قصة قصيرة
طرقات
أشرف أيوب معوض
-1
فتحت عينيها.. لابد وأنه الصباح، تقاوم رغبتها فى النوم وتقاوم رغبتها فى الاستيقاظ، عدَّلت من وضعها وأسندت ظهرها على متكأ السرير، أضاءت الأباجورة الصغيرة الموضوعة على الكوميدينو إضاءة خافته، أشعلت سيجارة ونظرت أمامها فرأت ضلفة دولابها مفتوحة، تطلَّعت إليه وأزاحت ملابسها المعلقة برفق، وقفت تتأملهم، استقرت على قميص نومها الأسود القصير، هو يحبه أكثر من أى قميص نوم آخر، وقفت أمام المرآة، وضعت بأناملها الرقيقة ألوانًا هادئة على وجهها جعلتها أكثر تألقًا ولمعانًا، رسمت خطوطًا رقيقة على زاويتى عينيها، رشْت على جسدها وفى الهواء برفانًا ساحرًا وراحت تنظر إلى نفسها، أدارت موسيقى راقصة، فتح هو الباب، رآها وردة زاهية تلمع، قال لها: عندما يبوح الورد بأسراره كيف لا أجن حينما ينفذ شذاه إلى أعماقى، وضع يده على خصرها وباليد الأخرى صب كأسًا من النبيذ وسكبه برفق على جسدها فاصطبغ بحمرته، راح يرتشف النبيذ المعبق بجسدها، سكرت من شفتيه، تمايلت للخلف، قبْلها، ارتعش جسدها، ضمغطت شفتيها إلى بعضهما بقوة، أغمضت عينيها واشتعلت.
2 -
فتحت عينيها، لابد وأنه الصباح، أحسَّت بصداع خفيف فى رأسها، رفعت نصفها الأعلى واتكأت على ظهر السرير، أضاءت الأباجورة الصغيرة الموضوعة على الكوميدينو وأشعلت سيجارة، أحسْت باحتياج شديد إلى قهوة الصباح كى تخفف من الصداع الذى انتابها أثناء النوم وقبل أن تكمل تفكيرها طرق الباب ودخل إليها، قال لها: «صباح الخير يا حبيبتى، أحضرت لكِ فنجانًا من القهوة».
ابتسمت وتورد خداها، قالت له: «أحب دائمًا أن تحضر لى قهوة الصباح وأنا مازلت فى السرير».
كانت آخر رشفة لهما قبلة طويلة استنشقت خلاياها عنفوان حضوره، ضمته بكل قواها، تفتَّق من جسمها جنون الصباح وتندى بنزق أبدى ثم هدأت واستراحت.
3 -
فتحت عينيها، لابد وإنه الصباح، أحسَّت بمزاج غير معتدل، يبدو أنها رأت حلمَا كئيبًا ولكنها لا تتذكره، نهضت قليلًا بجسمها إلى أعلى واتكأت على ظهر السرير، أضاءت الأباجورة الصغيرة الموضوعة بجانبها، رعشت عيناها وأحست أن الضوء قوى جدًا، علا ضجيج الصمت فتوترت، نظرت إلى الحوائط التى رأت أنها اتشحت بسناج رمادى خفيف، نظرت إلى دولابها، مازال مغلقًا، أحسَّت أن مرآتها بعيدة جدًا عنها، قاومت رغبتها كى تقوم بعمل فنجان من القهوة، انتظرت وأصغت السمع طويلَا لطرقات لم تُطرَق على الباب منذ زمن بعيد .