الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الرحمة لهم ولنا

الرحمة لهم ولنا

من الجيد جدًا أن سامية جمال وفريد الأطرش وصباح ومحمد فوزى ونور الهدى وعبدالحليم حافظ وسعاد حسنى ومحمد عبدالوهاب وعبدالمطلب ونعيمة عاكف وغيرهم من زملاء وزميلات زمن الفن الجميل اللطيف قد رحلوا عن دنيانا الحالية. لا أتخيل أن أيًا منهم أو منهن كان سيفهم تعليقات أحفادهم وحفيداتهم عليهم وعلى ما يقدمونه من فن عظيم، وإن فهموا، فكانوا سيموتون حسرة وكمدًا وقبل أوانهم. أحيانًا أقف عاجزة عن فهم أصل وفصل محتوى هذه البالوعات الهادرة التى تنفجر فى الوجوه والعقول كرهًا وحقدًا وغلًا وسبًا وشتمًا باسم الدين.



هؤلاء الكارهون والكارهات لأنفسهم وغيرهم من الناقمين والناقمات على كل من أو ما من شأنه أن يشى ببهجة الحياة. الرقص حرام، والتمثيل حرام، والغناء حرام، والموسيقى حرام، والارتقاء بالروح والقلب حرام، والضحك حرام، والابتسامة حرام، والاستمتاع ببعض جوانب الحياة حرام. هذه البالوعات، مع الاعتذار للبالوعات لأنها مفيدة وبدونها لعانينا كثيرًا، تربت على فكر كراهية الحياة وتحريمها. أخبرهم أمراؤهم أن الإنسان خلق لينتظر الموت ويتوق إليه. وكلما كره الإنسان حياته وحياة من حوله وأمعن فى تحويلها إلى جحيم، وضعوه فى مكانة أعلى واعتبروه إلى الله أقرب.

ولأن هذا الموديل من الفكر الظالم المظلم الغارق فى السواد والكراهية زرع فى سبعينيات القرن الماضى  وترك ينمو ويترعرع، فإن أجيالًا متواترة تخرج علينا وتفوقنا عددًا لتحول حياتنا جحيمًا قلبًا وقالبًا. هذه الأجيال تحمل السواد لمصر والظلام للمصريين.صيتم إطلاق اسم فنان أو فنانة رحلوا عن دنيانا على شارع، يتجمع السكان على منصة عنكبوتية هنا أو هناك، ويصرخون ويعترضون. «زمن الرويبضة» و«الديوث» وغيرها من النعوت الرهيبة يتم صبها هنا وهناك، ومعها تجرى المطالبة بتسمية الشارع باسم شيخ ذاع صيته فى عالم الكراهية أو شخصية تاريخية غزت وربما قتلت ونهبت ولكن تم تحويلها إلى أيقونة أسطورية ونموذج يحتذى فى عالم الكراهية  ونشر الظلام.

الغريب أن الموت يتربص بأولئك الذين يفقهون أن الحياة حياة والموت موت، وأن الله لو أراد للبشرية أن تكره الدنيا وتزيدها ظلامًا وكآبة فى انتظار الموت لما خلق الحياة أصلًا. الحياة علم وعمل وتعليم وترفيه وموسيقى وفن وفكر ورقص وبحث فى إطار من الالتزام السلوكى والأخلاقى الذى يتكاتف فى وضع معاييره قناعات الشخص الدينية والتربوية  والأخلاقية مع القوانين التى تحكم سير الحياة وتضمن الحقوق والواجبات. أما أن تقرر جماعة أو مجموعة أن تكّفُر الناس فى عيشتهم وتسود حياتهم وتنغص عليهم كل كبيرة وصغيرة فى حياتهم حتى يعشقوا الموت ويحنون إليه وينتظرونه فهذا عين الجنون. ولا يفوقه  فى الشطط أو التعسف إلا ترك هؤلاء بفكرهم هذا وظلمهم وظلماتهم يعيثون فى الأرض وفى الأثير فسادًا دون تدخل لتطهير الأدمغة وتنقية القلوب عبر إرساء دعائم مصر مدنية خالصة. رحم الله رموز الفن العظماء والعظيمات، والرحمة لنا مما نكابده من الأموات الأحياء.