الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الزيادة السكانية «غول» يلتهم التنمية

أكبر معدلات نمو مقابل زيادات سكانية عالية
أكبر معدلات نمو مقابل زيادات سكانية عالية

نجاحات حققتها مصر على مقياس أداء النمو الاقتصادى والإيرادات خلال السنوات الأخيرة بقرارات جريئة، غير أن تجاوز عدد السكان الـ 102 مليون يدق ناقوس الخطر بسبب تبعات لتلك الزيادة  على مسارات التنمية، فرغم القفزات التنموية فى كل المجالات يظل غول الزيادة السكانية أكبر تحدّ أمام كل الجهود.



حسب الجهاز المركزى المصرى للإحصاء تجاوز عدد سكان مصر رسميّا 102 مليون نسمة، وأظهرت بيانات الإحصاء، أن عدد سكان مصر سيصل إلى 119.8 مليون نسمة عام 2030 وفقاً لإسقاطات السكان المستقبلية التى قام الجهاز بإعدادها عن الفترة من عام 2017 حتى عام  2052. وهذا العدد يساوى عدد سكان 15 دولة أوروبية، ما يعنى أن معدل الخصوبة لا يزال بحدود 3 بالمائة وأن الزيادة السكانية بلغت 2،5 مليون نسمة سنويّا.  ورغم أن  الاقتصاد المصرى  يشهد منذ 6 سنوات تحولات هيكيلية كبيرة استهدفت النهوض به وتنويع مصادر دخله، وبدأت هذه الإصلاحات  تعطى ثمارها المتمثلة فى مؤشرات عدة أبرزها تجاوز معدلات النمو الاقتصادى 5.5 بالمائة سنويّا وزيادة الاحتياطات من العملات الأجنبية وتنفيذ مشاريع ضخمة فى البنَى التحتية وزيادة الصادرات بنحو مليارَى دولار سنويّا تظل الزيادة السكانية بتبعاتها أزمة كبيرة تواجه كل جهود التنمية على جميع الأصعدة.

 

زيادة أعداد المصريين تجاوز ت حدود المتوقع
زيادة أعداد المصريين تجاوز ت حدود المتوقع

 

صعوبة السيطرة

تفيد مراكز الأبحاث والخبراء أن النمو الاقتصادى ينبغى أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكانى كى يكون قادرًا على خَلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد، ومما يعنيه ذلك أن نسبة نمو سكانى بين 2.5 إلى 3 بالمائة سنويّا فى مصر تحتاج إلى نسبة نمو اقتصادى من 7.5 إلى 9 بالمائة سنويّا.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة النمو الفعلى لا تزال بعيدة عن النسبة المطلوبة؛ فإن فرص جنى ثمار النمو فى تحديث البنية التحتية  وبناء صناعة تحويلية بقيمة مضافة عالية تصبح تحديًا كبيرًا فى ظل تصاعد نسب الزيادة السكانية.

 ويعود السبب الرئيسى إلى أن المواليد الجدد يلتهمون كل الثمار التى يذهب ريعها إلى توفير الأدوية والأغذية والخدمات بدلا من استثمارها فى قطاعات تولد الإنتاج والثروة اللازمة لتحديث نظم التعليم والبحث العلمى والبنية التحتية.

ولا تكمن مشكلة مصر مع النمو السكانى فى افتراسه لثمار النمو فحسب؛ بل أيضًا  فى تسببه بقضم الأراضى الزراعية ومصادر المياه المحدودة.

 وتقع هذه الأراضى التى تشكل فقط 5 بالمائة من مساحة مصر على  نهر النيل الذى يشكل مصدر المياه الأساسى، وخلال العقود الخمس الماضية كان كلما زاد عدد السكان يتم التوسع العمرانى على حساب ما تبقى من الأراضى الزراعية التى كانت حتى ستينيات القرن الماضى تنتج ما يزيد على حاجة المصريين من القمح والأرز، وأدى هذا إلى أن تحولت  مصر إلى أكثر بلدان العالم المستوردة للحبوب، كما تراجعت حصة الفرد من المياه إلى أكثر من 50 بالمائة خلال الخمسين سنة الماضية، ناهيك عما تنعكس به الزيادة السكانية غير المنضبطة على  النظام التعليمى والتطبيقى لإخراج كفاءات قادرة على الإبداع فى منتجات وتكنولوجيات ومعارف جديدة. 

