الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

دينا نجم.. والحارة الطيبة

 «لا تجزع فقد ينفتح الباب ذات يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة»..  إنها ببساطة روح الحارة المصرية وهى أدق ما وصف به أديب مصر العالمى نجيب محفوظ للحارة ولمن يسكنوها وهو المولود بحى «الجمالية» قلب القاهرة الفاطمية القديمة وعرف أسرارها  وخوافيها ويحكى لنا عن مشاعر أهلها ومكنوناتهم ما بين الأمل والألم وتحولاتهم الاجتماعية وتأرجحهم فى ظل ظروف اقتصادية مختلفة ورغم ذلك يخوضون فى الحياة بطموح الملائكة.



 

تأتى الحارة المصرية بعبقها التاريخى الممتد عبر عصور متتالية منذ تأسيس قاهرة المعز لدين الله واتخاذها عاصمة للفاطميين بعد أن بناها جوهر الصقلى وقسمها إلى حارات ضيقة لتتسع لجنوده وتمتد بعد ذلك وتتوسع لتشمل أحياء أخرى خارج أسوارها ليسكنها بعد ذلك أهل المحروسة لتكون حافلة بمفردات خاصة بها سواء فى هيئة بيوتها الصغيرة أو بعادات  ساكنيها والتى لا تخرج عن التقاليد المتوارثة والتى توصف بالشهامة وطيبة أهلها.

احتفى  الكثير من الفنانين التشكيليين بالحارة الشعبية لتسجيل وقائع قاطنيها وحياتهم اليومية والتى كانت ولا تزال كنزًا لا ينتهى وهى الغنية بمفرادتها البسيطة فى تركيبها، العميقة فى معانيها لنجد  معظمهم على اختلاف  مدارسهم الفنية وقد ألهمتهم تفاصيل أروع اللوحات، فنجد المدرسة الانطباعية وروادها الكبار -على سبيل المثال- وقد فتنوا بجمالها بداية  من الرعيل الأول للفن المصرى المعاصر لنرى لوحات الفنان الكبير يوسف كامل والذى رسم مئات اللوحات عن القاهرة وأسواقها القديمة ويواصل من بعده حفيده الفنان  سامح البنانى المسيرة مرورًا بفنانين أثروا هذه التجربة الغنية بموروثها الكبير مثل الفنان صلاح عنانى والفنان سامى أبوالعزم ليشكل كل فنان ملامح الحارة ببصمة خاصة وبصمة متميزة.

 

 

 

الفنانة الشابة دينا نجم آخر حبات الفن التشكيلى الواعد نتجول مع لوحاتها وشخوص الحارة المصرية والتى تبدعها بأصالة واضحة لنرى الأفراح الشعبية ومفرادتها المميزة كراقصة الشمعدان وضاربة الدف  و«الطبلية» وغربال الشموع، وإبريق الشاى على مائدة نساء الحارة اللاتى تجاورن معًا فى صداقة وملامح العشرة الطيبة وتتجلى المرأة المصرية فى الأسواق الشعبية  وتظهر فى صدارة المشهد لتلفت الانتباه إلى صمود النساء وتحملهن هموم الأسرة البسيطة  فهناك من تحمل جرة على رأسها وأخرى تبيع «البتنجان» وما يرمز إليه من التواضع المادى للأسر الشعبية بينما نرى فى صدر اللوحة بائعة تنظر  للميزان الفارغ فى انتظار من يشترى بضاعتها ولا تنسى الفنانة حوار النساء على «عربة الكارو» وحوارهم الهامس الذى يؤنسهن  فى الطريق إلى السوق - فى لفتة تعبيرية مدهشة نجد المرأة تسير فى الطريق تحمل «زلعة» على رأسها فى مقابل امرأة أخرى تجلس فوق العربة تحمل نفس «الزلعة» وكأن الفنانة ترجو الحارة والطريق بأن يترفقوا بهن فى المعاناة من أجل كسب لقمة العيش.

 رغم بساطة الخطوط فى لوحات الفنانة الواعدة دينا نجم فإنها عبرت عن تماسك النسيج الشعبى للحارة المصرية بتفاصيلها الدقيقة والتى تمازج معها ألوان واضحة ثرية لنرى النقوش الملونة فى ملابس النساء والمنمنمات المميزة لمفردات أيامهن.

وتماسك الأسرة فى التضامن يجعلهم كتلة واحدة وبنيانًا واحدًا متكاملًا فى تجمع بالغ  الحنو وتصويرها للحمام بلونه الأبيض المحبب إشارة إلى السلام الاجتماعى داخل الأسرة وخارجها فى أسلوب متفرد خاص بها لتؤكد به انضمامها لحبات عقد فنانى مصر عاشقى الفن الأصيل.

 معرض الفنانة مقام بجاليرى «ضى» بالزمالك  بعنوان «أولاد حارتنا» ويستمر حتى 16 مايو.