملت صيانتها لعقود؛ كما أن وجهة النظر الرسمية المتعلقة بزيادة عدد الموظفين وعدم فعاليتهم، هى مشكلة إدارية بحتة، وحلّها لا يكون بإغلاق المؤسسات الثقافية، بل من خلال إعادة هيكلة الوظائف، وتوفير برامج تدريب وتأهيل، ووضع آليات واضحة لتقييم الأداء والمساءلة.
خط الدفاع الأول
من جهتها ترى الكاتبة منى ماهر، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر وعضو مجلس إدارة نادى القصة، أن أى مكان ثقافى معتمد يجب أن يُدار بشكل جيد، ويعمل بكفاءة وجدية، مؤكدة أن هناك الكثير من محبى الأدب، ومن الشباب والمبدعين، فى أمسّ الحاجة إلى وجود البيوت الثقافية، للنقاش وتبادل الآراء الثقافية وإقامة الندوات.
وأضافت: وللأسف، لا يمكن مقارنة هذه البيوت بالنوادى الأدبية الخاصة، لأن ما يتبع وزارة الثقافة المصرية يظل جادًا وحقيقيًا، وبعيدًا عن أى مصالح أو حسابات، بينما تُدار بعض الكيانات الخاصة وفقًا لأهواء أصحابها، وتناقش أحيانًا أعمالًا إبداعية دون المستوى فضلًا عن أن بعض تلك التجمعات تحمل توجهات «إخوانية»، وقد شهدتُ ذلك بنفسى، حين حضرت لبعض الوقت من باب الفضول، فهالنى ما رأيت وسمعت، ناهيك عن ضعف المنتج الثقافى، وغياب الإبداع، وضبابية الرؤية النقدية، فضلًا عن تحكم المصالح فى إعلاء قيمة من لا قيمة ثقافية له من الأساس.
ورأت أن قرار الوزارة جانبه الصواب، لأن التطوير لا يعنى الإغلاق، بل قد يكون بالدمج أو إعادة الهيكلة والتأهيل. فهذه الوحدات تمثل قوة مواجهة، وخط دفاع حقيقيًا ضد لغة الشارع، وتسطيح الفكر، وخواء المنتج الإبداعى.

وقالت إن الثقافة حاليًا لها «ألتراس»، من يريد أن يكتب ويشتهر يحيط نفسه بهذا الألتراس، لكن المثقف الحقيقى لا يستطيع مجاراة هذا النمط. لذلك، تظل بيوت الثقافة ملاذًا حقيقيًا للمبدع الجاد، الباحث عن مضمون حقيقى، يستهدف الوعى، لا الضجيج.
تماسك الجبهة الداخلية
«القرار للوهلة الأولى أثار دهشتى، فكلنا يعرف الاحتياج الحقيقى للقرى والبلدات الصغيرة لفعاليات ثقافية تنقذها من العزلة والتهميش، لكن اكتشفت أن ما يحدث هو فى الواقع إحدى حلقات اعتبار الثقافة رفاهية والإنفاق عليها إهدار للمال العام».. هذا ما قالته الكاتبة والروائية عزة رشاد موضحة أن ما تم مع المؤتمرات التى كانت تتوج مصر كرائدة للثقافة العربية، ولكن تم إلغاؤها بجرة قلم رغم أننا لا نتوقف عن ترديد عبارة أن الثقافة هى القوة الناعمة لأى دولة، فألغينا مؤتمر القاهرة للرواية، إلى أجل غير مسمى، وكذلك مؤتمر القصة العربية وغيرهما، كما أهملنا تقدير النابغين والمتميزين، فما زالت جوائز الدولة بنفس عددها كما كانت منذ عقود عند بداية إقرارها، وما زالت دون توسع، رغم الزيادة السكانية والحضارية، علما بأن غالبية الدول، متقدمة أو نامية، تتعامل مع الثقافة باعتبارها استثمارًا فى العقول، وضمانًا لتماسك الجبهة الداخلية والمجتمع ككل، الثقافة ضمان أيضًا للمستقبل، فالعلم الذى يبنى ويغير هو جزء من الثقافة، الجزء المنوط به التقدم المادى، أما الفن والأدب فهما الجزء المعنوى والروحانى الذى ينقذنا من ضيق الأفق ومن التشدد الفكرى والدينى، أى ينقذنا من الإرهاب، وعندما نهمل الثقافة فإننا بدون أن نشعر نعيد إنتاج الإرهاب. ولا أتصور أن يتم التضحية بالثقافة من أجل توفير بعض الأموال.
