الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحلة فى تسجيل التراث اللا مادى

تتمتع دمياط بتراث ثرى، فهناك الأنشطة الحرفية الخاصة بالمدينة والريف، والمناطق الساحلية بل والبيئة الصحراوية.  وهذا التنوع الغنى بالإضافة إلى كونها مدينة واقعة على البحر المتوسط، ويصب فى فرعها نهر النيل فقد تم اختيار دمياط من قبل اللجنة الوطنية لليونسكو بمشروعها لصون  التراث الثقافى اللا مادى فى دمياط كرافد من مشروع الحفاظ على التراث المتوسطى وكجزء من تراث النيل.



 المبدعون وحفظ التراث اللام مادى  وقد أسهم فى جمع هذا التراث اللا مادى من مبدعى دمياط : سمير الفيل، وأحلام شحاتة، وحلمى ياسين، وفكرى داوود، وماهر ويليام، وسمر صابر، وحسن المالح، وأبو الخير بدر وتُقى المرسى وأمل البرنبالى. فيقول الكاتب المبدع سمير الفيل عن ذلك المشروع: تولى كل منا جمع عناصر معينة كادت أن تنقرض فجمع البعض من المدينة عناصر «الأويمة الخاصة بالموبيليا، والكرينة التى تُصنع من الخوص، والأغانى الشعبية، وفرقة الزفة الدمياطى والأزياء مثل «الملاية اللف». قابلنا أناسًا عاصروا هذه التراث اللا مادي، وأجرينا حوارات مهمة نقلوا لنا فيها خبراتهم، ومنها أيضا خبرات عن أطعمة مميزة مثل «الجبنة البيضاء الدمياطي» والمِشََبِك ورغيف الحواوشي، والبصارة، والصيادية، والبطة المُرتة، كما احتوت عملية جمع التراث الحكايات والأساطير. مثل حكاية شجرة المظلوم وقد جُمعت من قرية المنيا فى دمياط، والحكاية عن تاجرين تشاجرا فقتل أحدهما الآخر فتم بناء ضريحين، أحدهما للمظلوم يزوره الناس، والآخر للظالم ولا يزوره أحد. وعند شجرة المظلوم تذهب المرأة التى تريد أن تُرضع طفلها، ولم ينزل فى صدرها لبن، فتقص خصلة من شعرها، ثم تتدحرج على منحدر أو تل ناحية «شطا» ثم تذهب إلى بيتها فتستحم وتشرب لبنا فيدر ثديها اللبن.  وكذلك هناك فكرة تدحرج المرأة العقيم بعد أن تمشى فى أرض زُرعت بالباذنجان. لم تعد هناك الشجرة ولا الضريح فقد اندثرا لكن بعض الناس الكبار فى السن يحفظون هذا التراث. الحرف اليدوية ومن أهم الحرف التى تم تسجيل عناصرها فى التراث اللا مادى طريقة صناعة الأحذية البلدي، وصناعة «الأويمة» الخاصة بالنجارة، وصناعة الكرينة «الخاصة بالأثاث» وقد أشرف على تدريب مجموعات العمل د. مصطفى جاد ود.إسماعيل الفحيل والمهندس صفوت سالم ود.هشام عبدالعزيز، ومحمد عبدالسميع، وضم المشروع جمع التراث اللا مادى فى دمياط المدينة، وفى الريف، وفى المنطقة الساحلية والمنطقة الصحراوية أو البدوية بالقرب من «الركابية»، و«جمصة». وتم عمل فيلم تسجيلى عن ذلك لمدة عشرين دقيقة، وسافر حلمى ياسين وأحلام شحاتة إلى باريس لعرض الفيلم، وعرض تجربتهم فى جمع التراث اللامادى فى دمياط كجزء من تراث النيل. شق اللبحر أما أحلام شحاتة وهى أديبة تكتب القصة القصيرة، ومسرحيات وأغانى للأطفال فتقول لى : «تدربنا على جمع التراث اللامادى وكنت مع فريق الريف من قرية «كفر العرب، أما تقى المرسى وأمل البرنبالى فقد جمعتا تراث المنطقة الساحلية، أما تراث المدينة اللامادى فقد جمعه سمير الفيل وحلمى ياسين. وتقول أحلام شحاتة : «جمعت 19 عنصرا من أغانى الأفراح، والمهن اليدوية للرجال والنساء، والسُبوع، ورُقية الطفل، وطالع النخل، وتعدية البحر لفك المشاهرة، وتحدث عندما تدخل امرأة على أخرى وهى ترضع فينقطع لبنها، وتقوم الحكاية على أن تذهب المرأة التى حدث لها ذلك فى مركبة إلى البحر ثم تعود من طريق آخر إلى الجهة التى ركبت منها. وجمعنا الحكايات صوتًا وصورة لتوثيقها عن الوصفات الشعبية «من النساء الكبيرات فى السن»، وأغنيات فى مدح النبي، وأغانى أفراح قديمة، وحكاية الأكياب «عشش رأس البر القديمة، وبعض الأشغال