أقدم الرئيس «السيسى» على إصلاحات اقتصادية عميقة وجريئة حظيت بإشادات وشهادات المؤسّسات الدولية والأممية على رأسها صندوق النقد الدولى، فى الوقت الذى بدأت فيه الدولة خططًا جدّية لخفض معدل الخصوبة إلى طفل أو طفلين للمرأة الواحدة بدلاً من 3 إلى 5 أطفال لكل امرأة؛ لأن أى نمو اقتصادى  لا يمكن ضمانه فى ظل معدل كهذا للمواليد، وفى ظل إحصائيات تتوقع تضاعف عدد السكان فى غضون أقل من 40 سنة لو استمر معدل التزايد السكانى على ما هو عليه. 

معدلات خصوبة عالية لابد من تنظيمها
معدلات خصوبة عالية لابد من تنظيمها

 

مبادرات الصحة

قالت الدكتورة مايسة شوقى،  أستاذ ورئيس قسم الصحة العامة بجامعة القاهرة، ونائب وزير الصحة السابق، إن القضية السكانية مازالت تشكل التحدى الأكبر فى التنمية الاقتصادية، وبالنظر إلى المحاور المختلفة للاستراتيجية القومية للسكان 2015- 2030، نجد أن الهدف الأساسى هو «تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية» لاحتواء الزيادة العددية فى المواليد، من خلال الرؤية الشاملة التى يتبناها الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى ملف الصحة، لضمان حياة كريمة للمواطن، وتمتعه بصحة جيدة، وأيضًا الاهتمام بالأطفال وصحتهم التغذوية، وبالمرأة المصرية كعماد أساسى لملف السكان، وتدشين نظام التأمين الصحى الشامل الجديد.

وأكدت شوقى، على أن هناك بُعدًا جغرافيّا مُهمّا للقضية السكانية، فبدلًا من تكدس السكان فى المناطق المأهولة بها، فإنه يتم توزيعهم فى المدن الجديدة، كما تهتم الدولة بأطياف المجتمع التى تعانى من ظروف معيشية صعبة، وتعيش تحت خط الفقر، ولذا تم تدشين مبادرة «حياة كريمة»،  لرفع العبء عن الأسر والتحقق من تلبية احتياجاتها الأساسية بصورة ممنهجة، ولذلك فهى مبادرة داعمة للأسرة المصرية، لكن لا بد من حلول لمعدلات الزيادة من جانب المواطن.

واستحسنت مايسة شوقى جهود الجهات المعنية بالدولة لتحديث مستمر لأطلس التنمية السكانية؛ حيث يرتكز إلى البحث العلمى،  ويساعد فى تحديد الأولويات، وتحسين استثمار الموارد.

وأضافت الدكتورة مايسة شوقى: إن النظام المستحدث للمتابعة والتقييم الذى يتم الاعتماد عليه الآن لقياس نتائج تطبيق الاستراتيجية القومية للسكان، تمكنت من تصنيف محافظات الجمهورية إلى مناطق جيدة ومتوسطة ومتدنية الخصائص، وكان من مؤشرات نتائج التطبيق خلال العام الأول انخفاض المناطق متدنية الخصائص بنسبة 66 %، وارتفاع المناطق المتوسطة بنسبة 76 %.

 

حملات توعية مستمرة وقاعدة بيانات للمحافظات
حملات توعية مستمرة وقاعدة بيانات للمحافظات

 

وقالت  الدكتورة مايسة شوقى،  بأن حوكمة الملف ونقل تبعيته لرئيس الجمهورية، هو من أهم التدخلات السياسية المطلوبة فى ملف السكان، ويجب سرعة استصدار تعديل  لقانون إنشاء المجلس القومى للسكان، وحتمية انفصاله عن التبعية لوزير الصحة، لما يترتب على ذلك من معوقات.

من جانبه قال الدكتور عمرو حسن، المقرر السابق للمجلس القومى للسكان، إنه طبقًا للاستراتيجية القومية للسكان وفق رؤية مصر 2030، كان من المفترض أن يصل عدد السكان فى 2020 إلى 94 مليون نسمة، ولكن الواقع أنه بلغ 101 مليون نسمة فى 2020، بزيادة 7 ملايين عما كان مخططاً له، وهى ملامح لما تواجه الدولة من تحدّ فى هذا الملف. وأضاف عمرو حسن إن مصر تواجه عدداً من التحديات، منها مواريث عقود مضت ساهمت فى تفاقم المشكلة السكانية، منها عدم انتظام خدمات تنظيم الأسرة فى أماكن كثيرة، ووجود عدد كبير من المناطق التى كانت محرومة من الخدمة، مع سوابق غياب استراتيجية بحلول جذرية للتعامل مع الأزمة.