المغامر حنفى محمود و«تصارع الخطى»

أحمد رزق
إذا كان التجريب ليس مجرد تشكيل فنى بقدر ما هو أداء بشرى ينمى التفكير الإبداعى فإن الفنان حنفى محمود لديه العديد من التجارب الفنية الإبداعية والتى تعدت فكرة التشكيل وعرض الجوانب الجمالية المختلفة للموضوع تؤكد إصراره على التجريب والتأكيد على انعكاس ظروف عصره وأبعاده الثقافية والاجتماعية والاقتصادية على إنتاج أعماله بتفرد واضح.
فنجده منذ تخرجه فى منتصف التسعينيات وحتى الآن يقدم لنا تجارب مختلفة فالمسطح لديه له علاقة ذاتية وقصة يعيشها بمختلف الأفكار بأشكال وخامات مختلفة، ففى أولى تجاربه يعرض أفكاره على سطح شفاف «بيلكس» بطبقات متعدة ليعبر عن فكرة الاهتزاز النفسى والوجودى التى لا تصل الشخصية إلى كينونتها إلا بتطابق تلك الطبقات «Lears» وفى تجربة أخرى نجد قصاقيص الورق تعبر عن الهشاشة والضعف الإنسانى أمام تحديات الحياة. فالمسطح لدى الفنان بخاماته المختلفة شريك أساسى فى العمل والعنصر الثابت هو الإنسان، فالفكرة المعبرة عنه تختار الخامة، فخامة مثل خامة الكرتون المضلع تعبر عن عدم ثبوت أرض يقف عليها، فالفنان جزء من شريحة اجتماعية والخامات تعبر باختلاف مزجها وتشكيلها على المسطح الفنى لتحقق هدف واضح ومحدد.

ما يميز أعمال الفنان حنفى محمود هو عدم التقيد بأى أفكار مسبقة، فالفن لديه مغامرة وإصرار على المجازفة بدون أى استعراض فنرى تمكنه من الفكرة والخامة ووصوله إلى التميز بها ليفاجئنا بتركها ليقوم بعمل تجربة أخرى لم يخضها من قبل لنرى الموهبة الفنية لديه تتغلب على «الصنعة» فالمناطق التى لم يختبرها الفنان تحفز ملكة الإبداع لديه، فيستمتع المتلقى بالحوار بين الفنان وعمله والحيرة الفنية فى كل ما هو جديد.
وضوح الجسد البشرى فى اللوحات ليس موجودا، ولكنه إحساس غير مباشر به وخاصة فى حالات الضعف الإنسانى وهشاشته. واختلاف «باليتة» الألوان فى كل مرحلة تتبع بالضرورة الفكرة، فالأفكار الجادة لا تحتاج إلى بهرجة وفى بعض الأحيان لا تحتاج اللوحة إلى إطار.
اللافت فى أعمال الفنان أن شاغله الأساسى ألا يكون شبه الآخرين وخروج أفكاره بهوية خاصة وهو ما نجح فيه بالفعل فكثرة التجارب صقلت الفنان وأعطته مساحات واسعة من الخبرات والأفكار فى معرضه الحالى والمقام بمركز الجزيرة للفنون نجد اللوحات تتميز بتقنية جديدة بإضافة خامات محددة - خيوط الكتان الممزوجة بعجينة اللون - أعطت إضافة قوية لفكرة «تصارع الخطى» وهو عنوان معرضه، استوحى الفنان تلك الخامة بملاحظته لأهل مدينة - الوادى الجديد - منشأ الفنان وأسلوبهم الخاص فى البناء وملمس الطين على جدران البيوت وصعوبته من أجل إيجاد بيئة خاصة آمنة. فالصراع مع الوقت والمكان من أجل هذا الهدف هو المفهوم الأول لمعرضه بدعوة لحب العمل من أجل تحقيق هدف واضح هو الطريق الوحيد للابتعاد عن السلبية.
تأتى أعمال الفنان بأصالة خاصة مميزة باجتهاد وخصوصية لا شبيه لها.