اليدوية، وبعض المأكولات مثل الكعك، والبسكويت». وعندما سافرت إلى باريس انبهر الناس بحماس الفريق المصرى والذى تمثله دمياط، وقد تدربنا بشكل جيد على جمع التراث من خلال حلقات دراسية كان يُدرس فيها د. إبراهيم عبدالحافظ، ود. سميح شعلان، ود. أحلام أبوزيد، ود. مصطفى جاد. فن الأويمة ويقول الكاتب المبدع حلمى ياسين حول تجربته فى جمع التراث اللامادى فى دمياط – مشروع اليونسكو إنه قدم ملفا مهما عن الحرف النادرة التى بدأت تندثر بسبب دخول الماكينات الحديثة، وهى حرفة صناعة «الأويمة»، وهى حرفة تُمارس بأدوات بسيطة، وهى عبارة عن الحفر على الخشب بأشكال مميزة تتمثل فى زهور وأوراق شجر، وأشكال لشخوص وحيوانات وطيور، وتصنع بشكل يدوى ولها طابع مميز فى مجال صناعة الموبيليات فى دمياط، ويتم حفر على الخشب ويُنفذ فى كراسى الصالونات، وغرف النوم، والسفرة، والأنتريهات وهى من الحرف التى لا بد من الحفاظ عليها، وقدمتها فى مشروع اليونسكو لحفظ التراث اللا مادى فى دمياط، وسافرت لعرض التجربة فى باريس فسألته عن أثر هذه التجربة المهمة على إنتاجه الإبداعى بعد ذلك. فقال : «عندما عدت وضعت خطة لنفسى لحفظ ما أعرف من وجوه التراث اللا مادي، وقمت بعمل أفلام تسجيلية عن بعض المهن والحِرف التى فى طريقها للانقراض مثل فيلم «الألفاط» وهى مهنة يقوم فيها صاحبها بصيانة المركب الخشب من خلال شد خيوط بين فتحات الخشب فى المركب لكن الآن المراكب أصبحت من حديد، وكادت تنقرض مراكب الخشب. جزيرة العزبى ومن الأفلام التسجيلية التى أعددتها وأخرجتها وصورتها فيلم بعنوان«عايزين نتعلم»، وهو فيلم يرصد عادات ومعايشات فى أمكنة سوف تزول، ومنها جزيرة العزبى التى تقع على بعد أربعين كيلو داخل بحيرة المنزلة، ومع تطهير البحيرة سوف تزول الجزيرة، ويعتمد أهلها فى معيشتهم على صيد الطيور والسمك. كنز أبيض ومن أفلامى التسجيلية أيضا فيلم «التونة كنز أبيض» عن سمكة «الألباكور» وهى السمكة الأساسية فى صناعة التونة، وكل صناعات التونة فى مصر تقوم عليها، وهى تبدأ دورة حياتها فى مياهنا الدافئة فى رأس البر، كما تعيش فى بورسعيد، والسلوم، وموسمها يبدأ من مايو، ويونيو ويوليو، حتى أغسطس، وهى موجودة بكثرة فى البحر الأبيض المتوسط، ونحتاج للاهتمام بها لأنها مصدر ثروة لصناعة التونة التى نستوردها من الخارج بينما هى السمكة نفسها التى تسبح فى مياهنا الدافئة بأعداد كبيرة. ويتم صيدها بطريقة بدائية، وقد نجحت فى الذهاب فى «سرحة» 7 أيام مع الصيادين وصورت طريقة صيدها وأهميتها، وكونها ثروة مهمة لا بد من العناية بها. كشف نقوط ويضيف حلمى ياسين: أن من أفلامه التسجيلية أيضا فيلم «كشف نقوط» ويُسجل لحدث اجتماعى يتم فى «كفر البطيخ» بدمياط، ويشبه فكرة «الجمعية» المتعارف عليها كل من يذهب إلى عُرس يدفع نقوطا ويتم تسجيله فى كشف، وعليه يوما أن يرد النقوط إلى من يوجد اسمه فى هذا الكشف «أى يدفع النقوط فى الأعراس حسب العرف السائد بين أهل كفر البطيخ». لكن اللافت أنه يذكر أنه حتى الشخص الذى ليس لديه عُرس أو أبناء أو بنات يتزوجون، وأسهم فى دفع «النقوط» فى أعراس الغير، يمكنه أن يقيم ليلة، ويعزم الناس وهم بدورهم يدفعون له «النقوط»، وفى الحفل الذى يعده لهم يقيم وليمة «طعامًا وشراباً» ويزينها ببوكيهات الورد، ويدخل فى عمل حفل «كشف النقوط» حوالى 45 مهنة منها الفِراشة، والمحاسب، والدليفرى «أى أن يقوم شخص بالنيابة عن آخرين بالتسجيل والدفع فى كشف النقوط، وهناك بائع الورد، والطعام، والمشروبات وغيرها» تلك هى دمياط بتراثها الاجتماعى والأدبى وعنايتها بمختلف الفنون جزء من تراث النيل، ومنها وإليها تعود حكايات الحلم وأساطير الجمال، وفيها معانى التضامن الاجتماعي، والتماسك، فهى مجتمع المحبة.