الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«الكلام طلع صح يا حاج»!

الدكتوراة بعد كفاح
الدكتوراة بعد كفاح

سخر منه أستاذه لأنه صعيدى اللهجة, فأصبح محكمًا لبحث أستاذه نفسه بعد سنوات، فى أكبر لجنة علمية تابعة لأكبر مجمع علمى فى العالم.



قصة العالم المصرى الدكتور «أحمد إبراهيم» قصة نصف وزنها كفاءة والنصف الآخر إصرار. كانت طفولته مليئة بالعقبات، حيث كان يعمل مع والده بأحد مناجم الفوسفات بالبحر الأحمر.

طفل كان يرى معاناة والده وتعبه كى يوفر له قوت يومه، وما شاهده طوال طفولته جعله ينظر للسماء بعقل شخص يفوق عمره بكثير.

آخر نجاحاته قناة على «يوتيوب» استعاد فيها تجربته مع النجاح وقدم دعمًا لمن لا يزالون فى أول الطريق. التقينا به ليكشف لنا عن محطات حياته وقصة صعوده:

 

• «علم تيوب» حدثنا عن هدف القناة؟ 

هى قناة على اليوتيوب هدفها جعل الحياة أسهل من خلال النصائح العلمية، وهى تقديم فيديوهات تهدف إلى توعية الناس وتزويدهم بالمعلومات يمكنهم الاستفادة منها فى حياتهم، وقررت أيضًا أن أنشر من خلالها تجربتى حتى يستفيد منها الشباب المصرى، وأكون قد قدمت لبلدى شيئًا حسب تخصصى. 

• كيف بدأت قصة كفاحك؟ 

بدايةً قررت ألا أكتفى بالدراسة كى أساعد أسرتى ورغم معارضة والدى فإننى أصررتُ على العمل، ورغم الظروف الصعبة واصلت تفوقى الدراسى وعملت خلال الفترة الصيفية لأوفر بعض النقود لدراستى، وفى المرحلة الثانوية عملت فى ورشة رخام بمبلغ  5 جنيهات فى اليوم كانت مهمتى قطع وتلميع شرائح الرخام وتعرضت يدى لجرحٍ نتيجة مسك الشنيور بشكل خاطئ ومن بعدها كنت كلما أشعر بالإرهاق من المذاكرة أنظر لهذا الجرح وأقول لنفسى «لازم أكمل»، ثم عملت فى ورشة البلاط على ماكينة لتلميع البلاط وبسبب الحر تعرضت أيدى لإصابات كثيرة لأنى كنت أرتدى قفازات طوال اليوم، لكن من الطريف أننى كنت وقت الراحة أصطحب كشكولًا أكتب فيه أمنياتى المستقبلية.

وكان من أحلامى أن أدرس فى جامعات كامبريدج وأكسفورد وبرلين وكل من حولى كانوا يضحكون عليّ قائلين: (أنت ممكن تروح هناك فعلاً بس عشان تغسل الأطباق).

واصلت مشوارى لأنه لم يكن لى خيار سوى النجاح كى أغير حياتى خاصة بعد التحاقى بكلية العلوم قسم الكيمياء بجامعة جنوب الوادى واستمررت فى عملى فى ورشة البلاط خلال فترة الصيف حتى تخرجت فى الجامعة، وكنت الأول على دفعتى بتقدير ممتاز.

• كيف استقبلت خبر تعيينك معيدًا بالجامعة؟

بعد انتهائى من الدراسة الجامعية بينما كنت أنتظر خطابًا لتعيينى بالجامعة كمعيد كنت أعمل «قهوجى» بالميناء وأول يوم عمل شعرت بمهانة كبيرة قلت لنفسى: «معقول أنا على مشارف التعيين أقدم قهوة للموظفين»؟ مرت الأيام وصبرت حتى ظهرت نقطة النور فى حياتى عندما جاءنى خبر تعيينى معيدًا فى الجامعة وشعرت حينها بفخر لا يوصف.

 

مع أستاذه
مع أستاذه

 

• نشأت فى أسرةٍ بسيطةٍ فكيف تعلمت اللغة الأجنبية ومن كان الداعم لك؟ 

كان لابد أن أتعلم الإنجليزية، اشتغلت على نفسى كثيرًا وتعلمت اللغة بنفسى ومن خلال الإنترنت، وكنت أذاكر بمجهود مكثف، أما أكبر داعم فهو والدى الذى كان مؤمناً بى وعندما جاءتنى منحة الدكتوراه من جامعة الملكة بإنجلترا ذكرته بما كنت أكتبه فى كشكولى فى الماضى وقلت له: «الكلام طلع صح يا حاج إبراهيم .. أنا ذاهب للدراسة فى جامعة فيكتوريا»، فقال لى جملة حفرتها فى عقلى: «إن شاء الله تروح هناك تدرس لهم».

