الأربعاء 19 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جمعة سوداء.. وثلاثاء سيبرانى!

هيستريا التسوق.. هو أبلغ لفظٍ متداولٍ على المنصات الإلكترونية الأمريكية لوصف حالة الهرج والمرج التى تسود شوارع الولايات المتحدة فى يوم (الجمعة الأسود) من كل عام..!!



ليس هذا إنذارًا بكارثةٍ طبيعية، ولا هو نذيرٌ باندلاع حرب عالمية كبرى، إنما بداية أكبر موسم للتسوق فى الولايات المتحدة والذى تبدأ فعالياته يوم الخميس الرابع من شهر نوفمبر الموافق الـ27 من الشهر نفسه والمعروف بـ(عيد الشكر) والذى يبلغ ذروته يوم الجمعة الـ28 من نوفمبر، لينتهى بعطلة عيد الميلاد نهاية ديسمبر. 

وخلال يوم الجمعة الأسود (بلاك فرايداى) تزدحم الشوارع بالمارة وتكتظ المتاجر بالزبائن الذين يتوافدون بالملايين من شتى أقطار الولايات المتحدة، إقبالًا على العروض الترويجية المذهلة التى تقدمها المحال التجارية والتنزيلات المغرية التى تصاحب انطلاق موسم التسوق الأكبر فى أنحاء البلاد. 

ومع مواكبة مهرجانات التسوق الأمريكية موجة التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت التى شهدت انتشارًا واسعًا منذ مطلع الألفية، فإن موسم التسوق الأكبر لا يقتصر على يوم (الجمعة الأسود) فحسب، وإنما يمتد على مدار أسبوعٍ كاملٍ ليبلغ عتبة ليلة الاثنين حتى فجر الثلاثاء الذى يلى أسبوع عيد الشكر والذى يحمل بدوره اسمًا آخر رنانًا وهو «سايبر مونداى» أى (اثنين الإنترنت) أو (الإثنين السيبرانى).

ويُعد يوم الاثنين وفقًا لإحصائيات USA Today أكبر يومٍ للتسوق الإلكترونى على مدار العام، لما يقدمه من عروضٍ تنافسية وتخفيضاتٍ استثنائيةٍ على السلع والمعدات لاسيما الأدوات الكهربائية! 

 

المصطلح ظهر عام 1869
المصطلح ظهر عام 1869

 

البيانات الإحصائية التجارية تشير إلى أن التخفيضات على بعض السلع تصل فعلًا إلى 60% بل وأحيانًا 70% على منابر التسوق الإلكترونى. 

وخلال هذا الموسم فإن محفزات الشراء أكثر تنوعًا، حيث تلقى (برامج الولاء) رواجًا كبيرًا بين المستهلكين وهى برامج قائمة على منح العملاء مزايا شرائية استثنائية مثل بطاقات الخصومات وعرض التخفيضات فى أيام محددة وتقديم التنزيلات للعملاء الجدد الذين يقبلون على شراء السلع من متجر بعينه لأول مرة.

وبحسب الإحصاءات المحلية فإن المتاجر الأمريكية تجنى أرباحًا خيالية خلال يومين فقط هما (الجمعة الأسود) و(إثنين الانترنت) تربو على الـ20 مليار دولار..! 

وظهر مصطلح (الجمعة الأسود) لأول مرة فى عام 1869 فى الولايات المتحدة فى يوم تاريخى انهارت فيه أسعار الذهب والأسهم، أدى إلى حالة ركود اقتصادى وانهيارٍ فى أسعار الذهب.

سبب تلك الواقعة كان رغبة اثنين من كبار المضاربين فى بورصة وول ستريت آنذاك، فى احتكار سوق الذهب، فأقدما على شراء معظم مخزون هذا المعدن الثمين من الأسواق، ما أدى إلى انهيار أسعاره والتسبب فى حالة من الكساد استوجبت تدخل الرئيس الأمريكى وقتها للحيلولة دون تفاقم الوضع ودخول البلاد فى أزمة اقتصادية طاحنة. 

البداية الحقيقية لربط المصطلح بمهرجان التسوق، تعددت فيها الروايات، منها ما ينسبها إلى خمسينيات القرن العشرين حين شهدت مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا حالة من الاختناق المرورى والفوضى فى الشوارع بسبب تدفق الزاوار والمارة والسائحين على المتاجر فى اليوم التالى لعيد الشكر، ما أفضى إلى حالة من الفوضى المرورية، الأمر الذى أجبر رجال الشرطة على العمل لساعاتٍ إضافية بلا كللٍ.

 

ريشة: خضر حسن
ريشة: خضر حسن

 

وشهد اليوم بعض الحوادث التى تسبب فيها الزحام وسوء التنظيم ما دفع رجال الشرطة إلى وصف هذا اليوم بالجمعة الأسود. 

روايةٌ ثانية تشير إلى أن اصطلاح الجمعة السوداء يرمز إلى مؤشرات المكسب والخسارة التى يستخدمها التجار والمضاربون فى سوق الأسهم والسندات، فى إشارةٍ إلى أن (خانة الأحمر) معناها الخسارة أما الخانة السوداء فمعناها فى لغة التجارة تحقيق المكاسب وجنى الأرباح!! 

ورغم أن المصطلح نشأ فى الولايات المتحدة، لكنه لاقى رواجًا على مر العقود فى مختلف أنحاء العالم خصوصًا فى أوروبا وآسيا وأستراليا ونيوزيلانده. كذلك حقق رواجًا على مستوى العالم العربى لاسيما عبر المنابر الإلكترونية. 

وتمكن موقع (أمازون) بداية من عام 2014 من نقل مهرجان التسوق إلى السوق العربية فيما سمى بيوم (الجمعة الأبيض) تماشيًا مع ما يحظى به يوم الجمعة من قدسية دينية ومكانة اجتماعية خاصة لدى أبناء العالم العربى. 

ويحمل موسم التسوق خلال (الجمعة الأسود) وما يليه هذا العام مذاقًا مختلفًا، يعود إلى تصاعد دعاوى المقاطعة من قبل بعض النشطاء والمؤثرين على منابر التواصل الاجتماعى، ويدعون خلالها لمقاطعة كبرى المتاجر والشركات التى تبيع السلع الاستهلاكية التى يرى هؤلاء النشطاء أنها ليست ضرورية.

كما يرون فى دعاوى المقاطعة وسيلة للضغط على الحكومة الحالية لإنهاء الإغلاق الحكومى وسياسات تسريح العمالة وارتفاع معدلات التضخم والبطالة التى شكلت ضربة موجعة للاقتصاد الأمريكى فى الشهور الماضية كما مثلت تهديدًا مباشرًا لدخول الأسر من الطبقة المتوسطة ومن أبناء الطبقة الكادحة. 

ويدعو النشطاء يوم الجمعة السوداء المقبلة تحت شعار MASS BLACKOUT أى إظلامٍ جماعى إلى مقاطعة السلع الكمالية لمدة أسبوع فقط.

يبدأ هذا الأسبوع من الـ25 من نوفمبر إلى 2 ديسمبر الأمر الذى من شأنه أن يؤثر على مبيعات كبرى المتاجر سواء فى الأسواق أو على منابر التسوق الإلكترونية. 

ويظل السؤال معلقًا وسط زخم إقبال المستهلكين على الشراء فى موسم التسوق الأكبر: هل تلقى دعاوى المقاطعة رواجًا؟ أم أن لهفة الزبائن على السلع الاستهلاكية زهيدة الثمن ستحرك مؤشر الربح التجارى للسوق من داخل المربع الأحمر ليدخل إلى الخانة السوداء كالعادة؟