بدوره قال الدكتور أسامة البحيرى، رئيس اتحاد كتاب مصر «فرع الغربية»: إن النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر عقدت اجتماعًا مع اللواء خالد اللبان، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، لمناقشة القرار الأخير المتعلق بإعادة هيكلة بيوت الثقافة، والذى أشار إلى أن الإيرادات الحالية ضعيفة للغاية مقارنة بحجم الإنفاق، حيث تلتهم المرتبات وحدها نحو 60% من الميزانية. وكشف أنه تم اكتشاف أن عددًا كبيرًا من بيوت الثقافة تُثقلها أعباء مالية ورواتب، وبعضها مغلق بالجنازير منذ سنوات، فى حين يعمل بعضها الآخر بعدد ضخم من الموظفين يصل أحيانًا إلى 30 موظفًا رغم محدودية النشاط.

وأوضح البحيرى أن هناك تخمة فى عدد المراكز الثقافية والمكتبات العامة فى القاهرة والإسكندرية، فى مقابل معاناة محافظات أخرى من الفقر الشديد فى البنية الثقافية وسوء التوزيع. وضرب مثالًا بمدينة طنطا، وهى عاصمة المحافظة وتعتبر مدينة كبيرة، حيث تقع مديرية الثقافة فى شقة بالدور الخامس، وكان قصر ثقافة المدينة مستأجرًا، إلا أن المالك استرده، ما تسبب فى توقف نشاط نادى الأدب وكافة الفعاليات الثقافية، رغم مكانة المدينة.
وفى المحلة الكبرى، وهى مدينة كبرى أيضا لا يزال قصر الثقافة مغلقًا للترميم منذ سنوات، بعد أن كان نقطة إشعاع ثقافى مهمة فى الماضى.
وطالب البحيرى بإعادة هيكلة المنظومة الثقافية، وتحسين إدارتها، وتوظيف الإمكانات والطاقات البشرية بشكل أكثر فاعلية، مشددًا على أهمية الوصول إلى المناطق النائية عبر عربات ثقافية متنقلة ومكتبات تجوب القرى والنجوع، خاصة أن نصف بيوت الثقافة تتركز فى القاهرة والإسكندرية، بينما تعانى باقى المحافظات من التهميش الثقافى.
بديل سريع
فى حين اعتبر الأديب نشأت المصرى أن الحراك الثقافى عمومًا فى تراجع ويحتاج إلى وسائل إنقاذ عاجلة مع مضاعفة الجهود الطيبة التى برزت فى بعض المؤسسات مثل المركز القومى لثقافة الطفل الذى حقق نجاحات ملموسة. وبالتالى فلابد من إيجاد حلول عاجلة تعوض الإغلاق ورأيى أن إيجاد بديل حقيقى سواء من منشآت وزارة الثقافة أو الاتفاق مع مؤسسات أخرى لها فروع على مستوى الجمهورية مثل وزارة التربية والتعليم أو الجامعات، وقال إن المكتبات المتنقلة ستقدم خدمة ثقافية لكنها لا تترسخ بالاعتياد على التعامل مع مكان محدد فى أى وقت بل ستضاعف التكلفة دون نتيجة، فضلًا عن أن ذلك سيتطلب مراجعة دقيقة لكفاءة المحاضرين المعتمدين فى الهيئة، فبعضهم للأسف غير مؤهل لهذه المهمة، وهذا يتطلب بشكل مواز رفع مكافآت هؤلاء المحاضرين المتميزين وتدبير وسائل انتقال لهم.
فى المقابل قالت منى عمر عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، إنها مع غلق بعض بيوت الثقافة التى لا تؤدى دورًا فعالًا على الإطلاق وبها عدد كبير من العاملين ومؤجرة برقم مالى كبير؛ لأنها لا تؤدى الدور المطلوب منها، لكن شرط أن يجرى تقييم كل البيوت بشكل دقيق وعلى أرض الواقع قبل اتخاذ قرار غلقها، مع عدم إغلاق البيوت التى تضم نوادى أدبية أو فرقًا مسرحية أو ورشًا فنية فعالة.
وأكدت النائبة البرلمانية فى تصريحات صحفية، أنه فى المقابل هناك بيوت للثقافة تؤدى دورا حيويا فى كثير من المناطق ولا يجوز غلقها لأنها تقدم رسالة ثقافية قوية للأطفال والكبار، وفى حال غلقها سوف يكون البديل لهم الشارع.
وشددت على أن العمل الثقافى يحمل فى مضمونه رسالة سامية تهدف إلى الارتقاء فكريا بالمجتمع ودعم القيم الايجابية فيه، وتعتبر من أهم دعائم الأمن القومى وتشكل حائط صد منيعًا أمام مؤامرات الغزو الثقافى الخارجى.
وثمّنت عمر، رؤية وزارة الثقافة التى تعمل على تفعيل استراتيجية جديدة تهدف إلى مواكبة العصر والتحول الرقمى، ومن بينها تفعيل تطبيقات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى؛ تهدف إلى الوصول لأكبر عدد من المواطنين وتفعيل دور المكتبات وعمل مسارح متنقلة وغيرها من الأدوات الحديثة.