• حدثنا عن أبرز المواقف التى ستتذكرها طوال مشوار عملك ؟ 

أتذكر مواقف كثيرة أبرزها هى أنه بعد حصولى على الماجستير فى إنتاج الوقود الحيوى من المخلفات الزراعية من جامعة جنوب الوادى، قدمت على البعثات الصغيرة لمدة 3 شهور وسافرت من سفاجا للقاهرة   10 ساعات طول الليل بلا نوم وعندما وصلت لمكان المقابلة ظللت من الصباح وحتى الساعة  5 مساءً فى انتظار النداء على اسمى وأنا فى قمة التعب وكنت أقول لنفسى «تعب ساعات مقابل راحة سنين».

يكمل: وحان دورى دخلت على لجنة التحكيم وكان من بينهم دكتور بجامعة عين شمس وبمجرد أن عرفت نفسى بلهجتى الصعيدية ضحك ساخرًا وقال: «قول يا صعيدى بالعربى ملكش دعوة بالإنجليزى».

وتحولت الجلسة إلى فقرة ترفيهية لكنى لم أتأثر، وقال أحدهم: اتكلم عربى عادى كأنه يشفق علىّ لكننى صممت على التحدث بالإنجليزية وكنت على استعدادٍ قبلها بأيام حيث قرأت ما يقرب من 200 بحث فى تخصصى، وقلت لهم ماذا أريد من البعثة، وبفضل الله تم اختيارى، ومرت الأيام ولأن الدنيا أصغر مما نتخيل فبعدما ترقيت أصبحت محكمًا ثم محررًا فى مجلة من مجلات نيتشر وهى أكبر مجمع علمى فى العالم وفى يوم ما وصلنى بحث أحكمه وكانت المفاجأة أنه خاص بالدكتور الذى سخر منى فى جامعة عين شمس!! وكنت فى قمة سعادتى، ولأننى شعرت فى نفسى بشىء ما خشيت أن لا أتقى الله فى عملى أو ألا أراعى الأمانة العلمية فقمت بتحويله لزميل آخر كى يتولى تحكيمه. 

• ما أبرز التحديات التى واجهتك فى الغربة؟

 أول ما وصلت بريطانيا فوجئت بأن العالم الإنجليزى الذى كنت سأعمل معه سيسافر إلى الصين لمدة 3 شهور، فتحتم علىّ العمل بدونه لكن هذا لم يربك خطتى لأنى أعرف ماذا أفعل، وخلال فترة وجيزة نُشر لى بحث فى مجلة عالمية وهو حلم لآلاف العلماء حول العالم.

مرت الأيام وجامعة فيكتوريا عرضت علىّ منحة كاملة لدراسة الدكتوراه عندها والمعروف أن المنحة على نفقة الدولة تتكلف نحو 4 ملايين جنيه، لكننى حصلت على منحة مدعمة بالكامل، وأنهيت الدكتوراه وحصلت على الدرجة عن إنتاج مواد نانو مترية لمعالجة عوادم السيارات وتلوث الهواء وإنتاج الوقود.

ونشرت «التليجراف» صورتى من بين  22 ألف طالب وبعدها عرضت عليَّ الجامعة الإنجليزية التعيين فيها ووافقت على الفور لتمسكهم بى.

 

على أبواب جامعة فيكتوريا
على أبواب جامعة فيكتوريا

 

• كل تفاصيل حياتك تغيرت لكنك ظللت متمسكًا بلهجتك فما السر وراء ذلك ؟ 

كل شىء من حولى قد تغير لكننى ظللت كما أنا حتى لهجتى الصعيدية لم أغيرها فالصعايدة فخر لمصر، فهم رمز الشهامة والجد والابتكار، لذلك أنا لست فقط متمسكًا بلهجتى الصعيدية لكن فى قناتى «علم تيوب» لا أتكلم إلا اللهجة الصعيدية، ولا أشير لنفسى إلا بلقب «أبو خالو» بعيدًا عن لقب دكتور، فلا تنتظر خيرًا من فروع شجرة بلا جذور وأنا أفخر بأصلى وحياتى البسيطة.

لم يتخلَ د. أحمد إبراهيم عن تواضعه، ولهجته، بل ظل يفخر بهما دومًا، ونشر صورًا له على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك مصطحبًا عددًا من أطفال قريته، ومعلقًا عليها قائلاً: «شباب صغيرة أسعدوا قلبى جاءوا لبيتنا المتواضع فى سفاجا ليلتقطوا صورًا معى، أطفال يحلمون أن يصبحوا لاعبي كرة، وجدوا القدوة التى تستحق»، ورفع صورة محمد صلاح.