الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ركبة عفراء

ركبة عفراء

قديمًا كان شيوخ القبيلة مصدر المعرفة، تلجأ لهم عفراء بنت صخر فى كل شيء، حتى لمعرفة طريقة إدرار لبن النعجة التى تربيها، وقد تذهب لشيخ القبيلة وتقول إنها تعانى من ألم فى ركبتها، يقول: ضعى يدك على الركبة وقولى يا حزنبل ٧٠ مرة. تعود عفراء للشيخ وتقول إنها فعلت المطلوب دون جدوى، يقول: لا بد أنك أخطأت فى العد يا عفراء. ويقول شيخ آخر إن حزنبل وحده لا يكفى وينبغى إضافة زعبولة. شيخ آخر يقول: اشربى كوز شيح مغلى فى بول ناقة عزباء. 



وقد يتصادف أن تُشفى عفراء تلقائيًا بأى مرحلة، فيقال هذا هو علاج ألم الركبة، تتناقل الأجيال تلك المعرفة الزائفة، وكلما حدثت مصادفة شفاء قيل يا حزمبل، وقيل الأصل حزنبل، مع خلاف حول عدد المرات، ووجوب إضافة زعبولة، والشيح المغلى،.. خلاف حول معرفة زائفة من الأساس. 

فكيف نحصل على المعرفة لمقاربة الحقيقة؟

هناك ثلاث طرق؛ الحدس والعقل والواقع. 

أساس المعرفة الحدسية الوجدان. بعض المتصوفين يسمونها العلم اللدنى «معرفة منه فيه»، وقد يسميها الفنانون الإلهام. وعندما نشاهد لوحة كالموناليزا فنحن أمام فعل الحدس الفنى الذى حرك المخيلة فاستعملت مواد خام أو عناصر من الواقع. إذن رغم العلاقة بالواقع، وفاعلية العقل، فالقيادة هى للحدس. 

المعرفة بالعقل نظرية بأساليب التفكير المنطقى،  إنها معرفة الجالس يفكر فى مكانه، كالفلاسفة مثال أفلاطون. 

وتأتى المعرفة العلمية انطلاقًا من الواقع بمناهج بحثية منضبطة.

قديمًا كان الحدس مصدر المعرفة الأساسى للجماعات البشرية، تتناقلها شفاهة بالخرافات والأساطير والحكاوى والمعتقدات والتى قد تدون عبر الأجيال، وتختلط عشوائيًا ببعض الخبرات والافتكاسات الشخصية والعامة، مثال حزمبل. 

تطورت البشرية وتعلمت استعمال المعرفة بالحدس فى موضعها، وأن المعرفة المبنية على الواقع هى أساس العلم، ومقاربة الحقيقة. قبل ذلك، ربما كان لا مفر لمعالجة ركبة عفراء غير المعرفة الحدسية المتوارثة. كان شيخ القبيلة هو عالم زمانه، وتطورت الدنيا، فلم يعد مصدرًا للمعرفة مهما حسنت نيته هو وأسلافه. 

وبينما قطعت البشرية أشواطًا بعيدة فى المعرفة العلمية، تصر اللغة عندنا على منح رجل الدين لقب عالم كرجل العلم. ويتعامل معه كثيرون -كما كانت عفراء تتعامل معه- باعتباره دائرة معارف كونية، فهو رجل قانون، واجتماع، واقتصاد، وسياسة، وخبير نفسي، وطبيب،.. إلخ، وما زال كثيرون من رجال الدين ينظرون لأنفسهم كشيوخ القبيلة فى الماضى،  ويتزاحم عليهم الناس يسألونهم فى كل شيء، وكثر الطلب عليهم لدرجة الشروع فى عمل أكشاك لدعم غير القادرين على التفكير بأنفسهم. 

مجال معرفة رجل الدين هو الدين، وعليه أن يتواضع ويقصر كلامه على الشئون الدينية كنواقض الوضوء، والصيام، وماذا ينبغى مثلًا فى حالة السهو فى الصلاة. 

العلماء علماء والمشايخ مشايخ. 

مضى زمن شيخ القبيلة العارف بكل شيء يا عفراء.